يُعد الانحياز الإعلامي انتهاكًا للمعايير الأخلاقية التي تتبناها أي مؤسسة إعلامية، ويعني أيضًا أنَّ ارتباط الصحافة بمعايير النزاهة وتحري الدقة، من الحريّ به أن يفضح الوسائل الإعلامية المنحازة، والصحفيين الذين لا تتضمن موادهم الإخبارية والمعلوماتية أدلّة تدعمها. لذلك وفي خضم المعركة المفاهيمية لمصطلح الانحياز الاعلامي، لا بدّ من التركيز على مفهوم الموضوعية كونه أحد أهم المعايير لتمييز الانحياز وبالتالي تلافيه.
بالاعتماد على الموضوعية بشقّها العملي لا الفلسفي، يصبح الآخر الذي يتفحص، مراقبًا مدركًا للحقائق. وبمجرد إتقانه صنعة المراقبة، يقدم ما هو مجرّدًا وحياديًا من الروايات، والتي لا تكون له مصلحة في نتيجتها.
رصد الانحياز
في سياق آخر، ولتوضيح مفهوم الانحياز لا بدّ من ذكر الحادثة التي ضجّت بها الوسائل الإعلامية ووكالات الأنباء في مايو/أيار 2018، حين نُسب تصريح للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يصف فيه المهاجرين بأنهم "حيوانات"، إذ نُقل عنه خلال الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض للتباحث في الهجرة غير الشرعية.
وتناقلت وسائل إعلام مثل شبكتي سي إن إن وسي بي إس وغيرها هذا الخبر، ليتبين لاحقًا أنَّ المقصود من تصريح ترامب عصابات مخدرات مكسيكية.
حذفت الوسائل الإعلامية فيما بعد تغريداتها عن الموضوع، واعتذرت شبكة سي إن إن عن الخطأ، ليتبين أنَّ إحدى أهم وسائل الإعلام وقعت في فخ الانحياز، خصوصًا وأنَّ هذه من المرات النادرة التي تبث فيها أخبارًا غير صحيحة من هذا النوع.
ومن بين أشكال الانحياز نذكر الانحياز التحريفي، والانحياز المتعلق بالسياق، إضافة إلى الانحياز في قرار التحرير.
فما هي أسباب هذه الانحيازات؟
يأتي الجواب تباعًا عبر تعريف كلّ منها. فالانحياز التحريفي، يعني عندما تقوم وسيلة إعلامية ما بتحريف الخبر المنقول/الأحداث إلخ.. عن سياقها، لتضليل الجمهور المستهدف ووضعه في مكان ضبابيّ بعيدًا عن الحقائق.
أمًّا فيما يخص الانحياز المتعلق بالسياق فهو إلى حدّ ما، يرتبط بالملكية العامة للوسائل الإعلامية، فعندما تكون الدولة هي التي تملك المؤسسة الإعلامية، تُخضعها لأيديولوجيتها وسياساتها، وتبرز هذه السمة في الدول المقيدة للحرية والديكتاتورية.
وبطبيعة الحال تُستخدم هذه الوسائل أداةً لعرض أفكار الدولة وتوجهاتها، على عكس الدول الديمقراطية، التي تكون فيها للمؤسسة الإعلامية المملوكة من قِبل الدولة، استقلالية في تحديد سياساتها التحريرية، لتصب في المصلحة العامة.
وقد يكون سبب الانحياز امتلاك الوسائل الإعلامية من قبل عائلات عريقة، مثل صحيفة ذا واشنطن بوست التي ظلت ملكًا لعائلة غراهام مدة ثمانين عامًا. ومن غير المعلوم مدى تأثير هذه العائلة على سياق المواد المنشورة في الصحيفة وسياساتها التحريرية.
في الشكل الأخير من الانحياز قد يكون للمحرر أو الصحفي توجهات لاتخاذ مواقف مسبقة على حدث أو خبر أو معلومة، فتراه ينتج محتوىً متحيزًا.
وقد يتمثل في قرارات التحرير أولًا عبر الانحياز بالمحاباة، وهو آلية رائجة في الأوساط الإعلامية، يُفضّل فيها الصحفي سماع طرف على حساب الطرف الآخر، ويتعمد تغييب الحجج التي يسوقها الآخر لحساب الطرف المُحابي له.
وهذا النوع من الانحياز لا يختلف عن الانحياز بالحذف الاختياري، بل يتقاطع ويتشابك معه، في جزئية حذف وتغييب الحقائق التي تصب في رؤية طرف ما، عمدًا، بغية إظهارها ضعيفة مقابل وجهة النظر المقابلة.
كما قد يتمثّل أيضًا الانحياز في اختيار القصص، وفيه يستبعد الصحفي قصة -رغم استيفائها الشروط المهنية- كونها لا تتماشى مع الرؤية التحريرية العامة، واستبدالها بقصة أخرى، من الممكن ألا تكون مكتملة الأركان الصحفية إلا أنها تتوافق مع سياسة الجهة التي يعمل لديها.
وأخيرًا قد يتمثل الانحياز في اختيار المصادر، وفي هذا النوع يختار الصحفي مصادر ترجع لجهة تدعم موضوعًا يصب في رؤيتها، على حساب مصادر أخرى، تدعم الرؤية الأخرى للموضوع.
وهناك نوع آخر من الانحياز متعلق بالربح، ويكون عندما تضع الوسائل الإعلامية كسب فئة واسعة من الجمهور والمتابعين في أولى أهدافها، دون مبالاة بصحة الأخبار التي تنشرها.
كيف يمكن للصحفي أو أي وسيلة إعلامية أن لا تُجر إلى الانحياز؟
يكون هذا باعتماد المؤسسة الإعلامية على الموضوعية في نقل الخبر، والابتعاد عن الأيديولوجيات، وإبعاد كل ما يتصل بالأحداث أو المعلومات عن العاطفة وكل ما يسبب شكًّا أو انغماسًا في الآراء الشخصية.
كما يجب أن تتوفر معايير مثل الدقة في نقل الوقائع والأخبار لدى كل مؤسسة معنية بالحفاظ على ثقة الجمهور بها ومتابعيها. وحتى لو كانت هذه الحقائق تتعارض مع توجهات الصحفي وأيديولوجية الوسيلة الإعلامية.
إضافة إلى ذلك، على الصحفي الانتباه إلى شرط تحقيق التوازن في نقل الخبر، ويعني ذلك أنَّه على كل مؤسسة وصحفيّ نقل الحقائق بجميع جوانبها، دون إهمال جانب على حساب آخر.
المصادر والمراجع
معهد الجزيرة للإعلام
انعكاس الانحياز الإخباري على ثقة الجمهور بمصادر الأخبار