2021-06-25 09:47
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها في 24 حزيران-يونيو 2021 عن الانتهاكات المرتكبة في الاراضي الفلسطينية تحت عنوان "الشرطة الإسرائيلية استهدفت الفلسطينيين باعتقالات تمييزية وتعذيب واستعمال قوة غير قانونية" . وجاء فيه:
ذكرت منظمة العفو الدولية اليوم أن الشرطة الإسرائيلية ارتكبت مجموعةً من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة، ذلك أنها شنت حملةً قمعيةً تمييزيةً اشتملت على اعتقالاتٍ جماعيةٍ واسعةٍ، واستعمال القوة غير القانونية ضد متظاهرين سلميين، وإخضاع المحتجزين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وذلك خلال الأعمال العدائية المسلحة في إسرائيل وغزة وبعدها.
كما أن الشرطة الإسرائيلية تقاعست عن حماية الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية في إسرائيل من الهجمات المتعمدة التي تشنها ضدهم جماعات اليهود المتعصبين المسلحة، وذلك حتى عندما أُعلِن عن تلك الخطط مسبقًا، وكانت الشرطة على علم بها، أو كان ينبغي لها أن تعلم بأمرها.
وقال صالح حجازي، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "إن الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية تقدّم صورةً دامغةً للتمييز والقوة المفرطة التي استخدمتها الشرطة الإسرائيلية بلا رحمة ضد الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة."
وأضاف بالقول: "على عاتق الشرطة واجب حماية كل الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرة إسرائيل؛ سواء كانوا من اليهود أو الفلسطينيين. لكنْ عوضًا عن ذلك، فقد كان الفلسطينيون هم الغالبية الساحقة ممن اعتقلوا في حملة الشرطة القمعية بعد اندلاع العنف في الأحياء المختلطة السكان. أمّا القلّة من مواطني إسرائيل اليهود الذين ألقت الشرطة القبض عليهم فقد لقَوا معاملةً متساهلةً على نحو أكبر. كما يتابع اليهود المتعصبون تنظيم المظاهرات، بينما يواجه الفلسطينيون القمع."
وقد تواصل باحثو منظمة العفو الدولية مع 11 شاهدًا، كما تحقّق مختبر أدلة الأزمات التابع لها من 45 مقطعَ فيديو وأشكالٍ أخرى من وسائط الإعلام الرقمية لتوثيق أكثر من 20 حالةً من انتهاكات الشرطة الإسرائيلية بين 9 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران عام 2021. وقد أصيب المئات من الفلسطينيين في تلك الحملة، وقـُتِل صبيٌّ كان عمره 17 عامًا بالرصاص.
ومنذ 10 مايو/أيار، ومع امتداد المظاهرات إلى المدن التي يعيش فيها سكانٌ فلسطينيون داخل إسرائيل، اندلعت أعمالُ عنف في الأحياء المختلطة السكان. وقد أصيب العشرات بجروح، وقُتِل اثنان من مواطني إسرائيل اليهود ومواطنٌ فلسطيني. وقد تعرضت الكـُنُسُ اليهودية والمقابرُ الإسلامية للتخريب. وفي 13 مايو/أيار، دُمّرت 90 سيارةً يملكها فلسطينيون في مدينة حيفا، وألقيت الحجارة على الفلسطينيين داخل بيوتهم. وفي القدس الشرقية، استمرّ المستوطنون الإسرائيليون في مضايقة السكان الفلسطينيين بعنف.
وردًّا على ذلك، شنت السلطاتُ الإسرائيلية في 24 مايو/أيار "عملية القانون والنظام" التي استهدفت بالدرجة الأولى المتظاهرين الفلسطينيين. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الهدف من العملية "تصفية الحسابات" مع المتورطين، و"ردع" المزيد من الاحتجاجات.
