2020-10-29 11:17
اكثر من 10 شهور مرت على تسجيل أولى الإصابات بفيروس كوفيد-19، وما زالت الأوساط العلمية العالمية تبحث عن سبل لفهم سبل انتقال الفيروس من شخص الى اخر بعد ان شكل أزمة صحية، اعتبرتها منظمة الصحة العالمية من الأسوأ في تاريخ البشرية وصنفتها كـ "جائحة" اعتبارا من آذار 2020. ووفق ما رصدت "لجنة دعم الصحفيين، فقد اثارت تقنيات التتبع التي اعتمدتها بعض الحكومات جدلا كبيرا في الأوساط الحقوقية التي اعتبرت ان "جائحة كوفيد-19" هي شأن طبي انساني، ويجب التعاطي معها على هذا الأساس، لا تحويلها الى ملف امني يثير الكثير من التساؤلات حول احترام الحق في خصوصية البيانات الشخصية في التقصي الوبائي وحول فعاليتها وجدواها في متابعة رقعة الانتشار والحد منه في اطار الجهود لمكافحة انتشار الفيروس، كما يثير ريبة الكثيرين حول مصير البيانات المخزنة خلال وبعد فترة التعقب.
هذا وأشارت منظمة الخصوصية الدولية في تقرير أعدته الى ان 23 حكومة حول العالم قد طلبت بيانات موقع هواتف السُكان من شركات الاتصالات، ولجأت أربعة عشر دولة أخرى إلى تطوير تطبيقات تتبع الفيروس عبر GPS، سواء لحصر المرض أو للتفكير برفع الحظر تدريجيًا، طالبة السماح للوصول الى ملفات لا تستخدم الموقع الجغرافي او البلوتوث فقط، كالصور، ملفات الصوت، الفيديو، بيانات الاتصالات...).
تؤكد "هيومان رايتس ووتش"، بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاجتماعية والثقافية" "، الذي صادقت عليه أغلب الدول، على حق كلّ إنسان بـ "التمتع بأعلى مستوى من الصحة [البدنية] والعقلية يمكن بلوغه". وبذلك تكون الحكومات مُلزمة باتخاذ التدابير الفعالة "للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطّنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها". وهذا الحق في الصحة يتعلق ايضاً بكل الحقوق الأخرى التي تؤثر عليه مباشرة، كالحق في المأكل الصحي، والمسكن اللائق، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، او بطريقة غير مباشرة (بالاخص في زمن انتشار الأوبئة والنزاعات) كالحق في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الموثوقة، والتجمع، والتنقل....
وبناء على ذلك، على الحكومات تأمين ظروف من شأنها توفير الخدمات الطبية للجميع في حالة المرض". وعليها أيضا وضع الخطط الاستباقية للتقليل من خطر الحوادث والامراض عبر تحضير الطواقم الطبية والعاملين في القطاع الصحي والتوعوي، عبر التوعية وتأمين معدات الحماية اللازمة ومستلزمات الوقاية والعلاج. كما تقدّم كل من "مبادئ سيراكوزا"، التي اعتمدها "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" التابع للأمم المتحدة عام 1984، والتعليقات العامة لـ "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" بشأن حالات الطوارئ وحرية التنقل، توجيها ملزما حول ردود الحكومة التي تقيّد حقوق الإنسان لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو الطوارئ الوطنية، فاعتبر ان كل التدابير التي تُتخذ لحماية الناس والتي تقيّد حقوقهم وحرياتهم يجب أن تكون قانونية، وضرورية، ومتناسبة، ويجب أن تكون حالات الطوارئ أيضا محددة زمنيا، وكل تقييد للحقوق يجب أن يراعي الأثر غير المتناسب على مجموعات سكانية أو فئات بعينها. وفي 16 آذار 2020، قالت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان الأمميين إن "إعلان حالات الطوارئ القائمة على تفشي فيروس كورونا ينبغي ألا تُستخدم كأساس لاستهداف مجموعات أو أقليات أو أفراد معينين. لا ينبغي أن تكون بمثابة غطاء لعمل قمعي تحت ستار حماية الصحة... أو أن تُستخدم ببساطة لقمع المعارضة".
وتنصّ مبادئ سيراكوزا على وجه التحديد على أن تكون القيود على الأقل:
ولكن في الكثير من الدول، لم تحترم الحكومات الحق في حرية التعبير، واتخذت تدابير ضدّ الصحفيين والعاملين في الرعاية الصحية، ما قلّل فاعلية التواصل عند بداية تفشي المرض، وقوّض الثقة في عمل الحكومة. كما احيلت ملفات متابعة المصابين بالفيروس، المحجورين نظرا لمخالطتهم لمصابين، كما المتواجدين في بؤر لتفشي الفيروس الى أجهزة أمنية، ما هدد حقهم في الخصوصية والأمان الرقمي كما المجتمعي.
وفق ما توصلت اليه اخر الأبحاث العلمية، اعتبرت منظمة الصحة العالمية ان فيروس كوفيد-19 (كورونا المستجد) ينتقل من مصاب الى آخر عند تقاربهما لمسافة أقل من متر ونصف تقريبا او لمسافة اقرب عند تطاير الرذاذ من المصاب، كما يمكن ان ينتقل عبر لمس الأسطح الملوثة به، وتكون سرعة انتقاله اكبر في الأماكن المكتظة والمغلقة.
آخذين ذلك بعين الاعتبار واستنادا الى الكثير من البحوث والدراسات، التي شككت بفعالية تقنيات تتبع مرض الإيبولا التي اعتمدت على بيانات الموقع الجغرافي، في جدوى تتبع المرض ودقتها في ترصد خطر انتقال فيروس عبر حبيبات الرذاذ. علميا، وفق ما اشارت البيانات، لا يمكن تأمين تحديد دقيق لتقارب الأشخاص من بعضهم البعض عبر بيانات موقع أبراج الاتصالات، كون محيط المساحة التي تغطيها أبراج الاتصالات بين 50 إلى 100 متر، بينما تمنح بيانات الموقع الجغرافي (GPS) عبر الهاتف دقة أكبر تصل الى حد محيط خمسة أمتار في الأماكن الخارجية، لكنها تعجز عن ذلك في الأماكن المغلقة وبالأخص متعددة الطوابق.
وكذلك انتقد خبراء الهندسة الالكترونية تطبيقات التعقب التي تعتمد على تقنية البلوتوث لقياس التقارب بدلًا من تحديد الموقع الجغرافي. فعلى الرغم من اختلاف المساحة التي تغطيها تقنية البلوتوث بحسب نوعية الهواتف الذكية، فمعظمها قد تعطي تنبيهات خاطئة عن التقارب نظرًا لتمكنها من اختراق الجدار، ما يعني ان مصابا قد يكون موجودا في غرفة أخرى ولم يحصل أي تقارب فعلي او تعرض لرذاذ، ولكن نظرا لقرب المسافة الفاصلة، يعطي التطبيق المعتمد على البلوتوث إشارة الى مخالطة مصاب.
وفي كلتي الحالتين، يشكك الكثيرون من الخبراء الجامعيين بفعالية تطبيقات الترصد التي تعتمد على التحميل والتحديث الطوعي للبيانات في غياب ما يجبر المواطنين على تحميلها وإدخال معلومات دقيقة عن أعراضهم أو إصاباتهم أو مخالطتهم. وبذلك، لا يكون التتبع الا عنصرا من عناصر تسطيح منحنى الإصابات المستجدة الثلاثة، إلى جانب العزل والفحص، بحسب تيودروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. بالإضافة إلى تطبيق نظام تتبع يدوي معقد للمخالطين لا تغني عنه هذه التطبيقات.
إضافة الى الكثير من الشكوك التي تطالها مع توجه الحكومات لتوسلها سعيا للقدر الأكبر الممكن من الملاحقة والمتابعة لكبح انتشار الفيروس، ما يثير الريبة في الكثير من تطبيقات التعقب الالكتروني (Contact Tracing ) ان العديد منها تطلب اذونات لوصول الى بيانات على الهاتف او الجهاز الذي حملها، كالصور والملفات الصوتية والفيديوهات وغيرها.... وهو ما يعتبر انتهاك صارخ للحق في الخصوصية لكل فرد، حيث يشير الكثير من الحقوقيين المتابعين لتطوير هذه التطبيقات الى نقص في المنظومات التشريعية لحماية البيانات الشخصية الرقمية، بالاخص في الدول النامية، وغياب المعايير او الهيئات الرقابية التي تكفل حقوق الافراد في الخصوصية وحماية بياناتهم الشخصية، إضافة الى حقهم في التنقل بحرية والتواصل والاتصال، حرية الاجتماع (مع احترام شروط السلامة العامة والإجراءات الوقائية بالنسبة لغير المصابين).
إضافة الى ذلك، كثرت التساؤلات عن نظم الحماية للبيانات التي توفرها تطبيقات التعقب للافراد، حيث تبين وجود العديد من الثغرات في الكثير منها ما يهدد بهجمات سيبرانية قد تكشف عن المعلومات الشخصية الحساسة لملايين المستخدمين (رقم الهوية، الملف الصحي والقانوني، العناوين والتنقلات...). وهنا يبرز السؤال الأهم بالنسبة للرافضين للسيطرة "الأمنية" على الكثير من مفاصل حياة الافراد بحجة "مكافحة انتشار الوباء"،حول مصير التطبيقات والبيانات خلال وبعد الجائحة، حتى لو لم تنقل إلى خوادم مركزية حكومية (Servers)، وفقا ما يحاول مبرمجون تطويره مؤخرا، متسائلين ان كانت أهم شركتين من عمالقة الانترنت، مثل غوغل وآبل، قادرتين على لاحتفاظ بهذه البيانات او تحويلها بناء على إشارات قضائية او امنية؟
تكفل جميع المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان، وفي مقدمها الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الحق في الحرية، الخصوصية، حرية التنقل، والأمان. ولذلك، فان القيود المفروضة على جميع الحقوق، لاسباب تتعلق بالصحة العامة او الطوارئ الوطنية، يجب ان تكون مبررة قانونية، ضرورية، متناسبة مع تحقيق الغاية منها،ـ وليست تعسفية او تمييزية عند تطبيقها، ولها مدة زمنية واضحة ومحددة، تحترم الكرامة الإنسانية وقابلة للمراجعة والتدقيق، وصولا الى تعديلها او الغائها حتى، مع تأمين الدعم اللازم لتجنيب المواطنين الخاضعين لها لاي تبعات نفسية، اجتماعية، اقتصادية، معيشية وغيرها...
وعليه، يتعين على الحكومات حماية حق المرضى بالحفاظ على خصوصيتهم الصحية، وحق محيطهم بالتمتع بحرياتهم، طالما انهم يحترمون الإجراءات الصحية الوقائية ولا يشكلون خطرا على انفسهم ومحيطهم، وان يكون متابعة الملف الصحي للمواطنين منوطاً بالاجهزة الصحية الرعائية، الاجتماعية، والطبية، بعيدا عن الملاحقات الأمنية التي تهدد حق المواطنين في الخصوصية والحرية...
واذا ما استدعت الحاجة الطارئة القاهرة، بغياب بدائل ملائمة اكثر مراعاة، لا بد من توافر الشروط التالية التي تقدمها "لجنة دعم الصحفيين" اثر الاطلاع على الكثير من الدراسات الحقوقية والقانونية المعنية:
المصادر:
- قسم التحرير في "لجنة دعم الصحفيين"
- موقع الأمم المتحدة
- موقع "هيومن رايتس واتش"