القصصُ التي لم يُبلَّغ عنها: نصائح للصحفيين للحصول على الأخبار غير المُعلنة

2021-12-30 10:22

التقارير

يسيطر على العالم غموضٌ قاسٍ حتى في أعزّ وضوحه، فالحقيقة لم تُنقل يومًا كما هي بل كانت دائمًا مسرحًا للتغيير والزيادة والنقصان، وخاصة في عالم السياسية والإعلام وهما جزء من عالم المتغيرات الذي يصعُبُ ثبات جميع أفراده على رأيهم لمدّة طويلة، بل إن عواملًا عدّة تحكمهم وتسيطر على توجّههم ومواقفهم وما ينطقون به. فإن راقبنا الجهات الإعلامية جيّدًا ورأينا ما يصدر منها بشكل يومي وقارناه بالماضي والغد، لوجدنا أنه طرأ على ما كُتب وقيل الكثير من التغييرات والتعديلات التي تفيد إما التأكيد على المواقف السابقة أو تغييرها كُليًّا كما لم تُعرَض من قبل.  وهنا يمكننا ببساطة وسهولة طرح السؤال الآتي:

هل تقتصر تفاصيل الأحداث الجارية على ما يُعرَض في وسائل الإعلام، أم أنّ الكثير لم يُعرَض ويحتاج إلى الملاحقة والمتابعة؟

قامت ماريا ووكر-غيفارا وناتالي أبلي وايت وهما من أعضاء فريق التحرير في سنتر بوليتسر (Pulitzer Center)، في الولايات المتحدة الأمريكية، المختص في النشر عن القضايا العالمية التي لم يُبلّغ عنها في وسائل الإعلام من خلال دعم الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بها وكتابة وتحضير التقارير التي تزيد من وعي المواطنين والصحفيين في هذا المجال على حدٍّ سواء إيمانًا منهم بوجود الكثير من القضايا التي لا تُطرح كما يجب للجمهور بل تُعرَض بطريقة منقوصة غير مكتملة الحقائق والتفاصيل وذلك لعدم حصولهم على الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام.

وهذا ما نسمّيه ب القصص التي لم يُبلَّغ عنها أو Under-Reported Stories.  وهي القصص التي تقوم فقط على الإخبار عمّا يحدث حول العالم وعرضه، بل تنظر في أصل حدوثه من خلال البحث عن:

  • الأسباب الجذرية
  • التأثير البشري
  • الحلول الممكنة

والقاعدة العامة دائمًا تقول: كل بحث عن جديدٍ وغامضٍ في هذا العالم يبدأ بالفضول وحبّ الاستطلاع.

إذن، كيف يمكننا إيجاد القصص التي لم يُبلَّغ عنها وتحليلها؟

  1. أوّلًا: حلّل الأخبار واسأل عن التفاصيل المفقودة:

عندما ترى غلافات إحدى المجلات أو عنوان أحد المواقع أو تستمع إلى أحد الفيديوهات أو نشرات الأخبار على وسائل الإعلام، فكّر بشكل منطقيّ. عليك أن تطرح دائمًا بعض الأسئلة التي تساعدك في الحصول والوصول إلى المعلومات المفقودة بشكل أفضل:

  • ما الذي يحصل ولماذا؟
  • من المُتأثّر بما يحصل ولماذا؟
  • من قد يكون متأثّرًا لكن لم يُفصَح عنه في الإعلام؟
  • كيف تبدو هذه الأحداث في محيطك؟

على سبيل المثال، قام عددٌ من الصحفيين بطرح بعض الأسئلة للحصول على بعض القصص التي لم تطرح على الإعلان حوا جائحة فيروس كورونا: لقد حذّر الكثير من الباحثين في المجال الصحي لعقود متتالية من خطر انتشار جائحةٍ عالمية، مثال ما ورد في صحيفة Los Angeles Times و Science. إذن لماذا تجاهل الجميع هذه التحذيرات؟ ومن هم الذين يحصلون على  احتياجاتهم الصحية الضرورية؟ ومن لا؟ وما هو تأثير هذه الجائحة على الفئات الأكثر ضعفًا بما فيها المجتمعات التي تعاني العنصرية بسبب لون بشرة أفرادها المختلفة عن الأغلبية، واللاجئين غير المسجلين في الدوائر الرسمية وتلامذة المدارس؟ لما يشكّل هؤلاء دونًا عن سوتهم الفئة الأكثر تعرّضًا لهذه الجائحة وتأثّرًا بها؟ وما هي السبل المعقولة لمساعدتهم؟

  1. سَل الناس عن المواضيع الأكثر أهميةً بالنسبة لهم واستمع إليهم:

يُعتبر الناس المصدر الأفضل دائمًا للحصول على المعلومات المطلوبة سواء للصحافة أو التلفزيون أو أي أو أي وجهة كانت في جميع المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فكيف إن كان الحديث عنهم؟ يمكنكم الاستفادة هنا من طرح بعض الأسئلة على الناس للحصول على "طرف الخيط" كما يسمونه أي النقاط الأولية الأساسية التي توصل للحقيقة الكاملة، وبالتالي الوصول إلى القصص المخفية وغير المُبلَّغ عنها. فلتَختر أحدًا تعرفه واطرح عليه الأسئلة الآتية:

  • ما هي المواضيع التي تعتبرها الأكثر أهمية من غيرها بالنسبة لك ولماذا؟
  • ما هي المواضيع التي تهمّ بعض الأشخاص الذين تعرفهم ولماذا؟

في عام 2014، قامت دانييلا زال مان بالبحث عن سبب ارتفاع عدد الإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية HIV بين الجماعات الأصلية في كندا. بعد الاستماع إلى عشرات الأشخاص، علِمَت دانييلا أن السكان الكنديين الأصليين كانوا يواصلون استكشاف الآثار الدائمة للمدارس السكنية الهندية في كندا. ساعدت معرفة هذا الموروث الثقافي في تفسير الأسباب الجذرية لأزمة فيروس نقص المناعة البشرية والكثير من الأزمات الأخرى في مجتمعات معينة. لقد كانوا يأخذون الأولاد من منازلهم لأخذهم إلى أماكن تبعُد مئات الأميال حيث يتحدث القاطنين هناك لغة مختلفة ولا يستطيع الأولاد ممارسة ثقافتهم الخاصة. فكانوا يُجبرون على الاندماج في الثقافة الغربية الكندية. تعاونت دانييلا مع الناجين من هذا النظام لإنشاء صور مزدوجة توثق تجاربهم.

  1. راقب الناس والأماكن من حولك واحمل حبّ الاستطلاع بداخلك:

إن البيئة المحيطة بالإنسان تؤدي دورًا بالغ الأهمية في الحصول علي القصص التي لم يُبلَّغ عنها أو تُنشر.

أين أنت الآن؟

ماذا ترى؟

من ترى؟

 بعد الإجابة على هذه الأسئلة، يمكنك أن تسأل نفسك مجدّدًا:

  • ما الذي تراه مؤثرًا من وجهة نظرك؟
  •  ما الذي تراه غير عادل أو مستفزّ؟
  • ما الموضوع الذي تتوق أن تعرف عنه أكثر؟

ستتمكن من خلال طرح هذه الأسئلة الوصول إلى ما تتوق إليه من معلومات وتفاصيل. على سبيل المثال، عندما كانت تسكن المصوّرة الصحفية سيم شيين في بيجينغ، شعرت بالفضول تجاه وضع العمّال اللاجئين الذين ينعتهم الصينيون ب "قبيلة الفئران" رغم أنهم عصب سير الخدمات الصناعية في المدينة. إلّا أنهم وبسبب ارتفاع تكاليف المعيشة هناك، يستأجرون الشقق الصغيرة  تحت الأرصفة والمباني أو ناطحات السحاب. بسبب ذلك، قامت المصوّرة الصحفية سيم بزيارتهم والتقاط الصور لهم ونشرها من أجل إظهار أنهم يعيشون حياةً طبيعية كما باقي السكان والمواطنين.

نعم، إن الصحافة مهنة يمارسها الكثيرون ممّن يتشاركون التفاصيل ذاتها وطرق عمل مشابهة، إلّا أن نجاح الصحفيّ الحقّ وتألّقه يبدأ من قدرته على كشف ما لم يستطع عليه الآخرون بالإضافة إلى قدرته طبعًا على إيصال الرسالة ومساعدة الآخرين من خلال عمله على قدر المستطاع. وعلى الجمهور أن يعي فكرة أن الصحافة أو الإعلام لن تنقل يومًا الخبر والحقائق كما هي وخاصّةً في زمننا هذا حيث تُسيّس الأخبار والمعلومات لصالح أصحابها، لذلك من الضروري جدًّا البحث عن الجزء المفقود أو غير المعلن عنه من الخبر من أجل رؤية الأمور كما هي وبالطريقة الأصحّ والأفضل وألّا نكتفي بكمّ ما يُعرض كي لا يخى عنّا الكثير.

المصادر:

How to Find Under-Reported Stories, Journalist’sToolbox, May 21 2020.

https://youtu.be/5Fez7XtjFOQ