وحسب مركز "مساواة"، وهو مؤسسة فلسطينية للدفاع عن حقوق الإنسان، فقد اعتقلت الشرطة الإسرائيلية بحلول 10 يونيو/حزيران أكثر من 2150 شخصًا - أكثر من 90٪ منهم فلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية في إسرائيل أو من سكان القدس الشرقية. كما ذكرت المنظمة أنه تم توجيه 184 لائحةَ اتهامٍ بحق 285 متهمًا. وحسب مركز "عدالة"، وهو مجموعة أخرى تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، فقد قال أحد ممثلي مكتب الادعاء العام في 27 مايو/أيار إن 30 مواطناً اسرائيلياً يهودياً لا غير كانوا من بين الذين وُجِّهَتْ لهم اتهامات.
يُذكر أن غالبية الفلسطينيين المعتقلين احتجزوا لارتكابهم مخالفات من قبيل "إهانة شرطي أو الاعتداء عليه"، أو "المشاركة في تجمّع غير قانوني"، وليس بسبب الاعتداء العنيف على أشخاص أو ممتلكات، حسبما أفادت "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل".
وأردف صالح حجازي: "لقد تم تدبير حملة القمع التمييزية هذه كعملٍ انتقاميٍّ وترهيبي بغية سحق المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، ولإسكات مَنْ يَجهرون بإدانة التمييز المؤسّسي والقمع الممنهج الذين تمارسهما إسرائيل بحق الفلسطينيين".
لقد وثّقت منظمة العفو الدولية استخدام الشرطة الإسرائيلية القوةَ المفرطةَ وغيرَ الضرورية لتفريق الاحتجاجات الفلسطينية ضد عمليات الإخلاء القسري في القدس الشرقية، وكذلك في الهجوم على غزة. وكانت الاحتجاجات في غالبيتها سلميةً، علماً أن قلةً هاجموا ممتلكات الشرطة، وقذفوا الحجارة. وعلى النقيض من هذا، يستمر اليهود المتعصبون في تنظيم المظاهرات كما يحلو لهم. وفي 15 يونيو/حزيران، سار ألوف من المستوطنين والأشخاص المتعصبين اليهود على نحوٍ مستفزٍ في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
وتؤكد روايات الشهود ومقاطع فيديو تمّ التحققُ منها أنه في مظاهرة خرجت في 9 مايو/أيار في المستعمرة الألمانية في حيفا، شمالي إسرائيل، كانت مجموعة من نحو 50 متظاهرًا يحتجون سلميًّا عندما اعتدت الشرطة المسلحة عليهم، دون استفزازِهم إيّاها، وضربت عددًا منهم.
وفي 12 مايو/أيار، أصيب محمد محمود كيوان - وهو صبيٌّ كان يبلغ من العمر 17 عامًا- برصاصة في رأسه قرب مدينة أم الفحم، شمالي إسرائيل، وتوفي بعدها بأسبوع. وأفاد شهودُ عيان أنه كان جالسًا في سيارة قرب مظاهرة عندما أطلقت الشرطة الإسرائيلية الرصاص عليه. وتعارض الشرطةُ هذه الإفادة، وتقول إنها كانت تحقّق فى الحادث.
وفي اليوم نفسه، فرّق رجالُ الشرطة بعنف مظاهرةً سلميةً كانت تضمّ نحو 40 شخصًا في ساحة بئر سانت ماري في مدينة الناصرة، شمالي إسرائيل، دون أيّ سابق إنذار، واعتدوا جسدياً على الممحتجين.
وأضاف صالح حجازي: "على الشرطة الإسرائيلية أن تحميَ الحقَّ في حرية التجمّع، بدلاً من أن تشنّ هجماتٍ على المتظاهرين السلميين. يجب على "لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، التي أنشئت في مايو/أيار عام 2021، أن تحققَ في النمط المثير للقلق البالغ من الانتهاكات التي ترتكبها الشرطة الإسرائيلية."
