بقلم:باســــــــل رجــــــــــوب- موقع
القدس
دكتوراه في القانون الدولي وإدارة الأزمات الدولية
يسعى القانون الدولي الإنساني إلى الحفاظ على الذات الإنسانية وكرامتها أثناء النزاعات المسلحة والاحتلال الحربي، إذ يفرض على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات ذات أبعاد قانونية وأخلاقية، فمن جملة أمور أخرى تلتزم دولة الاحتلال باحترام حقوق الأشخاص المعتقلين وفي مقدمتها الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القانونية وحقوق الدفاع.
إلا أن السياسة الإسرائيلية التي تقوم على العنصرية وإقصاء الآخر تنكرت لكثير من هذه الضمانات القانونية في سياق ما يعرف “بالاعتقال الإداري”، والذي يتم تنفيذه بموجب أمر إداري صادر عن سلطة تنفيذية دون توجيه لائحة اتهام أو ملاحقة قضائية، حيث قامت السلطات الإسرائيلية بممارسة الاعتقال الإداري بحق الشعب الفلسطيني بشكل ممنهج ومتواصل، ففي السنوات 1988-1992، اعتقلت إسرائيل أكثر من (14000) فلسطيني اعتقالاً إدارياُ لآجالٍ متفاوتة، حيث ارتكنت في ذلك إلى إلغائها للمادة (111)، من قانون الطوارئ لعام (1945)، بغية رفع سقف الأجل الزمني للاعتقال الإداري، ذلك أن المادة (111)، كانت قد أكدت أن الحد الأقصى للاعتقال الإداري هو عام واحد فقط.
قامت إسرائيل بالالتفاف على أحكام المادة (111)، سالفة الذكر، إذ قامت بتعويضها بالمادة (12)، من “قانون صلاحيات الطوارئ” رقم (5739-1979)، كما خولت المادة (2/أ)، من ذات القانون لوزير الأمن الإسرائيلي –ضمن الحالات الاستثنائية- إصدار أوامر الاعتقال الإداري لمدة لا تتجاوز ستة أشهر ولكن دون تحديد عدد مرات التجديد، لترفع بذلك السقف الزمني للاعتقال الإداري إلى أجل غير محدد.
في ذات السياق تضمنت المادة(6)، من ذات القانون أكبر انتهاك لمبادئ المحاكمة العادلة، من خلال نصها على جواز قبول البينات المقدمة لرئيس المحكمة المركزية حتى في حالة غياب الشخص المعتقل أو دفاعه، دون منحهما الحق في الاطلاع عليها إذا ما اقتنع القاضي بأن إطلاعهما عليها من شأنه المساس بأمن الدولة وسلامة الجمهور.
لا شك أن هذه العبارة فضفاضة بما يكفي لمنح سلطة تقديرية واسعة لقضاة الاحتلال في إدراج أية بينات تحت هذا الإطار، وبالتالي تشكل المحاكم الإسرائيلية آداة لشرعنة العقوبات السياسية ضد أبناء الشعب الفلسطيني وذراع مخابراتية تحكم بمنطق العنصرية والعرقية.
كذلك عملت إسرائيل على إصدار عدد من الأوامر العسكرية بشأن الاعتقال
الإداري، كان أبرزها الأمر العسكري بشأن تعليمات الأمن (يهودا والسامرة) رقم (1651)، “5770-2009″، إذ نصت المادة 42 منه على حق المدعي العام الإسرائيلي في طلب وقف الإفراج عن المعتقل –بعد انتهاء المدة القانونية للاعتقال- بغية استصدار أمر اعتقال جديد أو لإستئناف قرار الإفراج عن المعتقل.
أضف إلى ذلك أن المادة (280)، قد أجازت إجراء المحاكمات بسرية وبأبواب مغلقة في مخالفة واضحة لمبدأ علنية الجلسات.
هكذا تستند إسرائيل في ممارساتها العنصرية على ترسانة قانونية مصممة على أساس عنصري أبارتهايدي يرتكن إلى قانون القوة لا قوة القانون وشرعيته، فمن خلال هذه القوانين اللاإنسانية مددت إسرائيل مدد الاعتقال الإداري إلى حدود ست سنوات بشكل متواصل، وإلى أكثر من (143)، شهر بشكل متقطع في حالات أخرى، كما حدث مع الأسير حاتم قفيشة (النائب السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني)، فما هي الإجراءات التي يتخذها الأسرى إزاء ذلك؟
إزاء التعنت الإسرائيلي وإزاء الاستمرار في ممارسة الاعتقال الإداري بشكل واسع، وإزاء تمديد الاعتقال من حين لآخر بحق شريحة واسعة من المعتقلين الإداريين الفلسطينيين، وفي ظل غياب موعد محدد للإفراج عنهم، لجأ كثير من المعتقلين الإداريين إلى مواجهة هذه الإجراءات العنصرية بأمعائهم الخاوية والإضراب المستمر عن الطعام إلى حين تسوية مقبولة مع السلطات الإسرائيلية، وقد أثبتت هذه الطريقة –رغم صعوبتها- في أنها ناجعة لإرغام سلطات الاحتلال على قبول الاتفاق مع الأسير المضرب عن الطعام لكسر إضرابه.
وقد تضمنت هذه الاتفاقات حلول مختلفة كالتعهد بعدم تجديد الاعتقال أو تحديد أجل واضح للإفراج عن الأسير، وقد سطر في الآونة الأخيرة كل من مقداد القواسمه وكايد الفسفوس وهشام أبو هواش أسمى معاني الصبر والعزيمة، ذلك أن إضرابهم عن الطعام والذي امتد لأشهر (أضرب هشام أبو هواش عن الطعام لنحو 140 يوم)، أرغم السلطات الإسرائيلية على عقد اتفاقات واضحة ومرضية بالنسبة لهؤلاء الأسرى.
فما مدى مشروعية الاعتقال الإداري وفقاً للقانون الدولي الإنساني؟
يمكن القول أنه لا يوجد أساس قانوني لممارسة الاعتقال الإداري من لدن السلطات الإسرائيلية، ولا يوجد كذلك أي نص قانوني يخولها احتجاز الأشخاص بهذه الطريقة ولفترات غير محددة، ودون سند اتهام (نصت المادة 42 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، على أنه: “لا يجوز الأمر باعتقال الأشخاص المحميين أو فرض الإقامة الجبرية عليهم إلا إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها”).
تكفل اتفاقية جنيف الرابعة كذلك للمعتقلين من سكان الأراضي المحتلة التمتع بالحقوق والضمانات اللازمة للدفاع عن أنفسهم، لاسيما الحق في إنابة وكيل قانوني عنهم، وكذلك حقهم في الدفاع عن انفسهم بمختلف الطرق والعلم بالأدلة ومناقشتها، وكذلك مناقشة الشهود (المادة 72 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949)، يستتبع ذلك حقهم في معرفة التهمة الموجهة إليهم وأساس توجيهها، ووجود سند اتهام رسمي، كذلك لابد أن تكون المحكمة مشكلة بطريقة قانونية وتدير جلساتها بشكل علني.
باستقراء واقع الممارسة الإسرائيلية للاعتقال الإداري ضد أبناء الشعب الفلسطيني نجد أنه يخالف جميع المقتضيات القانونية سالفة الذكر، وبهذا تكون إسرائيل ترتكب جرائم حرب بشكل مستمر (تدرج المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، ضمن جرائم الحرب)، وبالتالي يجب البحث فلسطينياً عن سبل إحالة (حالة)، إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين وغيرها من الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.