اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة يفضح "ازدواجية المعايير" لطمس الرواية الفلسطينية: كيف غطى الإعلام الغربي الواقعة، رغم تأكيد شهود العيان على الاستهداف المباشر واطلاق النار المتعمد من قبل الاحتلال الاسرائيلي؟

2022-05-11 01:16

التقارير فلسطين

اعداد: مكتب الرصد والتوثيق في لجنة دعم الصحفيين

"أكثر من 66 صحفياً وصحافية قضوا جراء استهدافهم من قوات الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 2000 وحتى اليوم.... أكثر من 66 صحافياً وصحافية أصيبوا بنيران قواته أو بهراواتها وغيرها من أدوات وسبل الإعتداء عليهم".... وكانت آخرهم اليوم مراسلة الجزيرة الفضائية  شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت برصاص القناص الإسرائيلي، وفق ما أكد مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري نقلاً عن شهود عيان، ومنهم زميلها علي سمودي وزملاء آخرون كانوا متواجدين في الميدان فجر اليوم الأربعاء 11 أيار-مايو 2022 لتغطية اقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين.

جميع الشهادات والتأكيدات أن الصحافية أبو عاقلة كانت ترتدي سترتها الصحافية والتي حملت إشارة واضحة (PRESS) والخوذة وفق ما أظهرته مقاطع الفيديو والصور التي نشرت للحظات ما قبل الاستهداف، خلاله، ثم عند نقلها الى المستشفى لم تشفع لها .... وصلت إلى مستشفى ابن سينا مصابة برصاصة القوات الاسرائيلية في راسها (أسفل الأذن أي في المنطقة التي لا تغطيها الخوذة) حيث أسلمت الروح متأثرة بجراحها بعد دقائق.

أكد زميلها علي سمودي، الذي أصيب برصاصة في ظهره أيضاً، أن "شيرين قتلت بدم بارد... لم يكن يتواجد بقربنا أي شخص". كما أكدت الصحفية الفلسطينية شذا حنايشة أن اطلاق النار كان بهدف القتل، "ما حصل اغتيال واضح للصحافيين". وهو ما أكده الصحافي مجاهد السعدي أيضاً أن "شيرين كانت ترتدي الخوذة، والقناصة استهدفونا .... شيرين ظلت تنزف فترة طويلة لم نستطع اسعافها".

إلا أن كل  التوثيقات أن الصحافية شيرين أبو عاقلة تعرضت لعملية اغتيال متعمدة، لم تستطع أن تحل من "أزمة إزدواجية المعايير" لتغطية وسائل الإعلام الغربية للأحداث الفلسطينية واستمرار "تجهيل الجاني" أو "التخفيف من روعة الجريمة" المرتكبة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.

جاء عنوان وكالة الانباء الصينية CGTN  للحدث منسجماً مع المعطيات الميدانية بأن مراسلة الجزيرة قد قتلت على يد "الجيش الإسرائيلي" في الضفة الغربية اليوم الأربعاء، عنونت "واشنطن بوست" أن "صحفية أميركية أصيب برصاصة قاتلة من قبل القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية". كذلك فإن وكالة الأبناء الفرنسية (AFP) نقلت أن الصحافية المخضرمة قد سقطت قتيلة بنيران القوات الإسرائيلية خلال تغطية اقتحام مخيم جنين. وإن كان في التقريرين الأخيرين تخفيف من هول الجريمة إلا أنهما ، على الأقل، ذكرا ما أكدته المصادر المحلية المطلعة.

أما الوسائل الإعلامية الغربية الأخرى، فتراوحت اصداراتها بين "تجهيل" لمصدر الرصاصة التي قتلت الصحافية أبو عاقلة، وبين اعتماد رواية أحادية من الجانب الإسرائيلي. فـ "CNN" نشرت "اعلان وزارة الصحة الفلسطينية مقتل الإعلامية شيرين أبو عاقلة برصاصة في الرأس وإصابة الإعلامي علي السمودي" في جنين، ناقلين رواية الجانب الإسرائيلي بأن "قوات الأمن الإسرائيلية كانت تعمل في المنطقة "لاعتقال مشتبه بهم في أنشطة إرهابية"، مضيفًا أن المشتبه بهم والقوات الإسرائيلية تبادلوا إطلاق النار، وأقروا "باحتمال إصابة صحفيين".