كما استعملت الشرطة الإسرائيلية القوة غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة. ففي 18 مايو/أيار، أطلقت الشرطة الرصاص على جنى كِسواني وعمرها 15 عامًا في ظهرها عند دخولها بيتَها في حيّ الشيخ جراح. وكان قد حصل احتجاج قبل ذلك بساعات قليلة أمام منزل عائلتها. وقال والدها محمد لمنظمة العفو الدولية إن فقرات عمودها الفقري قد تهشّمت، وأن الأطباء لا يعلمون أن كانت ستمشي مجددًا. ويُظهر مقطع فيديو تم التحققُ منه سقوطَ جنى كِسواني على الأرض لدى إطلاق الرصاص عليها من الخلف. ويظهر مقطع فيديو آخر تم التحققُ منه شرطيًّا إسرائيليًّا مقذوفًا من بندقية خاصة بإطلاق قنابل يدوية منفردة من طراز "آي. دبليو. جي. إلـ. 40" نحو شخصٍ خارج كادر شاشة مقطع الفيديو، يتبع ذلك صوتُ صراخ.
وفي 12 مايو/أيار، أطلق رجال الشرطة الإسرائيلية الرصاص على إبراهيم الصوري في وجهه أثناء استخدامه هاتفَه المحمولَ لتصوير الشرطة التي كانت في دورية في الشارع من شرفة بيته في مدينة يافا، جنوب مدينة تل أبيب.
وفي مقطع فيديو تم التحققُ منه، يُسمَع أحدَ عناصر الشرطة وهو يقول: "ما الذي يحمله؟" ويصيح إبراهيم الصوري ردًّا على ذلك قائلاً: "أنا أصوّر، أليس ذلك مسموحًا؟ أطلقوا الرصاص! كل شيء مسجّل!". وفي وقتٍ لاحقٍ قال لمنظمة العفو الدولية: "لم أتصور أنهم سيطلقون الرصاص حقًّا! ظننتُ أنّ لديَّ حقوقًا، وأنني في مأمَن، في بلدٍ ديموقراطي". وتدل الصورُ التي قام الطبيب الشرعي في منظمة العفو الدولية باستعراضها، والتقاريرُ الطبية على أنه تعرّض على الأغلب لإصابة برصاصة من فئة "مقذوفات التأثير الحركي" من عيار 40 ملم، وهو ما أدى إلى كسر عظام وجهه.
وقد وثّقت منظمة العفو الدولية كذلك التعذيبَ في مركز شرطة المجمع الروسي (المسكوبية) في مدينة الناصرة في 12 مايو/أيار. إذ قال شاهد عيان إنه شاهد قواتٍ خاصةً تنهال بالضرب على مجموعةٍ تضمّ ما لا يقلّ عن ثمانية معتقلين مقيّدين ألقيَ القبضُ عليهم خلال مظاهرة.
وقال شاهد العيان: "كان الأمر أشبهَ بمعسكر أسرى حربٍ وحشيّ. كان رجال الشرطة يضربون الشبان بعِصِيِّ مكانس، ويركلونهم بأحذية عسكرية حوّافها وأسفلها مغطاة بالفولاذ. وقد توجّب نقلُ أربعةٍ منهم بسيارة إسعاف للعلاج، وقد كُسِرت ذراع أحدهم."
وقال محامي زياد طه، وهو متظاهرٌ آخر أحتجز في مركز احتجاز كيشون قرب مدينة حيفا في 14 مايو/أيار، إن موكّله قد تم تقييده من معصمَيْه وكاحلَيْه إلى كرسي وحرِمانه النوم، لتسعة أيام.
وتقاعست الشرطةُ أيضًا عن حماية الفلسطينيين من الهجمات المنظمة التي شنتها جماعاتٌ مسلحةٌ من اليهود المتعصبين، الذين غالبًا ما تُعلَنُ خُططُها مسبقًا.
وقد تأكّدت منظمة العفو الدولية من 29 رسالةً نصيةً وصوتيةً من قنوات "تليغرام" مفتوحة و"واتساب"، حيث كشفت كيفيةَ استخدام هذين التطبيقين بين 10 و21 مايو/أيار لتجنيد رجال مسلحين، وتنظيم هجماتٍ على الفلسطينيين في المدن التي يقطنها خليطٌ من السكان اليهود والعرب، كحيفا، وعكا، والناصرة، واللّد.
