2023-10-31 04:21
منذ بداية تصاعد الأحداث الأمنية في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة في 7 أكتوبر من العام الجاري، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بحرب عسكرية، بل شنَّ في الوقت نفسه حربًا إعلامية هدفت إلى تغييب الصوت الفلسطيني وحجب العالم عن رؤية ما يجري من أحداث مأساوية وجرائم حرب داخل قطاع غزة. وكانت المؤسسات الإعلامية والصحفيين في الصفوف الأمامية للمواجهة.
سعى الاحتلال الإسرائيلي في حربه إلى استخدام كافة الأساليب المخالفة بشكل صارخ للقوانين الدولية، من قتل واعتقال واختفاء وتدمير منازل الصحفيين، وهدم المؤسسات الإعلامية، والحرمان من التغطية، وقتل أسر الصحفيين، وقطع الكهرباء والاتصالات، وغيرها العديد من الانتهاكات.
مع بداية اليوم الأول من الأحداث، بدأت الآلة الحربية الإسرائيلية في حصد أرواح الصحفيين، ويكاد لا يمر يوم دون أن يتعين على الصحفيين نقل أخبار وفاة زملائهم وزميلاتهم في الحقل الإعلامي. وقد بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ 7 أكتوبر 30 صحفيًا من قطاع غزة وصحفيًا لبنانيًا. وما زال الاتصال مفقودًا مع الصحفيين نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، حيث كانا يؤديان واجبهما الصحفي في منطقة حاجز بيت حانون.
كما تم استهداف وتدمير أكثر من 50 منشأة إعلامية وأكثر من 35 منزل لصحفيين وشردت العديد من أسرهم. كما تعرضت عدة طواقم إعلامية للتضييق والتهديد وتدمير المعدات ومنع التغطية. وتم قطع الكهرباء والاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة.
وفي الضفة الغربية، لم تتوقف حملات الاعتقالات بحق الصحفيين منذ ال 7 من أكتوبر، حيث بلغ عدد الصحفيين المعتقلين 15 صحفيًا. وقام الاحتلال بخرق بث العديد من الإذاعات الفلسطينية بهدف بث رسائل من شأنها التأثير سلبًا على الحالة النفسية للشعب الفلسطيني. كما قام بحجب عدة مؤسسات إعلامية.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن مؤخراً في بيان أرسله إلى رويترز ووكالة فرانس برس، أنه لا يستطيع ضمان سلامة الصحفيين في غزة.
على ضوء تلك الأحداث، تصاعدت وتيرة المناشدات والمطالبات للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية بحماية الصحفيين في فلسطين من القتل والاستهداف وتآمين بيئة آمنة لهم للعمل إلا أن الاستجابة اقتصرت على بيانات قلق وإدانة واستنكار دون وجود أي خطوة جدية فعالة في حمايتهم وضمان سلامتهم.
كيف يعمل الصحفيون داخل قطاع غزة؟
اضطر العديد من الصحفيين الفلسطينيين إلى الفرار جنوب مدينة غزة والعمل من هناك خوفًا على حياتهم في ظروف مروعة بينما تقصف الغارات الجوية الإسرائيلية المنطقة.
وأصبحت الخيام الموجودة في فناء المستشفيات بمثابة غرفة التحرير في النهار ومهجع لهم في الليل. على الأقل يمكن للصحفيين شحن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والكاميرات وغيرها من المعدات التي تمكنهم من الاستمرار في أداء عملهم. فيما لجأ البعض منهم إلى تحويل سياراته إلى ملجأ ينامون به ويشحنون هواتفهم. بينما لجئ بعضهم إلى المشي أو ركب عربيات الأحصنة للوصول إلى أماكن عملهم بسبب نقص الوقود.
وقال مراسل قناة TRT العالمية في تركيا، نزار سعداوي بأن: "عندما بدأ الأمر، كنت أنام على سترتي الواقية من الرصاص في موقف السيارات بين السيارات، ولكن قبل يومين تمكنا من الحصول على نصب خيمة من القماش المشمع". فيما مراسل الميادين الصحفي أكرم دلول، اضطر إلى نصب خيمة لعائلته في مكان عمله بعد ان تم تدمير منزله في قصف جوي نفذه الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما يخص الطعام والشراب، فتكيف الصحفييون مع الواقع من خلال التقليل قدر الإمكان من شرب الماء او السوائل وكذلك الاكتفاء بوجبة واحدة تحسبا لصعوبة إيجاد " مرحاض" من جانب وتحسبا من الانشغال بقضاء الحاجة وترك الميدان في ظل استدامة القصف وتوالي الأحداث من جانب آخر. حيث يتواجد حوالي 80 من الصحفيين والصحفيات في محيط مستشفى الشفاء ولا يتوفر بالمستشفى سوى عدد محدود من " المراحيض" هي اصلا مخصصة لعدد محدود من المرضى . وسط ذلك تجد ان لزاما عليك حجز دور قد يمتد الى 5 ساعات واكثر حتى تتمكن من " قضاء الحاجة" بفعل زحمة المكان.
وقالت الصحفية وسام ياسين وهي تعمل في قناة "الحرة" الأمريكية الناطقة باللغة العربية: "أنام في السيارة. وأشرب القليل من الماء حتى لا أضطر للذهاب إلى المرحاض". "للاستحمام ذهبت إلى عائلة لا أعرفها بالقرب من المستشفى، وفي المساء أنام في السيارة".
ومع انقطاع الانترنت في قطاع غزة لأكثر من 34 ساعة متواصلة، لجئ العديد من الصحفيين للصعود إلى أسطح الابنية أثناء القصف وتعريض حياتهم للخطر في محاولة لإيصال الأخبار.
وفي رسالة لها على صفحتها على الانستغرام قالت الصحفية بلستيا العقاد: " فقدت الكلمات في هذه المرحلة.. في أي لحظة قد تمحى غزة ولن يعرف أحد شيئًا عن أحد.. في أي ثانية قد أقتل، وهذا ليس الجزء المخيف، الجزء المخيف هو ربما لن يعرف أحد أو يصل أحد إلى جثتي.. وربما لم يبق مني شيء لأدفنه.. أظل أفكر ماذا يمكن أن يحدث أسوأ؟ لكن يوما بعد يوم أتفاجأ بما يحدث.."
يعيش الصحفيون داخل قطاع غزة ضغطًا نفسيًا حادًا كنتيجة لعملهم تحت القصف والخوف من الاستهداف إلى جانب تواجدهم داخل المستشفيات وبين جثث الضحايا أو بين أنقاض المنازل المدمرة، حيث يسعون بجدية لنقل معاناة الشعب تحت القصف والدمار، ويتحدون صعوبة تدمير منازلهم وفقدان أحبائهم وصعوبة التواصل مع عوائلهم. كما حدث مع مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح الذي فقد زوجته وابنه وابنته في قصف إسرائيلي استهدف منزله. الدحدوح لم يكن الصحفي الوحيد الذي خسر عائلته في هذه الحرب، ففي قطاع غزة قُتل عددٌ من أفراد عائلات كل من دعاء شرف، و سلمى مخيمر، وخليل أبو عاذرة، وسميح النادي، ومحمد بعلوشة، وعصام بهار، وعبد الهادي حبيب، وسلام ميمة، وأحمد شهاب، وأسعد شملخ، وآخرين.
وقال الصحفي حازم حسن بن سعيد الذي فقد 7 أفراد من أسرته في منشور له على الفيسبوك: "من يسأل عنا نحن أحياء لكننا لسنا بخير مازال هناك وجع يعم كل مكان".
وعلى الرغم من صعوبة الظروف التي يواجهونها، يحاول الصحفيون في غزة بكل جد واجتهاد حماية أنفسهم بكافة الوسائل الممكنة لإكمال مهمتهم في نقل الأحداث وتجنب أن يصبحوا هم الحدث.
تتضامن لجنة دعم الصحفيين مع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في فلسطين وتثني على كافة الجهود المبذولة لإيصال صوت الحقيقة من تحت القصف والدمار وفي ظل تلك الظروف الصعبة التي يعيشها الصحفييون. وتشير اللجنة إلى أن تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الجسم الإعلامي هو دليل على تمعنه في إخفاء الصوت الفلسطيني والتعتيم على جرائمه الإنسانية داخل قطاع غزة.
تجدد اللجنة إدانتها واستنكارها لجميع الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، والتي تمثل انتهاكات واضحة للقوانين والمواثيق الدولية التي تنص على حماية الصحفيين وضمان بيئة آمنة لهم لممارسة عملهم. وتطالب اللجنة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته نحو سلامة الصحفيين في قطاع غزة وعدم الصمت تجاه هذه الانتهاكات الجسيمة.
وتؤكد اللجنة بأن السياسة التي يستخدمها الاحتلال في محاربته للمحتوى الفلسطيني غير مقبولة ولا تتناسب مع المعايير والأخلاق الدولية على الصعيد الإنساني والصعيد الإعلامي. كما تؤكد أن تقييد حرية الصحفيين ووسائل الإعلام وفرض ظروف صعبة عليهم لحجب الصورة والحقيقة من داخل القطاع ستدفع الجمهور نحو استخدام وسائل بديلة لمعرفة ما يحدث هناك، مما يعرض الواقع الفلسطيني للتشويش والتلاعب.
وتأسف اللجنة إلى المعايير المزدوجة التي تطبقها وسائل الإعلام الغربية ومنصات التواصل الاجتماعي في محاربة المحتوى الفلسطيني وتؤكد أن حجب المحتوى الفلسطيني و تحكم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بنشر أخبارها بما يتناسب وسياساتها سيكون له تآثير خطير على آمن واستقرار المنطقة.
ختاماً، توصي اللجنة الصحفيين في قطاع غزة بالالتزام قدر الإمكان بالمعايير الدولية للحماية، سواء على الصعيدين الجسدي والنفسي لتجنب الإصابات ومواصلة العمل الصحفي .