لماذا نفشل في ملاحظة ما نعرف مسبقًا أنها معلومات زائفة؟

2022-05-27 11:51

التقارير

 

المصدر: مصطفى محمود السيد-مسبار

 

كم عدد الحيوانات التي أخذها النبي موسى من كل نوع من الحيوانات على سفينته؟ وما هو الحيوان الذي ابتلع النبي نوح؟

إذا كانت إجابتك على السؤال الأوّل بأنه أخذ من كل زوجين اثنين، أو إذا كانت إجابتك على السؤال الثاني أنّه الحوت، فقد وقعت إذًا في الظاهرة النفسية المعروفة باسم "وهم موسى - Moses Illusion"، وتُعرف أيضًا بـ"الوهم اللفظي". وقد اشتُهرت في الغرب بسبب إجابة من سُئلوا السؤالين السابقين، بالإجابات التي ذكرناها. 

يمكنك مشاهدة التجربة بشكل عملي على عرب وهو ما يكشف الظاهرة بشكل عملي.

في هذه الظاهرة، يفشل المتلقي في إدراك الخطأ فيما يقرأه أو يسمعه. فالإجابة الصحيحة عن السؤال الأول هي أنّ القصة تعود للنبي نوح وليست قصة النبي موسى، والإجابة السؤال الثاني أنّ القصة تعود للنبي يونس.

يبدو السؤال بسيطًا، مع ذلك يقع الكثيرون في فخّه. وبهذه الطريقة نفسها، بظاهرة "وهم موسى"، يقع الكثيرون أيضًا من دون قصد في فخ نشر الأخبار الزائفة.

تُظهر الأبحاث من مجال علم النفس الإدراكي أنّ الناس بطبيعتها ضعيفة في مجال التحقق من الأخبار الزائفة، وأنّه من الصعب علينا المقارنة بين ما نقرأه أو نسمعه وبين ما نعرفه بالفعل بخصوص موضوع ما.

تم دراسة ظاهرة وهم موسى بشكل متكرر منذ عام 1980، إذ أظهرت الدراسات المتعددة أنّ الناس يفشلون في ملاحظة الخطأ في السؤال، ويقومون بالإجابة متسرعين عليه.

فشل 80% من المشاركين في الدراسة الأصلية في ملاحظة الخطأ في السؤال المذكور أعلاه، على الرغم من إجابتهم الصحيحة على سؤال "من هو النبي الذي أخذ الحيوانات معه على السفينة؟".

ما يزيد خطورة الأمر هو حدوث الخطأ رغم تنبيه المشاركين على أنّ بعض الأسئلة ستتضمن أسئلة خاطئة، بل تم إعطاؤهم مثال على الأسئلة الخاطئة!

توضّح هذه الظاهرة ما يسمّيه علماء النفس بإهمال المعرفة، وهو امتلاك الناس للمعرفة، لكنهم مع ذلك يفشلون في استخدامها. 

في دراسة أخرى حول إهمال المعرفة، قام الباحثون بدفع المشاركين في الدراسة إلى قراءة قصص خيالية تحتوي معلومات صحيحة وخاطئة عن العالم.

على سبيل المثال، كانت إحدى القصص عن الوظيفة الصيفية لإحدى الشخصيات في قبة سماوية.

بعض المعلومات في القصة كانت صحيحة، مثل "يا لحسن حظي، كان عليّ أن أرتدي بدلة فضاء قديمة ضخمة. لا أعرف ما إن كان علي أن أكون شخصًا مُحدّدًا، ربما كان علي أن أكون نيل أرمسترونغ، أول رجل على القمر".

بعض المعلومات الأخرى كانت زائفة، مثل "أولًا عليّ أن أجيب عن كل الحقائق الفلكية العادية، بداية من كيف تعمل مجموعتنا الشمسية، وأنّ كوكب زحل هو أكبر الكواكب".

تم إعطاء المشاركين بعد ذلك اختبارًا للمعلومات العامة، يتضمن بعض الأسئلة الجديدة، وبعض الأسئلة المرتبطة بالقصص، مثل "ما هو أكبر كوكب في المجموعة الشمسية؟".

وجد الباحثون أنّ هناك تأثير إيجابي لقراءة المعلومات الصحيحة في القصة، إذ كان المشاركون أكثر ميلًا للإجابة بشكل صحيح على سؤال "من هو أول شخص يضع قدمه على القمر؟"، في المقابل كان تأثير المعلومات الخاطئة سلبيًا، إذ كان المشاركون أقل ميلًا لتذكر أن كوكب المشتري هو أكبر الكواكب في الحقيقة، وفي المقابل أجابوا بأن زحل هو الأكبر كما ورد في القصة.

هذا التأثير السلبي يحدث على الرغم من مخالفة المعلومات بشكل مباشر للمعرفة المسبقة للأشخاص، والتي سبق أن اختبرها الباحثون عبر إجراء اختبار معلومات عامة للمشاركين.

 هل يمكن تحسين مستوى الانتباه للمعلومات الزائفة؟

وفقًا للدراسات السابقة، يبدو أننا نميل لإهمال التغييرات الطفيفة في الأسئلة الشائعة، كما أننا معرضون للتأثر بالأخبار الزائفة حتى لو تم تقديمها داخل قصة، وبالرغم من معرفتنا السابقة بالمعلومات الصحيحة. هل هناك حل لهذه المشكلة؟

على ما يبدو فإنّ الخبرة، أو زيادة المعرفة، أحد الخيارات للمساعدة. لكنها للأسف لا تحل المشكلة.

في دراسة علمية وجد الباحثون أنّ خريجي العلوم سيجيبون على هذا السؤال "يحتوي الماء على ذرتين من الهيليوم، وكم ذرة من الأكسجين؟"، دون الالتفات لخطأ الجزء الأول من السؤال، إذ إنّ الماء يحتوي على ذرتين من الهيدروجين وليس الهيليوم.

رغم ذلك كانت نسبة إجابة خريجي العلوم على السؤال المطروح أقل من خريجي التاريخ، والعكس صحيح عندما كان السؤال في تخصص التاريخ وليس العلوم.

ربما تفكر أنّ هذا الخطأ يحدث لعدم امتلاك المشاركين وقتًا كافيًا للتفكير أثناء تلقي المعلومات، وبالتالي يكون هناك وقت متاح للدماغ لفهم المعلومة وملاحظة أنها خاطئة. على كل قام الباحثون بتقليل معدل ظهور المعلومات الزائفة، وذلك بتقديم القصة على شكل ملف صوتي، وتم تقليل معدل ظهور المعلومات الزائفة، ومع ذلك وجد الباحثون أنّ العكس هو ما يحدث، إذ إنّ إعطاء المزيد من الوقت زاد من احتمالية إجابة المشاركين بمعلومات زائفة.

إذًا، ربما يكون الحل في إبراز المعلومات المهمة بالخط الأحمر، وإخبار المشاركين بالانتباه للمعلومات المقدمة بخط أحمر على أمل لفت انتباههم لها، ليدركوا أنها خاطئة، وبالتالي يتجنبون الوقوع في هذه الأخطاء؟ لكن ما حدث أيضًا كان العكس، إذ إنّ لفت الانتباه للمعلومات الزائفة زاد من احتمالية اختيارهم للمعلومات الزائفة في الاختبارات اللاحقة!

ما الحل الحقيقي إذًا؟

وجد الباحثون أن محاولة تقمص شخصية متحقق أخبار محترف، قد يساعد المشاركين على تجنب الخطأ.

عندما أُعطي المشاركون تعليمات بتعديل القصة وتوضيح أي جمل غير صحيحة بها، انخفضت معدلات اكتساب المعلومات الزائفة من القصة.

