2020-10-29 07:44
في القرن الواحد والعشرين ومع ثورة المعلوماتية، ومن خلال متابعة "لجنة دعم الصحفيين"، لوحظ ان التحدي ما زال قائما امام الدول والمنظمات الدولية والاقليمية والمحلية للموازنة بين تعزيز الحق في حرية التعبير من جهة، والحق في حماية الكرامة الانسانية لجميع الافراد من جهة أخرى. ولذلك، كثر الحديث مؤخرا عن سبل، دواعي، وحيثيات مكافحة خطابات الكراهية التي زادت من حدتها سهولة انتشارها وسرعة تعميمها عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من السبل التي زادت من سوء الأزمة وتأثيراتها. وقد تحولت "خطابات الكراهية" الى مادة خلافية دسمة بين المشرعين والحقوقيين والقانونيين كما نشطاء المجتمع المدني وغيرهم في سبيل تحديد تعريف واضح لها ولسبل مواجهتها.
من خلال دراسات وابحاث عدة قاربت الإشكالية القائمة بين كل من قدسية حرية الراي والتعبير من جهة والحق في احترام الكرامة الفردية والجماعية لكل شخص، تعتبر "لجنة دعم الصحفيين" ان كل تعبير (مرئي، مسموع، مصور، مكتوب او مومأ اليه) يؤيد او يشجع على الأذى (النفسي، الجسدي، المادي، الاقتصادي، الاجتماعي...) بناء على اعتبارات تمييزية تصدر عن جهات فاعلة بقصد الحاق الضرر بمجموعة عبر تكثيف الدعوات لبثه واعتماده من شخص او فئة او فئات ضد شخص او فئة او فئات أخرى قد تندرج تحت "خطاب الكراهية".
فحتى الساعة، لم يتم الاتفاق على تعريف واحد لخطاب الكراهية. ولكنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الأونيسكو) تعتبر ان خطاب الكراهية هو الخطاب الذي يتضمن عبارات او مفردات تؤيد او تشجع التحريض على الضرر او تهدد بتنفيذه (الضرر والاذى النفسي، المعنوي، او الجسدي... الفردي او الجماعي....من تنمر لفظي او مكتوب الى ابادة جماعية)، بناء على اعتبارات تقسيمية، كالتمييز او العداوة او الرفض بناء على الجنس، اللون، العرق، الدين، الميول السياسية او الجنسية، العمل، الوضع الاجتماعي او الاقتصادي، الاحتياجات الخاصة وغيرها، عن طريق نص مكتوب، رسمة، صورة، خطاب مسموع، او مادة بصرية مرئية. ولتصنيف خطاب كخطاب كراهية، لا بد ان تتوافر فيه بعض العناصر الموجبة، منها: تحريض يفضي الى العنف، صدوره عن شخصية مؤثرة، انتشاره على نطاق واسع وطلب نشره وتناقله، وتحديد فئة مستهدفة بشكل مباشر او غير مباشر (عبر ايحاءات وتحديد مؤشرات واضحة اليها...)
ولكن هذا الاتفاق على تحديد شروط ومقومات خطاب الكراهية، قابله رفض ناشطين حقوقيين طالبوا بالدفاع عن حرية التعبير التي اعتبروا ان هذا التحديد لخطابات الكراهية قد يجعله سلاحاً ضدها وهي المحمية بموجب القانون الدولي، من خلال حقوق واضحة منصوص عليها في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، علما ان المادّتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يشير ايضا الى الأحكام التي تحمي حرية التعبير والى الاحكام التي تقتضي من الدول حظر خطاب الكراهية. فبينما تنصّ المادة 19 على الحق في حرية التعبير وتفصّل الحالات الاستثنائية التي يجب فيها تقييد هذا الحق، تضيف المادة 20 على ذلك بروباغاندا الحرب وأي تحريض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية بإعلانها غير قانونية؛ ما يرسي أسساً لتعريف خطاب الكراهية ومنطلقاً لحظر التحريض على الكراهية. ولذلك، تصبح الحاجة ملحة اكثر وأكثر لضرورة وضع الحكومات والجهات المعنية أطرًا قانونية واضحة لا تحتمل التأويل او الالتباس بشأن خطاب الكراهية لمساءلة ومحاسبة مرتكبيه.
وهنا تجدر الاشارة الى كون الصحفيين من اكثر ضحايا عدم وضوح النصوص القانونية المتعلقة بخطابات الكراهية، سواء بتحويلهم الى "هدف" للادعاء القانوني او للخطر المحدق بهم خلال تغطية احداث في مناطق نزاع ترتفع معها وتيرة الكراهية والتحريض وروايات متباينة حد التناقض بين الاطراف المختلفة.
الا ان "لجنة دعم الصحفيين" تعتبر ان الغاية القصوى من كل النصوص الحامية للحريات والحقوق المدنية والسياسية هي حماية الكرامة الإنسانية والكيان الإنساني. وحيث ان خطاب الكراهية يمس الكرامة الإنسانية في صميم وجودهاK ترى اللجنة لزوم تأطير الحرية في التعبير ضمن اطار الحفاظ على الكرامة الإنسانية من خطابات الكراهية والتمييز العنصري والجنسي والعرقي والديني.
تحاول منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، على ما تدعيه، كبح جماح انتشار خطابات الكراهية، وكلن يبقى لكل منها تعريفها الخاص الملتبس ايضاً واجراءاتها الخاصة في متابعة المحتوى وسبل مكافحة هذه الخطابات، خاصة انها تتميز بجمهور اوسع ومتنوع اكثر مناطقيا وثقافيا، يمكنه البقاء لفترة اطول ما يزيد من حجم الضرر ويصعب عملية وقف نشره، ويمكن لناشره ان يخفي هويته بسهولة او حتى تزويرها وانتحال صفة مؤثرة اكثر.
فموقع "فيسبوك" يعلن انه يمنع ويرفض نشر منشورات تصنف تحت عنوان "خطاب الكراهية" ويؤكّد أنه "لا يُسمح بالمحتوى الذي يهاجم الأشخاص على أساس عرقهم الفعلي أو المتصوّر أو الإثنية أو الأصل القومي أو الديانة أو الجنس أو النوع الاجتماعي أو الهوية الجنسية أو التوجّه الجنسي أو الإعاقة أو المرض".
في المقابل، "يعتبر يوتيوب" أن "الكلام الذي يحضّ على الكراهية هو كل محتوى يروّج للعنف أو يهدف أساساً إلى التحريض على الكراهية ضدّ أفراد أو مجموعات على أساس سمات معينة، على سبيل المثال العرق أو الجذور العرقية أو الدين أو الإعاقة أو الجنس أو العمر أو حالة الخدمة في السلك العسكري أو الميول الجنسية/الهوية الجنسية". ولكنّه يسلّط الضوء على احترام المنصة وترويجها الفاعل لحرية التعبير.
لطالما اعتبرت السلطات السياسية، وبالاخص القمعية منها، ان خطاب الكراهية هو سلاح فعال لتحقيق مكاسب سياسية اضافية في الحياة العامة، كاعتماد خطابات مناهضة ومعادية للاقليات وللمهاجرين وغيرهم.... كما انه يضعف فرصة المجتمعات بالانصهار ويدمرها من الداخل عبر زرع الفتن والروح الانقسامية والتخويف من الآخر على انه العدو المحتمل ويجب اقصاؤه قبل ان يبادر هو للاقصاء.
ان مناهضة خطاب الكراهية ومنع انتشاره نظرا للضرر الذي يحمله للافراد والجماعات او حتى الدول، لا بد ان تتعاون السلطات المحلية مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخاصة كما مع المجتمع المحلي والمؤثرين فيه.
وترى اللجنة ان ذلك قد يكون ممكناً، من خلال:
المصادر: