2022-04-11 11:54
يظن الكثيرون أن عمل المراسل التلفزيوني سهل، ولا يتطلب منه سوى التنقل من مكان لآخر والوقوف أمام الكاميرا لنقل الأحداث والتطورات وهذا ليس صحيحا. فالظهور على الشاشة في حد ذاته تحد كبير؛ وعلى المراسل أن يبذل كامل جهده كي يوصل صورة الحدث والأخبار بدقة وسرعة ومصداقية دون أن يرتكب أخطاء وهفوات تقلل من مهنيته وتؤثر على سمعته.
مع ذلك، تغزو الكثير من الشاشات العربية وجوه مراسلين يرتكبون الأخطاء المهنية والأخلاقية دون محاسبة. بعض أسبابها يعود إلى المراسل نفسه مثل قلة الخبرة، وغياب الضوابط المهنية، وأسباب أخرى تتعلق بالمؤسسات الإعلامية ذاتها، التي يغيب عنها تقديم الإرشاد المهني للمراسلين، سواء عند إعداد تقاريرهم أو أثناء الظهور في البث المباشر خلال الأحداث الكبرى، فضلاً عن هرولة العديد من القنوات الفضائية نحو سرعة نقل الخبر لكسب المشاهدين بدلاً من التأكد من صحته ومصداقيته.
يهدف هذا المقال للتعرف على أهم الأخطاء التي يقع فيها المراسل التلفزيوني، سواء كان ذلك بعلم منه أو نتيجة تقصير من المؤسسة التي يعمل لديها.
قبل إعداد تقرير أو قصة ما، على المراسل أن يسأل نفسه: هل تتوفر الصور الكافية لتناول قضية ما؟ إن كان الجواب نعم، فليخرج إلى مقصده، وإلا فعليه عدم المجازفة بإعداد قصة تغيب عنها الصورة التي تُعد أساس التلفزيون.
قبل فترة حدثني زميل يعمل في قسم المراسلين لإحدى الفضائيات العربية حكاية حصلت مع أحد مراسليها. يقول زميلي إن المراسل قدَم مقترحاً لإعداد قصة عن عادة تراثية اندثرت في بلده، وحينما سأله مديره (زميلي) عن كيفية معالجة القصة صورياً، تلعثم المراسل قليلاً ثم ظنَ أنه عرف الطريق، فقال: "سنأخذ صوراً قديمة لأناس وهم يحيون تلك العادة قبل اندثارها منذ عقود". بعيداً عن ضعف الفكرة وغياب الصورة فيها، هناك سؤال آخر يتعلق بمدى أهمية تناول تلك القضية التي نسيها أهلها حتى أصبحت طي النسيان.
الكثيرون ممن يعتبرون أنفسهم مراسلين يتبنون أفكاراً متشابهة، فيعدون تقارير تفتقد للصورة المتعلقة بالحدث ذاته، ويعززون التقرير بصور للشارع والمارَة. وهذا أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها المراسل التلفزيوني. القاعدة الذهبية: إن لم تتوفر الصور المناسبة للموضوع قيد المعالجة؛ فلا داعي للتقرير بأكمله!
أبو العُريف مصطلح يُطلق شعبياً على من يدعي معرفة كل شيء؛ فيفتي في كل شاردة وواردة ويتدخل بما لا يعنيه.
على المراسل أن يتذكر دائماً أن مهمته الأساسية تكمن في نقل الأحداث ومشاهداته الميدانية للجماهير، دون أن يضع رأيه فيها على الإطلاق. وينطبق الأمر على التغطية المباشرة أيضاً، خاصة عند وقوع أحداث كبرى وحساسة. في هذه الحالة على المراسل الاكتفاء بنقل ما يشاهده بعينيه ويحصل عليه من المصادر الرسمية، وألا يتحول إلى محلل سياسي أو فيلسوف أو مسؤول، يفهم في كل صغيرة وكبيرة. قبل فترة كنت أشاهد مراسلاً ينقل تداعيات المنخفض الجوي على إحدى الفضائيات الفلسطينية، وإذ به يقول: "وإنني أطالب مواطنينا بعدم الخروج من منازلهم بسبب تراكم الجليد"! وهنا، تحول من مراسل إلى مسؤول رسمي أو رجل شرطة، وهذه ليست مهمته. المراسل أخطأ هنا، لكن أين دور الفضائية التي يعمل لديها. كان من المفترض على المسؤولين عنه تنبيهه ومنعه من تكرار ذلك.
أما المراسل الذي راكم خبرة طويلة، فلا خطأ في إبداء رأيه وتحليل الأحداث السياسية خلال مشاركته في نشرات الأخبار، فخبرته الميدانية والسياسية الممتدة لسنوات طويلة تُعد بمثابة شهادة له في هذا المجال.
يقع الكثير من المراسلين في الخطأ حينما يفضلون السرعة في نقل الخبر على دقته، بسبب المنافسة مع المراسلين الآخرين في الفضائيات الأخرى، خاصة خلال النقل المباشر للأحداث الساخنة. الأصح، أن ينتظر المراسل ويبحث في الخبر حتى يتأكد من حقيقة كل ما يقوله، حتى لو سبقه الآخرون في النشر. في حادثة السقوط المأساوية للطفل المغربي ريان في البئر الشهر الفائت، والإعلان عن وفاته بعد 5 أيام، تابعنا العديد من المراسلين على القنوات المغربية والعربية ينقلون تطورات الحدث، وشاهدنا في الوقت ذاته الأخطاء الجسيمة التي وقع بها الكثيرون بسبب السرعة وعدم الارتكاز على مصادر دقيقة، حتى توقع العالم أن يخرج ريان حياً؛ فكانت الصدمة بإخراجه جثة هامدة من قاع البئر.
ليس تخفيفاً من مسؤولية المراسل في هذا الشأن، لكنَ المؤسسات الإعلامية تتحمل أحياناً مسؤولية وقوع المراسل في الخطأ، إذ تميل بعض المؤسسات لفرض معلومات معينة على المراسل خلال البث المباشر، لمجرد تناقل تلك المعلومات على شاشات منافسة. أثناء النقل المباشر يكون مستحيلاً على المراسل الإتيان بمعلومات جديدة غير تلك التي يشاهدها بأم عينه خاصة في ظل غياب المنتج (producer) الذي يزوَد المراسل الميداني بالمعلومات. في هذه الحالة، على غرف الأخبار التحقق من صحتها. فغياب التحقق يؤدي لإرباك المراسل ووقوعه في فخ الأخطاء، بفعل التناقض بين ما يراه بأم عينيه، وبين ما ينقله المذيع في استوديو الأخبار.
أضف لذلك أنَ إجبار المؤسسات الإعلامية مراسليها على التغطية لساعات طويلة من قلب الحدث يوقع الكثير من المراسلين في أخطاء مهنية. الأفضل إتاحة الفرصة للمراسل لاستقاء أخباره من المصادر المختلفة بين الحين والآخر بدلاً من مواصلة التغطية، دون منحه فرصه للتنفس وتجديد معلوماته.
من الجيد أن يطلع المراسلون خاصة الجدد على تجارب غيرهم من ذوي الخبرة للإفادة منهم، لكن من الخطأ الميل لتقليدهم. المراسل الذكي يتعلم من غيره من المراسلين، يستفيد من تجاربهم وأخطائهم. قضية أخرى يعاني منها بعض المراسلين وهي التكلف والتصنع، والقيام بحركات غير مناسبة على الشاشة إطلاقاً. كل ذلك ينم عن ضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس وبما يقدمه المراسل نفسه. المشاهد ذكي وباستطاعته أن يميز بين المراسل الذي يتصرف على طبيعته وبين ذاك الذي يُظهر عكس شخصيته، وكلما كان المراسل عفوياً وطبيعياً، حظي بقبول الجماهير وثقتهم.
المراسل المهني يتجنب نشر صور الضحايا خاصة في النقل المباشر، وكلما زادت خبرة المراسل في العمل الميداني، كان أكثر وعياً لهذه المسألة. في المقابل، أكثر من يقع في خطأ نقل صور القتلى والضحايا في وقت التفجيرات والحروب هم الصحفيون المبتدئون في المهنة. كما أنَ انتشار ظاهرة المواطن الصحفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في تكريس هذه الإشكالية حتى أصبح نقل جثث الضحايا على الشاشات أمراً طبيعياً. ويزداد الأمر حدة في الفضائيات التي تستفيد من انتشار الهواتف الذكية بين أيدي المواطنين لتنقل عن وسائل التواصل الاجتماعي الأخبار والصور، بلا تدقيق.
إلى جانب إيذاء المشاهد، يؤذي المراسلون أهالي الضحايا من خلال الأسئلة التي يوجهونها لهم، لا سيما في النقل المباشر، مثل سؤال أهالي الضحية عن شعورهم تجاه الفقد الذي أصابهم! ما الذي يتوقعه المراسل في هذه الحالة، أن يكون أهالي الضحايا مسرورين مثلا؟
المراسل الجيد هو الذي يتجنب كل ما سبق من أخطاء ويعمل دائماً على تطوير نفسه مهنياً بالمشاركة بالدورات الإعلامية المختلفة والاطلاع على تطورات أدوات العمل الإعلامي؛ فالرتابة تقتل روح العمل الصحفي والإبداع، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف لملل المشاهدين منه، وربما استغناء مؤسسته عنه. كما أن المراسل الجيد يجدد أساليبه بما يتناسب مع الحداثة والتطور الهائل في الإعلام الرقمي الذي جعل من الكثيرين مواطنين صحفيين ينقلون الخبر لحظة وقوعه، دون أن يقع في فخ الشائعات والأخبار الكاذبة. وهذا بحد ذاته يشكّل تحديًا للمراسلين الذين يجب أن يبذلوا جهودًا كبيرة في صياغة الأحداث والحقائق من زاوية مختلفة ومشوقة بدون المساس بجوهر الحقيقة.
وكلما زادت ثقافة المراسل وعلاقاته الشخصية مع المحيط والناس والمسؤولين، حقق نتائج أفضل عند التعامل مع الأحداث والمستجدات، حتى على صعيد الحصول على الأخبار الحصرية الدقيقة، وعليه في هذه الحالة العمل الدائم على استحداث قنوات اتصال وبناء علاقات جيدة دون أن تطغى تلك العلاقات على مهنيته. كثيرون يستغلون مهنة الصحافة لبناء علاقات خاصة مع المسؤولين لتحقيق أجندات شخصية، مما يؤثر على طريقة تناوله للأحداث ومصداقيته.
وأخيراً، على المراسل أن يجرد نفسه من كل الانتماءات المذهبية والعرقية، ويلتزم الموضوعية في نقل الأحداث كما هي، دون إخفاء للحقيقة لمجرد تعارضها مع قناعاته الشخصية. في هذا الإطار، على المراسل أن يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن وسائل الإعلام المؤدلجة، لأنها ستؤثر على استقلاليته أولاً، وتحرمه من التطور أو الوصول لقنوات فضائية أفضل لاحقاً مهما بلغت مهارته الصحفية.
المصدر: لندا شلش-معهد الجزيرة للاعلام