"لقطات شاشة: عنف الدولة أمام الكاميرا في "إسرائيل" وفلسطين"

2022-05-30 11:21

التقارير فلسطين

المصدر: عثمان أمكور- مجلة الصحافة

عرف العالم مشهداً جديداً من مشاهدِ إجرام جيش الاحتلال الإسرائيلي في حقِ حاملي الكلمة وناقلي صورة الحقيقة، حينما استيقظنا على خبرٍ مؤلم مفادهُ استشهادُ الصحفية والمراسلة القديرة شيرين أبو عاقلة أثناء تأديتها لعملها في نقلِ حقيقة صورة العدوان الإسرائيلي للعالم.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن ما حدثَ ليس سوى حادثٍ عابرٍ قد يطرأُ لأي أحد في أي مكان، لكن الحقيقة تؤكدُ أننا أمام عدوانٍ ممنهجٍ ضد حاملي الكلمة وناقلي صورة الحقيقة للعالم. ومن هنا تأتي أهميةُ كتاب الأنثروبولوجية الأمريكية ريبيكا إل ستاين: "لقطات شاشة: عنف الدولة أمام الكاميرا في إسرائيل وفلسطين" (Screen Shots: State Violence on Camera in Israel and Palestine) الصادر عن جامعة ستانفورد في عام (2021) بحكمِ تسليطهِ الضوء على تشابك تقنيات التصوير وعلاقتهِ بعنف الدولة الإسرائيلية. وهو الأمر الذي يشهدُ تواتراً زمنياً؛ فالعدوانُ الإسرائيلي على الفلسطينيين يوازيهِ العدوان على حاملي الكاميرا وناقلي الخبر عبر الصورة، فإن كانت الكاميرات سلاح الدولة الحديثة لفرض هيمنتها وبسطِ أنموذج "الأخ الكبير" الذي أنذر به جورج أورويل، فإن إسرائيل تضيفُ لهذا الأمر بعداً آخر يكمنُ في خوفِ الدولة الحديثة (إسرائيل) من أن تُطَوَقَ بالكاميرات، إدراكاً منها أنها لن تكونَ قادرة على إخفاء جرائمها عن العالم. بصيغة أخرى؛ باتت الكاميرا التي يحملها الصحفي معهُ سلاحاً مهماً في مسار المقاومة والدفاع عن حقوق الإنسان وفضحِ الانتهاكات والجرائم.

وإذا كان ماكس فيبر قد تحدث عن ضرورة احتكارِ العنفِ المشروعِ، فإن الدولة الاستبدادية والقمعية مططت هذا المفهومَ ليمتدَ إلى احتكارِ الصورة، إيمانا منها بأنها أًصبحت سلاحا، يكبحُ عنفَ الدولة الذي يجبُ أن يكونَ "مشروعاً"، وفي الحالة الإسرائيلية لطالما أكدت الدراسات أن هذا العنف ليس مشروعاً بل جسد عدواناً على الفلسطينيين، وكذا حاملي الكاميرات وناقلي الخبر سواء بالصوت أو الكلمة، وليست شيرين أبو عاقلة سوى نموذج جمع بين الأمرين  طيلة مسيرتها المهنية التي شُهِدَ لها بالكفاءة والمهنية العالية بل وبالتميزِ والعطاء.

خوفُ إسرائيل من الكاميرا مرده إلى إدراكها بأن المقاطع التي تصورُ باتت تنشر على مواقعَ البث مثلَ اليوتوب لتظهرُ للعالم عنف الاحتلال، حيث أمسينا نجدُ آلاف لمقاطعَ التي تصورُ العنفَ الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين من مختلف الزوايا. لقد أصبحت الكاميرا شاهد عيان يوثقُ عنف الدولة الإسرائيلية.

