2021-12-27 11:06
قال ماركو روبيو يومًا، وهو سياسي أمريكي ومحامي يشغل منصب كبير أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية، "في السابق، إن أردت تهديد الولايات المتحدّة الأمريكية يكفيك أن تملكَ عشر حاملات طائرات وأسلحة نووية وصواريخ طويلة الاستخدام. لكن اليوم، لا تحتاج لسوى القيام بفيديو مزيّف شديد الواقعية."
يعبّر روبيو في هذه الجملة وبهذا الموقف عن وضع جديد انتقل إليه العالم، هو أكثر خطورةً من الأسلحة النووية وطائرات القصف. إنه عالم التكنولوجيا والحرب الافتراضية، وليس المقصود فقط الحرب العسكرية، بل تتضمّن أيضًا مختلف أقرانها من حروب اقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والفنية وغيرها…
وهنا نعرض أحد أمثلتها.
في حين اعتاد الناس على وصف متقلّب الرأي والمنافق بالشخص ذي "الوجوه المتعددة"، تحوّل هذا التشبيه اليوم إلى حقيقة عبر تقنيات متطورة أتاحت تبديل الوجوه وإلباسها هندامًا جديدًا. هل سبق لك أن رأيت أحدهم يستبدل وجه الآخر، من دون علمه حتى، من أجل تحقيق غايات وتحقيق أهداف لا يمكن تحقيقها بالطرق العادية المُعتادة، لغايةٍ في نفس يعقوب؟ نعم، إنها إحدى التقنيات التعلّم الآلي الجديدة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي عبر مقاطع الفيديو من أجل لصق وجوه أحد المشاهير، في الفن أو السياسية أو التواصل، أو حتى وجوه أناسٍ عاديين على جسدٍ آخر بغية تحقيق أهداف تختلف بحسب الحالة والشخص المُستهدَف. تُسمّى هذه العملية ب "التزييف العميق" أو "ديب فايكس أي DeepFakes". ويجدر الإشارة أن معظم المواد المصنوعة عبر هذه التقنية هي مواد إباحية مزيفة وأفلام صريحة خادشة للحياء.
إن قسّمنا كلمة "DeepFakes" إلى قسمين، القسم الأول Deep أي عميق والثاني Fake أي مزيف، فسيُفهم مباشرةً عمل هذه التقنية. تدلّ كلمة deep هنا بحسب تعريف عملها في اللّغة الانكليزية على التعلّم الآلي العميق وهي إحدى أنواع الذكاء الاصطناعي. أما Fake فهو كل مزيّف لا يمت للحقيقة بصلة.
إذن، كيف يعمل هذا؟
للقيام بهذا، يجري العمل على خطوات عدّة، بسيطة في إنجازها شديدة في مخاطرها ونتائجها.
فما هي مخاطر هذا؟
إن النقطة الأكثر خطورةً هنا ليست خداع الأشخاص، بل استخدام وجه الشخص والمشاهير من دون علمهم لأغراض لا تتوافق مع القانون والأخلاق. إن هذا العمل، بالإضافة إلى تلفيقه الأخبار الزائفة والبروباغندا على اختلاف أهدافها، إلّا أن الأخطر من ذلك هو اعتباره وسيلة للانتقام والآثار التي تترتّب عليه. فبمجرّد انتشار أحد الفيديوهات لأحد المشاهير أو السياسيين مثلًا أو الأشخاص العاديين، سيبادر الناس مباشرةّ بمشاركته مع العلن ونشره، الأمر الذي قد يسبب، أو سوف يسبب حتمًا إحراجًا كبيرًا للشخص حتى بعد إثبات كون الفيديو مفبركًا.
وفي النهاية، سوف يؤدي هذا دورًا بالغ الأهمية في معاناة الشخص للمشاكل النفسية والقهر والإحباط وخاصّةً إن طال الاستهداف أشخاصًا عاديين من المجتمع وليس أحد المشاهير أو المعروفين.
على سبيل المثال، قامت إحدى الأمهّات في بنسلفانيا بفبركة فيديو للمشجعين المنافسين لابنتها في أحد الألعاب. فحضّرت فيديو تظهر فيه الفتيات عاريات، يدخنّ ويشربن الكحول. ورغم أن هذه المرأة قد حوكمت لفعلتها هذه، إلّا أنا التفكير بقدر الأذى النفسي المعاناة والخجل من الظهور أمام العالم كالسابق كافٍ لإظهار مدى سوء الأمر.
مثال آخر عمّا جرى مع المتحدثة الرسمية للأمم المتّحدة، نانسي بيلوسي، التي قام أحدهم بتبطيء صوتها في خلال إحدى المقابلات التلفزيونية من أجل أن تبدو في حالة من السكر وعدم الاتّزان.
لكن على الناحية الاُخرى، قد تُستخدَم الوسيلة بالطريقة ذاتها من أجل أهدافٍ بنّاءة ومفيدة. فعلى سبيل المثال، استُخدمَ صوت لاعب كرة قدم الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام في حملة للتوعية ضد الملاريا بتسع لغات مختلفة. كذلك استُخدمت في تغطية وجه بعض الجزائريين الذين لا يودون كشف هويتهم والظهور على التلفاز في أحد المقابلات التلفزيونية.
وهنا، كيف يمكننا كشف ذلك من أجل عدم الوقوع كضحية؟
يمكن كشف الفيديو المُفبرَك من خلال عدّة تفاصيل:
وقد ذكرت إحدى الخبيرات نقطة مهمّة عن القدرة على كشف الخداع من خلال مضمون الفيديو، فقالت "إن جعلك مضمون الفيديو تشعر بإحساسٍ قويّ، سواء كان شعورًا قويًّا بالحزن أو الفرح العارم، عليك حينها أن تتوقف لعددٍ من الدقائق وإعادة تفقّد الأمر والتأكّد منه".
ويجدر الإشارة أن بعض الشركات كفيسبوك وانستغرام وبعض الباحثين يعملون على برمجيات محدّدة كي يتمكنوا من خلالها الكشف عن هذه الفبركات والتبليغ عنها. كما وتقوم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي و"ال ف ب آي" أي المكتب الفيدرالي للتحقيقات بالعمل على تصنيف هذا العمل كتهديد رسمي.
نعم، إنه عالم مخيف، حتى الوجوه باتت تُبدَّل فيه وتلبس أجسامًا لا تشبهها. فعلى عاتق مَن تقع المسؤولية؟
المسؤولية اليوم على عاتق الجميع، فالجميع معنيّ بالانتباه جيّدًا لكل ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك على الجمعيات والجهات المعنية بهذه المواضيع أن تعمل على نشر التوعية والتنبيه بمختلف الطرق، بالتعاون مع وسائل الإعلام التي تؤدي الدور الأبرز والأهم في هذا المجال. أما القوانين، فتبقى الرادع الأقوى الذي قد يمنع الكثيرين من خوض هكذا مغامرات مؤذية تضرّ بالمجتمع وبالكثيرين.
المصدر: