قد عرفنا الإعلام فيما مضى وسيلةً تقوم على نقل الصورة الخارجية للجمهور وكل من أراد أن يعلم ما يدور في فلك محيطه. كانت هذه من النيات الأولى التي نشأ لأجلها الإعلام. لكن فيما بعد، بدأت الأمور بالتغيير ووُجدت عدّة أهداف وأعمال أُخرى لوسائل الإعلام التي اختار معظمها الارتهان إمّا للأموال أو لسلطة السياسيين الذين يرون من الإعلام وسيلة قوية لتحقيق الأهداف وإقناع الناس وتغيير الواقع ولكن ليس من الضروري أن يكون التغيير نحو الأفضل بل نحو ما يراه هؤلاء أفضل. نتيجة لذلك شهد العالم في الفترة الأخيرة التي تمتدّ لعقود تشويهًا وتزويرًا واضحًا للحقائق والوقائع في وسائل الإعلام، كما كان الدور الأبرز هو لحرف البوصلة عن وجهة الإعلام الصحيحة.
إن العالم أجمع يمرّ في فترات قاسية حقًّا وشاقة على الجميع، فالعالم يعاني أزماتٍ اقتصادية وسياسية وخلل أمني وسياسي، بالإضافة إلى أنواع الفساد الكثيرة المتنوعة والمنتشرة في أضخم مظاهر حياة المجتمعات وأفرادها وكذلك في تفاصيلها الدقيقة جدًّا. لذلك نرى وبشدة، محاولات هائلة لصرف الجمهور عن هذه الأمور الأساسية، طبعًا انصياعًا لرغبات السياسيين، لصرف هؤلاء عن النظر في أمور حياتهم اليومية التي قد تدعوهم للتمرّد على السلطة ومعارضتها. من هنا، نجد أن انتشار بعض الترندات في أوقات معيّنة وفي ظل وجود أحداث أخرى لم يكن عفويًّا بل كان مدروسًا بشدة.
لقد ظهر أخيرًا ما يسمى بالترندات أي الـ trends وهي آخر ما يجده رواد التواصل الاجتماعي مثير للإعجاب والمتابعة ويعمدون إلى تطبيقه وتقليده ونشره. تختلف طبيعة الترندات وهي كل ما هو شائع وتميل الأمور نحوه وفي اتجاهه. ويجدر الإشارة أن الترندات ليست محصورة بأمور الموضة أو أخبار الفنانين والمشاهير وما شابه، بل تطال السياسية والاقتصاد والتكنولوجيا والاجتماع وحتى الأمور العسكرية.
على أي أساس تختار وسائل الإعلام هذه الترندات؟
تلجأ وسائل الإعلام إلى اختيار المواضيع التي ترى أن الجمهور أكثر اندفاعًا نحوها واهتمامًا بها فبهذه الطريقة تقوم بلفت انتباههم بشكل أسرع وأسهل وأفضل. وعادة ما تختار المواضيع التي تصب في دائرة اهتمام الشعب أو التي تؤدي دورًا معاكسًا للأزمات والمشاكل التي يعانونها.
ما هي الخطوات التي تقوم بها وسائل الإعلام لضمان نجاح هذا؟
تختلف طرق تحقيق هذه الأهداف لكن من أهمها وأكثرها اعتمادًا:
- التكرار: تلجأ وسائل الإعلام في معظم الأوقات إلى تكرار الأفكار التي تودّ إيصالها للجمهور أو إقناعه بها، فمن خلال الكرار، وهي طريقة معتمدة علميًّا في التعليم، يقوم المستمع أو المشاهد بحفظ الأفكار أو ترسيخا في ذهنه ولو لم يقتنع بها. بعض المصادر تقول أن أحيانًا قد يقتنع الشخص حتى بالتكرار ولو لم تكن الفكرة تتوافق معتقداتهم.
- الإعلانات: الجميع يعلم أم الإعلانات هي السبيل الأكثر ربحًا وجنيًا للمال لوسائل الإعلام، فقوة المحطة التلفزيونية تقوم على كم الإعلانات التي تقدمها. ومن خلال هذا، وبحسب قوة هذه الجهة، تسعى لتصدير أفكارها إلى الجمهور عبر طرق مقنعة جدًّا. نعم التكرار من عناصر الإقناع ومن أحد الوسائل لإقناع الجمهور، لكن الإعلانات لها الأثر والتأثير الأكبر. عندما تتوافر الصورة مع الصوت مع عناصر التأثير، سيكون المشاهد أكثر قابليةً على امتصاص المعلومات.
