2021-12-11 09:20
كيف يعرّف المرء "الكلمة"؟ لن يخطر في بال أحد إلّا التعريف الآتي: مجموعة من الأحرف المتنوعة التي تشكل كلمةً تتصافّ قرب بعضها البعض لتشكّل جملةً مفيدة. لكن اليوم، وبعد انتقال العالم من حالة التوتر التي تحكمها الحروب والعنف، إلى مرحلة الحرب الباردة التي تحتل الحرب الناعمة الحيّز الأكبر فيها، تغيّر مفهوم الكلمة ودورها من حيث التأثير التي كانت تؤديه في الماضي. فإن تأثير الكلمة وأثرها اليوم يشكلان عاملًا أكثر قوّة وخطرًا من السلاح حيث تسعى الدول لضرب بعضها البعض عبرها. والمعادلة بسيطة جدًّا، تُصيب الرصاصة هدفًا واحدًا، قد تقتله وربما لن تفعل، أما الكلمة فستصيبه حتمًا، إن لم يكن اليوم، فربّما غدًا، وإن لم يكن هو فستصيب غيره الكثيرين.
والكلمة جزءٌ من لغةٍ ما، تختلف باختلاف الدولة والمنطقة والجغرافيا والتاريخ والشعب. لقد أدّت هذه اللّغة دورًا بالغ الأهمية في الحرب العالمية الأولى بين الألمان والأمريكيين. كان الألمان يتمتعون بقدرات تجسّس عظيمة ، الأمر الذي دعا الأمريكيين إلى البحث عن حلٍّ ظهر وحده فجأةً. تمثل لحلّ بفرقة اتصالات تشوكتو الهاتفية، التي تتألف من أشخاص من قبائل الهنود الحمر عندما سمعهم أحد الضباط الأمريكيين يتكلمون بلغة غير مفهومة وسألهم عن لغتهم. بدأت هذه الفرقة العمل على الفور، وفي خلال ساعات، أُرسل ثمانية من المتحدثين بلغة تشوكتو إلى مواقع استراتيجية، وأدوا دورًا مهمًّا في مساعدة القوات الأمريكية في الفوز بمعارك مهمة، وفقا لميدوز، من خلال التواصل مع فصائل عسكرية في أماكن أخرى بذات اللّغة التي عجز الألمانيون عن فك شفرتها وفهمها.
وبعد أن بات العالم اليوم قائمًا على العالم الافتراضي بمختلف مجالاته من إعلام وصحافة ووسائل تواصل اجتماعي،صار استخدام اللّغة أكثر شيوعًا وظهرت مواطن ضعفها عند الكثيرين من المتخصصين وخاصة في مجال الصحافة والإعلام وغيرهم من الناطقين بها:
تؤدي اللغة دورًا بالغ الأهمية في المجال الإعلامي والصحفي، فاللغة القوية الجذابة التي تتوافر فيها جميع الشروط الضرورية لجذب القارئ أو المستمع، لا تساوي في التأثير طبعًا اللغة الركيكة ضعيفة البنية والقواعد.
أولًّا، على اللغة الإعلامية المستخدمة أمام الملأ والجمهور في التلفاز أو الراديو أو الصحف أو أي وسيلة إعلامية أن تتوافر فيها النقاط الآتية:
وغيرها…
فما هي مشاكل اللّغة العربية في العالم العربي؟
إن أصول لغة الإعلام لا تقتصر على هذه الخصائص وحسب، بل تتعداه إلى الناحية اللغوية التي ترتبط بجانب القواعد والإملاء وتركيبات الجمل. أحدهم يقول أن الأهم في الصحافة والإعلام هو القدرة على إيصال الأفكار للجمهور وتوضيح الهدف ونقل الصورة كما هي. لكن، أليس من المخجل لصحفي أو إعلامي أن يقوم بكتابة مقال أو نص ما بلغةٍ خاطئة؟ أليس معيبًا أن يطل أحد الإعلاميين على شاشة التلفاز أو عبر الراديو، مهجّئًا بطريقة خاطئة أو محرّكًا لأواخر الكلمات بطريقة يخجل منها تلميذٌ في الصفوف الابتدائية؟
للأسف، يظهر ضعف اللغة العربية في وسائل إعلام العالم العربي عامةً والشرق الأوسط خاصًة بشكلٍ واضح. لقد حوّلت العولمة ليس حال الدول فقط من حيث التكنولوجيا والتطور ومشاركة الثقافات وحسب، بل إنها ساهمت أيضًا بتغيير عقول القاطنين في هذه الدول سواء بشكل إيجابي أو سلبي. نتيجة للفهم الخاطئ لبعض معالم هذه العولمة، وجد هؤلاء أن التحضّر والتقدّم يقوم على فكرة عدم الاهتمام العميق باللغة العربية، وهي اللغة التي لا تصلح إلا للعالم العربي انطلاقًا من وجهة نظرهم، فاختاروا التوجه نحو اللغات الأجنبية المتنوعة. أدى هذا إلى ظهور ضعفهم في لغتهم الأم بشكلٍ واضح على التلفاز وفي الصحافة ومختلف مجالات العمل في الإعلام. فاليوم، قليلٌ ما نجد إعلاميين وصحفيين يتميّزون بلغة سليمة وبلاغة واضحة.
