نماذج حول تأثير نظرية الرصاصة السحرية في صناعة الدعاية وانتشار الأخبار الزائفة

2022-04-13 11:39

التقارير

في أكتوبر عام 1938، تحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية، أُغرِقت مكاتب الصحف والشرطة بمكالمات هاتفية من مواطنين مذعورين يتساءلون عن كيفية الفرار من مدينتهم، على إثر ما تمّ بثه في برنامج بانيك برودكاست الشهير، الذي أُطلق عليه اسم حرب العالم (War of the world)، حيث زعم بأنَّ مجموعة من سكان المريخ اقتحمت مزرعة نيوجيرسي وهاجمت البشر. وطالب العديد من المتابعين آنذاك بعلاج نفسي، لما تسبب به الخبر من صدمة لهم.

 

 
تُعتبر هذه الحادثة تأكيدًا على النظريات الاتصالية المرتبطة بالسلوك، وكانَ للعلماء السلوكيين آنذاك نظريتهم الخاصة التي أرادوا الدفاع عنها في وجه العقلانيين، إذ قالوا "الإنسان كائن عقلي يتم تحديد أفعاله إلى حد كبير من خلال المنبّهات الخارجية"، وليست الداخلية كما رآها العقلانيون. فأثّرّوا بشكل كبير على علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية ومنظري الاتصال، الذين عززوا النظرية بهذه الحادثة.
 

 

وعلى غرار النظرية السلوكية، قدّم منظرو الاتصال فرضيات عديدة حول قوّة الرسائل الدعائية وكانت من بين هذه الفرضيات، الرصاصة السحرية Magic bullet أو ما يُعرف أيضًا بالإبرة تحت الجلد Hypodermic Needle والتي تمّ طرحها من قبل عالم الاجتماع الأميركي "هارولد لاسويل" بعد الحرب العالمية الأولى.
 
تُعد نظرية الرصاصة السحرية من أقدم النظريات في مجال الاتصال وعُرّفت بأنها رسالة قوية مقصودة تؤثر بشكلٍ فوري على الجمهور، وتشير هذه النظرية إلى أنّ سلوك الأفراد مماثل، والطبيعة البشرية الموروثة تجعلهم يتلقون الرسائل الإعلامية بطريقة مشابهة، وبالتالي فإنَّ ما تنتجه الوسائل الإعلامية من رسائل، هو بمثابة رصاصة لها تأثيرات على الفكر وردات فعل الجماهير.
وافقَ بعض علماء الاتصال على هذه الافتراضات، وانتقدها علماء آخرون، على الرغم من مشاهدتهم لردود الفعل الواسعة التي أحدثها البرنامج الإذاعي، إذ اعتبرها العالِم لازارسفيلد بول غير دقيقة، بناءً على دراسات انتخابية أُجريت داخل المجتمع الأميركي آنذاك، إذ أوضح أنَّ باستطاعة الشعب اختيار مرشحيه على الرغم من الرسائل الإعلامية القوية. فبدأت نظريات أخرى تنبثق مثل نظرية التنافر المعرفي التي تقول بأنَّ الفرد يميل إلى تصديق الأخبار التي تعبّر عن توجهاته الداخلية، وانحيازاته التأكيدية، عكس ما تتبناه نظرية الرصاصة السحرية التي تفترض بأنَّ جميع الرسائل تؤثر على الأفراد، ولو كانت هذه الرسائل لا تشبه محفزات الفرد الداخلية. 

 

 
انتصرت معركة العقلانيين لفترة من الزمن، لكن ظهور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أدّى إلى تغيير في أنماط الاتصال وإلى تقييم جديد للعصر الحديث، فعادت نظرية الرصاصة السحرية في شكل الإعلام الجماهيري وظهرت بشكلٍ جليّ في عصر وسائل التواصل الاجتماعيّ وانتشار الأخبار الزائفة.

 

نفس الخطوط التي نُسجت في حادثة الإذاعة امتدت إلى حادثةٍ أخرى، وقعت عام 2017، في نيجيريا، حين سارع الأهالي لإنقاذ أطفالهم من مدارسهم، بسبب ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أخبارٍ ادّعت أنَّ الجيش النيجيري يقتل الأولاد عن طريق تلقيحهم، وقد انتشرت تقارير عن أعداد وفيات مزعومة في هذه المدارس، ما أدّى إلى حالة من الفوضى العارمة. 
 

هذه الحادثة بررت استمرار أهمية نظرية الرصاصة السحرية لا سيما وأنَّ أهالي الأطفال لم يتفحصوا هذه الأشكال الجديدة من الدعايات التي تُعتبر زائفة، بل على العكس فقد بيّنت النظرية قوة تأثيرها على سلوك الأفراد. و أصبحت هذه الحوادث المكررة التي تنتشر فيها الأخبار المضللة والزائفة بشكل كبير، تبريرًا لإعادة الرؤية في نظرية، إذ أظهرت كيف يمكن أن تكون وسائل الإعلام متلاعبة وقوية، لا سيما وأنَّ مواقع التواصل الاجتماعيّ وسّعت نطاق تفاعلات المستخدمين وأتاحت لأي منهم أن يكون قادرًا على نشر ما يحلو لهُ.

 

 
جادلَ علماء التواصل في أنَّ الدعاية الإعلامية خاصّة تلك التي تحمل أخبارًا زائفة تحوي رسائل قوية يمكن أن تغيّر من سلوك الفرد وتوجهاته وتتلاعب في أفكاره. وثبتَ ذلك بعد أن ظهرت قضايا أخرى استُخدمت فيها الأخبار المضللة مثل الانتخابات.
 

وفي نيجيريا عام 2019، لم يكنْ انتشار الأخبار الزائفة خلال الانتخابات بالشيء الجديد، نظرًا إلى أنَّ الانتخابات النيجيرية السابقة، شهدت هذا النوع من الدعاية، لكنَّ الجديد كان وصول الأخبار الزائفة لمعدل عالٍ وخطير واعتبارها جزءَ لا يتجزأ من الدعاية الإعلامية للانتخابات. على سبيل المثال لا الحصر، انتشرت شائعة تؤكد وفاة الرئيس المرشح محمد بخاري وأنه تم استبداله أو استنساخه بالاستعانة بشبيهٍ من السودان، وبسبب الغياب المتكرر للرئيس محمد البخاري، وسفره إلى لندن ورحلاته الطبية المتكررة وعدم إصدار الرئاسة أي توضيحات، صدّقَ عددٌ كبير من النيجيريين ما تم تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي. ووجد محمد البخاري أنَّ تلك الشائعة، أثرّت بشكل عميق في سلوك ناخبيه ما دعاه في العديد من خطاباته للقول بأنه حقيقي وليس مستنسخًا.

 

 بالإضافة إلى انتشار أخبار ادّعت بأنَّ الرئيس محمد البخاري يدعم جبهة المسلمين الذين يشكلون 90% من الرعاة النيجيرين مقابل 10%من المزارعين المسيحيين، ما أدى إلى إحداث فجوة أكبر وصراع بين الطرفين وصل إلى مقتل العشرات وتدمير الممتلكات.
لوحظ إذًا في نيجيريا انشارًا لا يستهان به للأخبار المضللة، واستجابة كبيرة من الجمهور المتابع للأخبار على صفحات التواصل الاجتماعي، ما أعاد إلى الضوء مجددًا نظرية الرصاصة السحرية.
 
ويمكن القول أنه في الحالة النيجيرية والأميركية وغيرها، قد يدفع إيمان الناخبين بالأخبار الزائفة دون قيامهم بالانتقاء والتمحيص، للتأكيد على قابلية الجمهور للتأثر والتلاعب به، طالما أن الإعلام مستمرّ في الضّخ والفرد مستمرّ بالتصديق، وبالتالي، وعلى الرغم من انتقاد نظرية الرصاصة السحرية سابقًا، إلّا أنه لا يمكن غض النظر عن استمراريتها وأهميتها في عصر ما بعد الحقيقة وفي عصر الإعلام الجديد.

 

المصادر :

International Journal of media

-The 2019 Nigerian presidential elections and the resurgence of the magic bullet theory of media effect

 

المصدر: نور حطيط-مسبار