- محاورة ضيوف عن المجالات ذاتها: يستطيع الإنسان دائمًأ أن يقتنع بالأفكار التي تخالف هواه عندما يقدمها له أحد الأشخاص الذين يحبّهم أو يشكل عنده نقطة اهتمام. والجميع يعلم أن قليلًا ما نرى أشخاصًا أو مجموعاتٍ في العالم العربي على حياد أو لا يتمتعون بالولاء السياسي لأحد الأطراف. لذلك، تؤدي وسائل الإعلام دورها في هذا المجال فتستغل نقاط ضعف المشاهدين، إن صحّ التعبير، للتأثير أكثر على توجهاتهم. انطلاقًا من هذا، يقوم هؤلاء باستضافة بعض الأشخاص الذين يعلمون بمدى تأثيرهم وقدرتهم على إقناع الجمهور.
لكن الأهم أن نسأل أخيرًا عن الأهداف التي تسعى وسائل الإعلام إلى تحقيقها من هذا:
- إبعاد الشعب عن القضايا الأساس: تدخل وسائل الإعلام دائمًا في خضم المشاكل والمعاناة التي يعانيها، وبما أن معظمه بات مرهونًن للسياسيين أصحاب السلطة أو لأصحاب المال، فبات من السهل إشراك هؤلاء في عملية التأثير على الجمهور. على سبيل المثال، يمكننا أخذ حالة لبنان بعين الاعتبار، ففي حين يعاني اللبنانيون أقسى درجات الذل والحرمان من حقوقهم واحتياجاتهم الأساس وغيرها، تلجأ بعض وسائل الإعلام إلى غض النظر عن أوجاع الناس وتوجيه البوصلة إلى غير محلّها لصرف الناس عن المطالبة بحقوقها وإشغالهم بمواضيع أُخرى وذلك لأن أصحاب السلطة يعلمون جيّدًا أن للإعلام الدور الأبرز في هذا المجال. فالإعلام إن كان يمارس دوره بالشكل الصحيح يمكنه اقتلاع الحكومات والسلطات التي تضطهد الشعب وتمارس عليه النظام.
- تحقيق أهداف العولمة وتوحيد الثقافات: صحيح أن ظهور العولمة ساهم في قلب العالم 180 درجة وأدى إلى تطوّرٍ وابتكار في العالم أجمع لم نلحظه من قبل، إلّا أن هذه العولمة لم تخرج من دول تريد التطوير من نفسها لأنها تعاني الأمريّن، بل خرجت من أحضان دول كبرى بل الأكبر في العالم والأكثر تطورًا من غيرها، هادفةً إلى نشر ثقافتها وأفكارها ونمط حياتها وذلك لأسباب عدة أهمها التحسين من اقتصادها من خلال الترويج لبعض المنتجات والخدمات التي قد تودي بدولهم إلى ازدهار لم تلحظه من قبل. والعمل على تقريب الثقافات وتوحيدها هو الطريق الأسهل، فعملية إقناع أحدهم بشراء منتج أو خدمة ما يحتاج إلى إقناع المستهلك بقيمتها على مختلف الصعد، وفي حال اختلاف الثقافات، لن يحقّق أيًّا من أهدافه.
- إنجاز غايات سياسية: إن اختيار رجال المال والأعمال لوسائل الإعلام كوسيلة للتأثير على الجمهور لم يأت من عبث فهؤلاء يعلمون مدى تأثير هذه الوسيلة على معتقدات الناس وتوجّهاتهم. يمكننا أن نشهد هذا التأثير بوضوح في خلال الفترة الانتخابية وما قبلها حيث يسعى السياسيون إلى التأثير على ناخبيهم من خلال الحملات الانتخابية. بهذا يسعى السياسيون إلى تحقيق غاياتهم السياسية والسلطوية عبر وسائل الإعلام التي يستخدمونها كمنبر يعرضون عليه أهدافهم وتطلعاتهم و مشاريعهم وبرامجهم الانتخابية.
إن دور الإعلام يخطو يوميًا إلى الأمام وذلك للاهتمام الكبير الذي يتلقاه من أصحاب المال النفوذ وحتى من الأشخاص العاديين الذين يرون فيه وجهة للاطلاع على الحقائق وما يدور في العالم، وكوسيلة أيضًا للممارسة بعضًا من حقوقنا كحرية الحصول على المعلومات وحرية الرأي والتعبير. لكن النقطة الأهمّ تكمن في حفاظ هذه الوسيلة على قدسيتها المهنية ودورها في المجتمع من خلال التقيد بالأخلاقيات المهنية وإيصال ما يجب أن يُنقل للشعب كما هو من دون أي ارتهان لأصحاب المال والسياسة والنفوذ وغيرهم….