نفس النتائج الإيجابية حدثت عندما قرأ المشاركون القصص جملةً جملة، وتحديد ما إذا كانت كل جملة تحتوي على خطأ أم لا.

يجب التوضيح هنا، أنّه على الرغم من تحقيق نتائج إيجابية، إلا أنّ هؤلاء المشاركين الذين تعاملوا على أنهم محققين محترفين، فشلوا في تحديد العديد من الأخطاء مع ذلك، واستمروا في اكتساب معلومات زائفة من القصص.

على سبيل المثال، تمكن المشاركون الذين تم إخبارهم باستخدام طريقة قراءة جملة بجملة، والتحقق منها، من اكتشاف 30% من الأخطاء، بينما، وفقًا لمعرفتهم السابقة، كان عليهم أن يتمكنوا من اكتشاف ما لا يقل عن 70% من الأخطاء.

إذًا، وعلى الرغم من أنّ هذه الطريقة في القراءة تساعد، لكن لا يزال القراء يفشلون بدرجة ما في إيجاد العديد من الأخطاء، والتي يستخدمونها في الاختبارات اللاحقة.

لماذا يفشل العقل البشري في كشف المعلومات الزائفة؟

يعتقد علماء النفس أنّ هناك على الأقل قوتين تتسببان في هذه الظاهرة:

أولًا: امتلاك الناس لانحياز فكري عام يجعلهم يميلون لتصديق ما يقرؤونه أو يسمعونه.

هناك بعض الأدلة التي تدعم افتراض العقل البشري مبدأيًا أنّ كل الجمل التي يقرأها صحيحة، وأنه يستوجب وجود مجهود ذهني لتحديد لاحقًا كون هذه الجمل زائفة. بتعبير آخر، يعمل المخ بطريقة أنّ كل ما نراه أو نسمعه أو نقرأه صحيح حتى يثبت العكس.

ثانيًا: يميل الناس لقبول المعلومات، طالما كانت قريبة كفاية من المعلومات الصحيحة.

عادة ما يتضمن أي حديث على أخطاء، ووقفات، وإعادة لبعض الكلمات، وبالتالي يُعتقد أنه ليتمكن العقل من متابعة الحوار واستمرار المحادثة، يميل لتقبل المعلومات ما دامت تبدو جيدة كفاية.

بالطبع لا يقع الأشخاص ضحية لهذه الظواهر المذكورة سابقًا إذا كانت المعلومة خاطئة بشكل واضح، فعلى سبيل المثال لا يُجيب الناس على سؤال "كم حيوانًا من كل نوع أخذهن نيكسون على سفينته؟"، وكذلك لا يصدق الناس أن كوكب بلوتو هو أكبر كواكب المجموعة الشمسية حتى لو قرؤوا المعلومة في قصة.

يجب إذًا أن تكون المعلومة قريبة من الحقيقة لنرى هذا التأثير، ولتمرّ على العقل البشري دون ملاحظة.

يتضح إذًا مدى صعوبة التحقق من الأخبار الكاذبة على العقل البشري، فنحن، حرفيًا، نعمل عكس ما تأقلم عليه العقل البشري في تعاملاته.

نحن نطلب من العقل البشري أن يغير طريقة عمله تمامًا فيُكذب كل ما يقرأ ثم يفترض صحتها بعد ذلك، وكذلك نطلب منه التمحيص في كل كلمة بدلًا من السماح ببعض الأخطاء لتسيير الحوار.

هنا يتضح لنا مدى صعوبة الدور الذي تقوم به مؤسسات فحص الحقائق، حيث صعوبة عملية التحقق على فاحصي الحقائق، كونها بشكل ما عملية عكس عمل العقل البشري.

كما نرى أهمية التفكير النقدي والدعوة المستمرة له، وتعليمه، باعتبارها أمور بمثابة تدريبٍ للعقل على قراءة الجمل جملةً جملة، وتقمّص شخصية المحقّق.

 

المصادر:

Why you stink at fact-checking