فهل تسمعون اليوم خطابًا أو نشرةً إخبارية أو لقاء صحفي لأحد الإعلاميين أو إحدى الإعلاميات من دون استخدام أحد المصطلحات الانكليزية أو الفرنسية؟ طبعًا ليس الغرض من الاعتراض عدم تكلّم اللغات الأجنبية أو التوجه نحوها، ولن لا يجب أن يكون ذلك على حساب اللغة الأم. فكلنا يعلم اليوم أن العالم أجمع ومعظم مجالات العمل يحتاج إلى التحدث بأكثر من لغة واحدة، لكن هذا يجب ألّا يمنع الصحفي من تركيزه على لغته الأم.
وأكثر ما هو لافت في الإعلام وحتى في تداول اللّغة العربية هو انتشار الأخطاء الشائعة حتى في كلام ومقالات متخصصي اللّغة العربية وتداخل اللغة العربية الفصحى باللّهجة العامية.
لذلك، يجدر بنا عرض بعض الأخطاء الشائعة التي لا يعلم الجمهور وبعض أبناء اللّغة بشأنها وذلك لاختلاف رأي المدارس الأدبية حولها:
أما المشكلة الثانية التي تظهر وتسيطر بقوّة، هي تداخل اللغة العربية الفصحى باللّهجة العامية. يظن بعض الإعلاميين أن إدخال الفصحى على الخطاب يجذب الجمهور للاستماع إليهم والشعور بالحماس أكثر، وقد يكون هذا صحيحًا، لأنه يظهر بشكل الخطاب ويؤثر على أذن المستمع. على الإعلامي أن يفترض أنه المستمعين أو المشاهدين له قد لا يكونوا من الباد ذاته، في أغلب المحطات التلفزيونية العربية تُشاهَد من داخل دولٍ عدّة، لذلك فليس الجميع قادرًا على فهم اللهجة العامية الخاصّو بالبلد. بالإضافة إلى ذلك، وهو الأهم، إن الخطابات والحوارات واللقاءات يجب أن تكون جميعها باللغة العربية الفصحى الصحيحة فهذا يزيد من حضور الإعلامي واحترافيته في مجال العمل.
ومن أوضح الأدلة على دور اللّغة وتأثيرها هو اهتمام السياسيين بفن الخطابة وصحّتها من حيث القواعد والتراكيب واختيار الكلمات. إن أولى ما يقوم به السياسي الذي يريد أن يجذب انتباه الجمهور واهتمامه، خطاب قويّ صاخب تُستخدم فيه الكلمات الرنانة وتسيطر عليه البلاغة. لذلك، وامطلاقًا من هنا، نشدّد على ضرورة سعي الإعلاميين والصحفيين دائمًا لاهتمام اللغة العربية والتركيز على ضرورتها ودورها والتطوير من أنفسهم في هذا المجال وذلك من خلال المشاركة في الدورات التدريبية والندوات ومواكبة كل جديد يطرأ
على هذه الساحة بخصوص هذا المجال.
إن سلامة اللّغة من سلامة البلاد، وصحتها تعني تعلّق شعبها بهويّتهم وسعيهم للحفاظ عليها. لقد كانت اللّغة طرفًا قويًّا جدًّا في إشعال الحروب بين بعض الدول بسبب خطأ لغوي أو ترجمة خطاب خاطئة. لذلك، سلامة اللّغة من مقوّمات السلم، الداخلي والسياسية والفكري أيضًا، ومن عوامل تطوّر البلاد والشعوب.
المصادر:
BBC News, دينتني ونترمان، 15 ويليو/تموز 2014
https://www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/07/140715_ww1_code_talkers
الموسوعة الحرة، خصائص اللّغة الإعلامية
المقال، هبة اللّه الدالي، 26 أغسطس/ آب 2020
https://elmqal.com/common-mistakes-in-arabic/