يؤرخ "لقطات شاشة" سياسات المواطنين والصحفيين الذين رصدوا عبر آلاتهم المختلفة مختلف أنواع العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. هذا الرصد جعل إسرائيل تستهدفُ بشكلٍ ممنهجٍ أصحاب الكاميرات وتقومُ بأعمال عدائية ضد الإعلاميين، وبعضِ المؤسسات الإعلامية التي انحازت لصالح القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية. وحينما نتحدثُ عن التغطية الإعلامية المنحازة للقضية الفلسطينية العادلة، نجدُ تغطية شبكة الجزيرة بمختلفِ قنواتها المرئية والمكتوبة، تصدر عن احترافية عالية، في مسارِ فضحِ العدوانِ المطبقِ على الفلسطينيين المدنيين وذلك في مختلفِ محطات الصراع منذُ تأسيسها (2).

فتغطية الجزيرة لأحداثِ العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس أظهرت أهمية الصورة ومدى تأثيرها على ساحة التجاذبات السياسية، فسياسة العنف التي يمارسها الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين كانت دائما محاصرة بـ"الصورة"، باعتبارها وسيلة تظهر فداحة العدوان على الشعب الفلسطيني، وهو ما حاولت إسرائيل محاربته دائما. فبفعلِ "الصورة"، بات المجتمع الدولي يغير رأيه بخصوص الوضع الحاصل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يفسر استهداف الجيش الإسرائيلي "برج الجلاء" الذي ضمَّ مقر قناة الجزيرة ومنابر إعلامية عديدة في غزة، وما يفسر أيضا ملاحقة إسرائيل للصحفيين وحاملي الكاميرات، واعتقال مراسلة الجزيرة جيفارا البديري التي فضحت جرائم العدوان الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين. أظهرت هذه الممارسات سياسة إسرائيل الممنهجة ضد حاملي الكاميرات وعلى رأسهم الصحفيين والإعلاميين، الذين ساهموا عبر تغطياتهم في تغيير موقف شريحة مهمة من المجتمع الدولي لصالح القضية الفلسطينية.

كما يجبُ أن نلفتَ الانتباهَ إلى أن ما حدث لشيرين أبو عاقلة لم يكن فعلاً معزولاً حيثُ أن زميلها منتج الجزيرة علي السمودي (حاملُ الكاميرا) تعرض لإصابة بالغة بظهره.

وهنا تكمنُ أهمية كتابِ "لقطات الشاشة"، حيث عمل الكتاب على رصد برنامج الرد العسكري الإسرائيلي على نشاط الكاميرا بين الفلسطينيين والنشطاء الدوليين.

رصدَ "لقطات الشاشة" انتصارات الكاميرا ضد العدوان الإسرائيلي العديدة، وأبرزها ما حدث في "أسطول الحرية"، أي حينما قامَ الإسرائيليون بانتقاد الجيش حينما اعتبروا أنفسهم "خسروا الحرب الإعلامية" حسب وجهة نظرهم، وذلك لفشل الجيش الإسرائيلي في منع انتشار مقاطع الفيديو والصور، التي تجسد العنف الإسرائيلي. لسنوات كان يحاول الجيش تحسين استراتيجيته الإعلامية (3)، لكنَ جهودَ إعلاميين من أمثالِ شيرين أبو عاقلة قاموا بهدمِ كل هذه الجهودِ بفعلِ صدقِ الكلمة وجرأة الصورة التي تخترق جدران العدوان.

طوال تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الطويل، تعرض الصحفيون الفلسطينيون لتهديدات القوات الإسرائيلية. لقد رأينا ذلك بوضوح خلال القصف على المركز الإعلامي برج الجلاء في قطاع غزة. هذه التهديدات هي صراع يومي يعيشه جسم الصحافة الفلسطيني، وحاملو الكاميرات الذين يشهدون اعتقالات واعتداءات متكررة من قبل القوات الإسرائيلية. وفي العقد الماضي، تعرض الصحفيون المصورون الإسرائيليون اليهود للتهديد أيضا، لا سيما عند تصوير أعمال عنف الجنود الإسرائيليين أو المستوطنين. لكن العنف الذي يواجهونه يتضاءل بالمقارنة مع العنف الذي يواجهه الصحفيون الفلسطينيون. إذ تتعرض حرية الصحافة في فلسطين للهجوم بشكل منتظم، وهو ما جسدته الهجمات الإسرائيلية بشكل واضح.

