2022-02-23 10:00
يتألّف كادر المؤسسة الصحفية من كادر بشري كبير تختلف مؤهلاتهم ومسؤولياتهم، حيث يوجد الكاتب، المحاسب، الإداري، الرسام، الطابع الفني، المخرج، السكرتير وغيرهم، كما يتطلب أن يكون العمل جماعي بغض النظر عن دورية الصدور سواء كانت جرائد يومية أو أسبوعية، وكذلك المحطات الإذاعي التي يقل عدد العاملين فيها عن ذلك.
وكذلك يُعتبر العنصر البشري والجهود الإنسانية من أهم المقومات الأساس، والتي لا بُدَّ منها في المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها، حيث تسعى إلى استثمار كافة الطاقات والجهود البشرية، على أن توظُف الإمكانيات وتُستعمل في المواقع الإعلامية المناسبة، كما قد يشتمل هذا الكادر على موظفيين عاديين وإعلاميين ماهرين.
إن وظيفة كل مَن ذُكروا تقوم على نقطة واحدة هي إظهار الحق ومنع انتشار الأكاذيب لأجل إطلاع الناس حقًّا وبكامل الشفافية عمّا يدور حولهم. فإن خولف هذا الأمر، فذلك يعني أن المؤسسة المعنيّة لا تقوم بعملها كما يجب ولا تعمل وفق ما تقتضيه أخلاقيات المهنة الإعلامية التي يقوم أساسها على المصداقية.
بذلك يمكننا الدخول إلى الفكرة الأساس المطروحة هنا، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأخلاقيات المهنية للصحافة والإعلام: الجميع يعلم أنه ما من محطة تلفزيونية أو مؤسسة إعلامية أو صحيفة أو طرف إلّا ما ترتبط بطرفٍ سياسي تدعمه ويدعمها، وتتبنى مواقفه وقراراته وتؤيده بشكل علني… فالموضوعية في العمل الإعلامي في الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية قد غابت منذ مدّة، هذا إن كانت موجودة يومًا في الأصل وتؤدي دورها. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل يُفترض على الإعلامي أن يؤيد كل ما تقوم به المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها؟ أم أنه مخيّر في هذا المجال؟ أم أن أخلاقيات المهنة التي يؤديها تفترض عليه أمرًا آخرًا؟
عادةً ما يغلب الطابع العام على الطابع الخاص في هكذا نوع من العمل وذلك لأن هذه المهن تتطلب من صاحبها أن يحبها وأن يكون مقتنعًا بها لكي يؤديها بشغف وكي يستطيع إيصال رسالته عبرها. فعندما نتحدث عن الإعلام العربي خاصّة، من الصعب أن نجد مختلفي الآراء والمواقف في المنصة الإعلامية ذاتها، ليس لتوجّه الإعلاميين إلى من يؤيدونه سياسيًا، بل لرفض معظم الجهات توظيف من يختلفون عنهم في الرأي والموقف. وفي مواقف عدّة، يضطر الإعلامي إلى القبول بما تمليه عليه وظيفته والجهة المديرة في مقابل خسارته لعمله.
ولكن هذا أمرًا لا يمت لأخلاقيات المهنة الإعلامية بصلة، فإجبار الصحفي أو الإعلامي على قول ما لا يرغب به يُعتبر استغلالًا لمركز الآخر الوظيفي من أجل تحقيق غايات شخصية. وقد شهدنا مواقف عدة للكثير من الإعلاميين اللبنانيين الذين غادروا المحطات التلفزيونية التي يعملون بها من أجل عدم النطق أو التصريح بما لا يؤمنون به. بالإضافة إلى ذلك، لقد أُجبر البعض على تقديم ما لا يرغبون به وما يعبّر عن عكس ما يؤمنون به من أجل عدم خسارة مراكزهم وظائفهم.
فهل هذا ما تمليه الأخلاقيات المهنية على الوسيلة الإعلامية والإعلامي معًا؟
إن أخلاقيات مهنة الإعلام والصحافة تجبر الوسيلة الإعلامية باعتبارها منبرًا للحريات ونشر الحقائق على احترام مواقف الإعلاميين وجميع من يعملون ضمن نطاقها العملي. أصلًا، إن رجعنا إلى التعريف الأساس لوسائل الإعلام، كالعادة، وذكرنا دور الإعلامي والوسيلة الإعلامية، فليس من وظيفة المنصة التعبير عن مواقف أصحابها والمسؤولين عنها بل إن دورها الأساس يقوم على نشر الحقائق وإعلام الناس بما يدور حولهم. نعم، قد يُسأل الإعلامي عن موقفه من موضوعٍ أو حدثٍ ما، وهنا يمكنه الإجابة باسمه فقط وليس باسم المؤسسة التي يعمل من أجلها. أي كخُلاصة، لا يفترض على الجهة الإعلامية إجبار الموظفين لديها في مجال الإعلام أو الصحافة على تبنّي أي من المواقف والآراء التي تريدها في حال لم يرغبوا بذلك، ولأي سبب كان.
أما بالنسبة للصحفي، فالقرار هنا يعود له حيث لا قانون ولا مواثيق تجبره على الإدلاء بما لا يؤمن به أو بما لا يؤيده سياسيًّا أو في المجالات الأخرى. على الصحفي الإعلامي أن يضع نصب أعينه دائمًا الأهداف السامية للعمل الإعلامي والصحفي بحيث يكون قادرًا على القيام بعمله وتأدية رسالته من دون أي معوقات داخلية من عمله أو نفسه أو معوقات خارجية. وفي حال رأى أن المطلوب منه يخالف مبادئ وأخلاقيات مهنته الإعلامية، عندها يمكنه الاختيار بين الرضوخ من أجل الحفاظ على عمله، لكن السير عكس ما يؤمن به. أو على المقلب الآخر يمكنه الانسحاب في سبيل تحقيق ما تمليه عليه مهنته وضميره من أجل تحقيق رسالته وإيصال صوت الحق والحقيقة للجمهور.
هنا، لا بد أن نلفُت إلى أن الهدف الأساس هنا، في العمل الإعلامي يقوم على نشر الحقيقة والحفاظ على المبادئ لأنه وبمجرّد التخلي عن أيٍّ منها سيكون الإعلام أو ما بقي منه في رهينة المال والسلطة والسياسة التي يسعى أفرادها جاهدين للنيل من الحقيقة وإخفاء ضوءها عن الملأ والناس… وهذا ما لا يجب على الوسائل الإعلامية والإعلاميين مساعدتهم في تحقيقه لأن من أهم أهداف وسائل الإعلام فضح الكاذبين ومحاسبة السياسيين في السلطة الذين استغلوا مقاعدهم باسم الناس من أجل تحقيق غاياتهم المادية والدنيوية.