وقد تضمّنت تلك الرسائلُ تعليماتٍ تتعلق بمكان وموعد التجمّع، وأنواع الأسلحة التي ينبغي استعمالها، بل وحتى الملابس التي يجب ارتداؤُها لَئِلاَّ يُخلَطَ بين اليهود المنحدرين من الشرق الأوسط والفلسطينيين العرب. وقد تشارَكَ أعضاءُ المجموعة صورًا التقطوها لأنفسهم وهم يحملون أسلحة ورسائل من قبيل: "الليلة لسنا يهودًا، بل نحن نازيُّون."
وفي 12 أيار/مايو، تجمّع المئات من اليهود المتعصبين في متنزّه مدينة بات يام، وسط إسرائيل، استجابةً لرسائل أرسلها حزب "القوة اليهودية" السياسي، وجماعاتٌ أخرى. ويظهر في مقاطع فيديو تمّ التحققُ منها عشراتٌ من هؤلاء الناشطين وهم يهاجمون المصالح التجارية التي يملكها العرب ويشجّعون المهاجمين. وكان مِنْ بين مَنْ تعرّضوا للضرب سعيد موسى الذي دهسه أيضًا مهاجمون يهود بدراجةٍ نارية. ويواجه ستة إسرائيليين فقط الملاحقة القضائية بسبب ذلك الاعتداء.
كذلك حرّض السّاسةُ والمسؤولون الحكوميون على العنف. ففي 11 مايو/أيار، اندلعت أعمالُ شغب بعدما حشد عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير مؤيديها للقدوم إلى مدينة اللد ومدن أخرى، ودعت إلى إطلاق الرصاص على مَنْ يرمون الحجارة.
وقبْلها بيومٍ واحد، قُتِل موسى حسّونة برصاص مواطنٍ إسرائيليٍّ يهودي في مدينة اللّد أثناء أعمال عنفٍ بين سكان الأحياء المختلطة السكان. ويُظهر مقطعُ فيديو إطلاقَ الرصاص عليه عندما كان قرب مجموعةٍ من الفلسطينيين يقذفون الحجارة. وألقى أبوه باللوم على رئيس بلدية المدينة، يائير ريفيفو، لقيامه بـ "استدعاء المتطرفين لشن هذه البلطجة" في إشارة إلى بيانٍ وَصَفَ فيه رئيسُ البلدية ما يجري في اللد بأنها مذبحةٌ ضد اليهود. وقد أُلقِيَ القبضُ على أربعة مشتبهٍ فيهم على خلفية عملية القتل، لكنْ أُطلِق سراحُهم بكفالة بعدها بثلاثة ايام. وقد أدان وزيرُ الأمن العام الإسرائيلي، أمير أوهانا، الاعتقالاتِ على الملأ، واصفًا إيّاها بأنها "رهيبة".
وفي مثال توضيحي على التمييز، ألقِيَ القبضُ على كمال الخطيب، وهو نائب قائد "الحركة الإسلامية الشمالية"، في 14 مايو/أيار، واتّهِم بالتحريض على العنف، وبدعم منظمة إرهابية بسبب تعليقاتٍ أدلى بها علنًا؛ أعرب فيها عن افتخاره بالتضامن مع الناس في غزة والقدس الشرقية، وقال إن التغييرات في وضع الأماكن المقدسة في مدينة القدس أفْضَت إلى نشوب العنف بين الفلسطينيين واليهود.
وقالت مولي ماليكار، مديرة الفرع الإسرائيلي لمنظمة العفو الدولية: "إن تقاعس الشرطة الإسرائيلية بشكل متكرر عن حماية الفلسطينيين من الهجمات المنظمة التي تشنها جماعات اليهود المتعصبين، والافتقار لوجود المساءلة عن مثل هذه الهجمات لَهو أمرٌ مخزٍ ويدلّ على استخفاف السلطات بحياة الفلسطينيين."
وأضافت ماليكار:" إن السماح لمواطني إسرائيل اليهود، بمن فيهم شخصياتٌ بارزة، بالتحريض على الملأ على العنف ضد الفلسطينيين دون مساءلتهم، هو أمرٌ يُبْرِز الحدّ الذي وصل إليه التمييزُ المؤسسي الذي يواجهُه الفلسطينيون، والحاجةَ الملحة إلى الحماية."