2023-11-30 04:06
لم يكن قمع المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي ظاهرة مستجدة بل هي نتاج سياسات منحازة ومزدوجة المعايير منذ سنوات طويلة. وقد تصاعدت وتيرة هذا التضييق الرقمي بشكل ملحوظ مع بدء العدوان الأخير على قطاع غزة في ال 7 من أوكتوبر 2023، حيث شهدنا حملات ممنهجة لحذف وتقييد المئات من الصفحات والحسابات الفلسطينية على فيسبوك وتويتر وإنستغرام وغيرها.
كما لاحظ المئات من النشطاء والمواطنين الصحفيين الفلسطينيين اختفاء محتواهم وتعرضه للحجب التعسفي بحجة مخالفة السياسات، على الرغم من كونه محتوى إخبارياً موثقاً للوقائع التي تجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. في انتهاك للمواثيق الدولية لحريّة التعبير ومحاولةً لفرض الصمت على الحقيقة وإخفاء جرائم الاحتلال عن الرأي العام العالمي.
من جهة آخرى ومنذ ال 7 من أوكتوبر، سعى الاتحاد الاوروبي بدوره إلى تقييد المحتوى وقامت المفوضية الأوروبية بإصدار تصريح تهدد به شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" بفرض عقوبات، داعية رئيسها إيلون ماسك لتقديم توضيحات في غضون 24 ساعة بشأن انتشار معلومات خاطئة وصور عنيفة مرتبطة بالنزاع داخل فلسطين. وسارع مفوض الشؤون الرقمية، تييري بريتون، في بعث رسائل إلى كلٍّ من مالك منصة X إيلون ماسك، ومؤسس منصة «ميتا» مارك زاكربيرغ، يحثهما فيها على مكافحة «المعلومات المضلّلة والخطأ» عاجلاً. ليعكس ذلك ازدواجية المعايير التي تعتمدها المفوضية الأوروبية في التعاطي مع الأحداث.
تتخذ عمليات تقييد المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل أشكالاً متنوعة من الحجب والتشويش، من بينها:
- تخفيض عدد مشاهدات الحسابات الفلسطينية بشكل مصطنع.
- حجب خاصية التعليق على المنشورات الفلسطينية.
- اعتبار رموز العلم الفلسطيني "رموزًا سلبية" وحذف المنشورات التي تحتويها.
- السماح ببقاء هاشتاجات ودعوات تحريضية باللغة العبرية، في حين يتم حظر هاشتاجات مثل #طوفان_الأقصى.
قامت منصة “فايسبوك” بالفعل بحذف صفحة شبكة “القدس الإخبارية”، وهي أكبر صفحة إخبارية فلسطينية وتضم 10 ملايين متابع، على الرغم من أن الشبكة مستقلة ومحتواها إخباري كغيرها من الصفحات الإخبارية. وقال يوسف أبو وطفة، مدير تحرير شبكة قدس الإخبارية، لوكالة الأناضول بأن : "عند المراجعة اكتشفنا أنها نصوص ذات طابع خبري لا علاقة لها بتحريض أو مخالفة ضوابط فيسبوك، كما أن الشبكة تعمل منذ 10 سنوات وهي أكبر الشبكات الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي". وأضاف: "تواصلنا مع جهات عدة متخصصة في مجال الحقوق الرقمي، وكان رد فيسبوك أن الحذف متعلق بانتهاك المعايير، رغم التأكيد على أن جميع المخالفات لا تتعارض مع قواعد النشر".
كما أغلقت شركة ميتا حساب " “eye.on.palestine على "إنستغرام" و"فيسبوك" و"ثريدز" لأسباب أمنية على حد تعبيرها. وكان eye.on.palestine ينقل صوراً وفيديوهات ومقابلات من غزة، ويسلط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي على "إنستغرام"، حيث يتابعه أكثر من 6 ملايين حساب، ويعدّ من أكثر الحسابات الإخبارية الفلسطينية متابعة على هذه المنصة.
وفي 13 أكتوبر 2023، أعلنت منصة ميتا أنها حذفت 795 ألف منشور على منصاتها المختلفة في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب. وأعلنت أنها حظرت عددا من الوسوم (الهاشتاج) على منصة انستغرام، كان هاشتاج #طوفان_الأقصى.
ووثق المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية (حُر) أكثر من 1009 انتهاكًا للحقوق الرّقميّة الفلسطينيّة التي تنوعت بين حالات إزالة أو تقييد، وخطابات كراهية، وتحريض على العنف. فيما وثق مركز حملة ما مجموعه 627 انتهاكاً على منصات ميتا، بواقع 344 تحريض على العنف أو خطاب الكراهية و283 تقييد وإزالة.
وقد اتخذت الحرب على المحتوى الفلسطيني عدة أشكال، فإلى جانب التضييق على المحتوى الرقمي حاول الاحتلال منذ بداية الأحداث استهداف المؤسسات الإعلامية وقتل واستهداف واعتقال الصحفيين وقطع الكهرباء والانترنت للحد من انتشار الأخبار من داخل قطاع غزة.
في ظل هذا التصاعد الخطير في محاربة المحتوى الفلسطيني على كافة الاصعدة، تؤكد لجنة دعم الصحفيين على ضرورة حماية الحق في التعبيير والحقوق الرقمية من كافة أشكال الانتهاكات. وتشدد على ضرورة تبني المنصات الرقمية نهجًا شاملا يعزز ويحمي بشكل فعال حقوق الفلسطينين في التعبير عن الرآي ويعالج بسرعة أسباب التمييز ضد المجتمع والثقافة الفلسطينية. ومواجهة ظاهرة التحريض على العنف بهدف خلق مساحة آمنة لجميع المستخدمين.
و تدعو اللجنة الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي إلى وقف هذه الممارسات غير العادلة واحترام المعايير الدولية لحرية التعبير على الإنترنت. كما تدعو إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بشأن سياسات إدارة المحتوى لدى تلك الشركات، لضمان عدم تحيزها أو انحيازها ضد الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
ختاماً، تؤكد لجنة دعم الصحفيين على أهمية احترام حرية الصحافة، والاعتراف بالدور الهام للمحتوى الإخباري الذي ينتجه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية، وتدعو منصات التواصل الاجتماعي إلى السماح ببقاء هذا المحتوى وعدم حذفه أو تقييده، حتى لو تضمن إشارات إلى جهات غير معترف بها أو محتوى عنيف، ذلك من منطلق ضمان حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات والتثبت منها. فالرقابة على المحتوى الإعلامي ينبغي ألا تمارس بمعزل عن السياق، ويجب موازنتها مع حق المواطنين في معرفة ما يحدث على أرض الواقع من خلال مصادرهم الإعلامية. لذا تحث اللجنة الشركات صاحبة منصات التواصل على احترام مبادئ حرية التعبير وتداول المعلومات الدقيقة دون قيود مفرطة أو تحيز ضد طرف معين.