لعدوان الاحتلال جذور تاريخية وجبَ قراءتها أنثروبولوجيا، ولفهمِ هذا المعطى فإن لقطات الشاشة قدمَ رصدا يبدأ منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث مارست إسرائيل عنفها على الصحفيين وحاملي الكاميرا في الانتفاضة الفلسطينية، وصولاً لما نشهدهُ اليوم بفعلِ انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي واستمرار الاحتلال الإسرائيلي.

لقطات الشاشة هي أيضًا قصة أنثروبولوجية للمشهد السياسي الإسرائيلي الذي يشهدُ تنامياً للعنفِ ضد الكاميرا؛ منح الجمهور اليهودي جيشهم تفويضًا بقمع الأراضي الفلسطينية والإفلات من العقاب بفعلِ تضخمِ مفهومِ الأمن القومي لديهم.

يركزُ كتابُ "لقطات الشاشة" بشكل أساسي على دورِ الصور والممارسات المرئية، وارتباطها بالحياة الاجتماعية للتصوير، ويخلصُ إلى تواترِ ممارسة العنفِ الممنهج الإسرائيلي ضد الصحفيين الساعين لفضحِ انتهاكاتها في حق الفلسطينيين. على هذا الأساس، نجدُ الكتابَ يقدمُ لنا حقيقة تتكررُ كثيراً بين جنبات الكتاب وهي أن انكسار العدسة التي تنقلُ الحقيقة باتت ضرورة ملحة بالنسبة لجيش الاحتلال بغية حجبِ الصورة ومنعِ بلوغِ الحقيقة وانتشارها وتداولها، واستشهاد شيرين أبو عاقلة هو محاولة لكسر عدسة الحقيقة التي تظهرُ مدى إجرام الجيش الإسرائيلي الذي ينتهكُ كل المواثيق الدولية، ولكن ما يجبُ أن نتذكرهُ أن ما يقدمهُ أمثال شيرين أبو عاقلة من تضحياتٍ كبيرة في باب نقل الحقيقة وصورة الواقع يؤكدُ لنا أن للكلمة وقعا ثقيلا على المستبد والمستعمر وللصورة وقعا أثقل، وخاصة إذا تم نقلها بحرفية ومهنية عالية كما فعلت شيرين.

يرصد كتابُ "لقطات الشاشة" الحياة الاجتماعية المرافقة للتصويرِ الذي يحملُ بين طياتهِ الخبر الصحفي وذلك في سياق الاحتلال العسكري الإسرائيلي، الكتاب يدرسُ وظيفة الصورة كعنصر سياسي يتعرضُ للقمعِ الإسرائيلي.

الكتاب يهتم بالمنهج الذي تفاعلَ عبرهُ الجيش الإسرائيلي مع الصورة في ساحات المعارك التي اتسمت بمواجهات عنيفة في حق المدنيين الرامين لفضح انتهاكات إسرائيل المتكررة في حقهم؛ فالصورة حسبَ الكتاب كانت سلاحَ الفلسطيني المدني الأعزل لفضحِ الانتهاكات الإسرائيلية للعالم؛ الكتاب يظهر كيف أعادت لقطات المدنيين إحياء النقاش حول المستوطنات المزروعة بشكلٍ ظالم في الأراضي الفلسطينية؛ وكيف بات المشتغلون في مجال حقوق الإنسان، سواء في الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، معرضين للتحقيق المتكرر من الجيش الإسرائيلي بفعل امتلاكهم للكاميرات.

كما أن الكتاب يدرسُ توظيف الصورة من طرفِ الجانب الإسرائيلي كذلك من أجل تحويلِ الصورة إلى مناسبة للتفاوض السياسي، ليظهرَ لنا مجدداً من هذا العرض أن ما يقدمهُ أمثال شيرين أبو عاقلة من تضحياتٍ كبيرة في باب نقل الحقيقة وصورة الواقع، يواجهُ بسياسة إسرائيلية ممنهجة تسعى لتشويهِ الحقيقة وقلبِ الوقائع وتغيير مسار التاريخ بأدوات العولمة الممتزجة بآليات القمع، التي تعجزُ عن كبحِ تمدد الحقيقة وإن بعد حين.

وهنا تكمنُ أهمية الكتاب الذي جاء في فصله الأول والمعنون بـ "بورتريه القناص التقنيات الشخصية في المسارح العسكرية " (SNIPER PORTRAITURE Personal Technologies in Military Theaters)؛ حيث تظهر الباحثة بأن الجنود والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين في العقد الأول من القرن العشرين، لم يكن لديهم تخوفٌ من تقنيات الصورة وحضورها في أماكن تدخلاتهم. كانت العملية بطيئة وكان الخطأ متكررًا، حيث عمل كل من الجنود والمسؤولين العسكريين على فهم المخاطر والإمكانات السياسية للكاميرا في المشهد الإعلامي الجديد (ص:35).

غيابُ هذا الإدراك ظهر بشكلٍ كبيرٍ في عدد من التدخلات التي تجاهلت وجود الصورة والكاميرا في نقل الخبر وهو ما حدث في ذروة الانتفاضة الثانية، في ظل قمع حشد المتظاهرين الفلسطينيين الكبير، إذ ووجهت هذه الكاميرات بالأسلحة ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والقنابل اليدوية وأجهزة الراديو المرفقة بالتوجيهات العسكرية.

أحدثت الكاميرات منذ ذلك الحين صدمة كبيرة للأجهزة الإسرائيلية العسكرية القمعية. كان الجيش الإسرائيلي حينها يعربُ عن فشلهِ في تعلمِ التعاملِ مع هذه التقنيات التصويرية التي توثقُ جرائمهُ والتي تنتمي لبيئة إعلامية جديدة. في تلك الحقبة كانت السياسة الرسمية بشأن التقنيات الشخصية للجنود تتأرجح بين قطبي التساهل المتعمد والتشديد المبالغ فيه فيما يتعلق بأمن المعلومات، وهو ما أظهرتهُ حرب لبنان عام 2006.

أعاد الجيش الإسرائيلي في غزة 2008-2009، توظيف تقنيات التصوير كأدوات للاحتلال العسكري. تم تجنيد الكاميرات الشخصية والهواتف المحمولة ودمجها في الترسانة العسكرية بطرق ودرجات جديدة ومتنوعة، لتحويلها أداة من أدوات القمع العسكري حين تكون في أيدي الإسرائيليين، ولكن حينما تكون في أيدي الفلسطينيين تتحولُ إلى أهداف يجب الإجهازُ عليها من طرف الإسرائيليين.

هذا التناقض هو تذكير بأن ازدواجية السياسة العسكرية فيما يتعلق بتكنولوجيا التصوير كانت انتقائية جدا؛ لا يتم تفعيلها إلا عندما تخدم المصالح العسكرية للإسرائيليين. التساهل الذي تمتع به المصورون العسكريون لجيش الاحتلال في ساحة المعركة في لبنان أو الضفة الغربية وهم يوظفون كاميراتهم الشخصية، المستخدمة كأدوات لتوثيق جرائمهم، لم يمتد ليشمل الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة (ص:45).

أما الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "كاميرات تحت حظر التجول: البنى التحتية للإعلام المحتل" (CAMERAS UNDER CURFEW Occupied Media Infrastructures)، القائم على التفاصيل الإثنوغرافية لإنتاج وتداول مقاطع الفيديو المصورة عبر كاميرات الصحفيين والنشطاء، فيقدم تقييما رصينا لما يتم تداولهُ في الضفة الغربية؛ حيث عمل حاملو الكاميرات الفلسطينيون وسط قيود عديدة فرضها الاحتلال.

أنتج عنف المستوطنين أنواعا مختلفة من العوائق أمام مشغلي الكاميرات الفلسطينيين، وهو ما راكمَ تحديات التصوير في ظل العنف المتفاقم في حقهم (ص:69).

أسقطت الكاميرات الخوف، وجعلت الفلسطينيين أكثر جرأة في مواجهة عنف الاحتلال وغالبًا ما تبلورت القيود العسكرية على حركة الفلسطينيين على أنها سرقة للوقت، وهو ما يتجلى في توقف حركة المصورين وأشرطة الفيديو.

انتهاكات المحتل عمقت أثر اللقطات التي تأخذها الكاميرات سواء من الهاوين أو الصحفيين المحترفين من الضفة الغربية نحو القدس وبقية المناطق الفلسطينية. كان لمشغلي الكاميرات الفلسطينيين طرق مبتكرة لتجاوز القيود الإسرائيلية، مثل إخفاء مقاطعهم عند عبور نقاط تفتيش، لكن دائماً ما واجهوا إرهاباً وعنفاً في حقهم فقط لامتلاكهم كاميرات. (ص:70).

فيما جاء الفصلُ الثالث تحت عنوان "سيناريوهات المستوطن: الكاميرات المتآمرة والأخبار الكاذبة"(SETTLER SCRIPTS Conspiracy Cameras and Fake News) لتقديم نظرية المؤامرة التي روجها الإعلام الإسرائيلي والتي دفعت المستوطنين إلى مزيد من العنف ضد الفلسطينيين وكاميراتهم (ص:96).

في هذه الأثناء بات ظهورُ أي صورة توثقُ للعدوان الإسرائيلي بالنسبة للمستوطنين، يحمل بين طياته أسئلة عديدة مبعثها تنامي نظرية المؤامرة. تم التعامل مع صور القتلى والجرحى الفلسطينيين على أنها مجرد سلاحٍ يستعملُ ضد إسرائيل. في السنوات الماضية بنى الجمهور الصهيوني أدواتٍ تسمحُ لهُ بالتنصلِ تدريجياً من المسؤولية أو الرفض. لقد أعاد النظام الإسرائيلي تدريب الجمهور على رؤية المجال البصري بأسلوبٍ جديد مناف للقيم الإنسانية وجعلهم لا يكترثون لما توثقهُ الصورة من جرائم ضد الإنسانية في حق الفلسطينيين (ص:97).

وفي الفصل الرابع  المعنونِ بـ"عيون حقوق الإنسان وتنسيق الاحتلال العسكري"(THE EYES OF HUMAN RIGHTS Curating Military Occupation) أظهر أنه على مدار العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، أدرك جيش الاحتلال أهمية امتلاك الجانب الفلسطيني للكاميرا ومدى خطورة ذلك عليه  في الفترة ما بين 2008-2009؛ أي أثناء الهجمات الإسرائيلية الهمجية ضد قطاع غزة كان أهالي غزة  يفتقرون إلى تكوينٍ على أهمية  وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال بالإنترنت والوصول إلى تقنيات الهاتف المحمول، باعتبارها وسيلة لإنتاج أرشيف رقمي يوثقُ جرائم الاحتلال الإسرائيلي (ص:153).

ولكن بحلول عام 2014، أصبح الفلسطينيون يستعملون بحرفية وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع داخل قطاع غزة؛ وأثر ذلك كان واضحا في عملية نقل الصورة والخبر وأصبح مفهوم "الصحفي المواطن" راسخاً في فلسطين ما كرس فضحَ الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين.

الجيش الإسرائيلي سعى لتغيير سياسته وجعلها أكثر قمعاً ضد انتشار الكاميرات التي توثقُ جرائمهُ وفي أعقاب كل حادث إعلامي، يقومُ الجيش الإسرائيلي بإعادة صياغة سياسته الإعلامية، مرة أخرى لجعلها أكثر حزماً في استعمال العنف ضد الكاميرات (ص:154)، وهو ما يجعلنا مجدداً نقرُ بأن ما حدث لشيرين أبو عاقلة لم يكن صدفة بل يندرجُ ضمن سياسة قمعية ممنهجة ضد كل أدوات نقل الصورة الفاضحة لانتهاكات الجانب الإسرائيلي المتواترة.