هذا وارتأت "نيويورك تايمز" أن تعنون "عاجل: الجزيرة تعلن أن إحدى صحافياتها قد قتلت في الضفة الغربية في جنين خلال اشتباكات بين القوات الإسرائيلية ومسلحين فلسطينيين". أما "رويترز" فاختارت الرواية الإسرائيلية بأن "فلسطينيين قد يكونون هم من أطلقوا النار خلال اشتباكاتهم مع القوات الإسرائيلية"، بعد أن نشروا "أن مراسلة الجزيرة قد قتلت بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة". أما "أسيوشيتد برس" (AP)  فاكتفت بالإشارة إلى أن "شيرين أبو عاقلة، مراسلة شبكة الجزيرة، قد قتلت بطلق ناري في الضفة الغربية المحتلة. إطلاق النار حصل خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين".

وفي وقت لاحق، قالت شبكة الجزيرة الإعلامية أنه "في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية أقدمت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" وبدم بارد على اغتيال مراستلنا شيرين أبو عاقلة". وأضافت الشبكة "نطالب المجتمع الدولي بإدانة ومحاسبة قوات الاحتلال "الإسرائيلي" لتعمدها استهداف وقتل  الزميلة شيرين"، محمّلة السلطات "الإسرائيلية" مسؤولية سلامة منتج الجزيرة علي السمودي الذي استهدف بإطلاق النار عليه في الظهر.

 

وإزاء هذه الازدواجية في التعامل مع إنتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان عموماً، ولحقوق الصحافيين والصحافيات خصوصاً، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين نعوا الصحفية أبو عاقلة صورها ومقتطفات من مسيرتها الإعلامية الطويلة في تغطية الأحداث في فلسطين منذ أكثر من 25 سنة، وسألوا: "لماذا يصمت العالم والمعنيون عن هذه الجريمة بحق الصحافية شيرين أبو عاقلة؟ هل يعلم الأميركيون أن شيرين هي أيضاً مواطنة أميركية اغتيلت "بدم بارد" ولا بد من تحقيقات عاجلة لإنزال العقوبات بحق الجناة؟ ثم ماذا لو كانت "شيرين" صحافية قضت بطلق ناري في أوكرانيا؟ هل كانت التغطية الإعلامية الغربية لتكون بهذه الطريقة اللطيفة والمخففة والساعية "إلى تجهيل الفاعل" و "خلق أجواء ملتبسة أدت للجريمة المروعة"؟ لم الإصرار على تصوير ما حصل على أنه اشتباك بينما جميع الوقائع والتسجيلات المصورة وشهادات المتواجدين أكدت أن شيرين وعلي لم يكونا متواجدين في منطقة تواجد بها أي مسلح وأن ما حصل هو استهداف مباشر ؟"

تأتي حادثة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة واصابة زميلها علي سمودي في وقت ما زالت الرواية الفلسطينية تخضع للطمس والتعتيم الإعلامي ليس فقط عبر وسائل الاعلام الغربية الخاصة، وإنما أيضاً عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمها فيسبوك وانستغرام وغيرها.... مئات حالات الانتهاكات الرقمية رصدتها تقارير لجنة دعم الصحفيين (JSC) اليومية والشهرية كما الفصلية، إضافة إلى ما رصدته تقارير منظمات حقوقية عالمية عدة، ليس آخرها تقرير منظمة العفو الدولية وتقارير "حملة"، حول حجب الرواية الفلسطينية وحظر الحسابات والصفحات التي تقدم روايات مغايرة للرواية الإسرائيلية، بينما سجل الارتفاع الكبير بحالات خطاب الكراهية والتحريض العنصري ضد الفلسطينيين خلال عملية "سيف القدس" في العام الماضي، وضد "القوات الروسية" عبر منصات "ميتا" في أحداث الأزمة الروسية-الأوكرانية الأخيرة....

أما آن الوقت لنزع "ازدواجية المعايير" عن الحقيقة التي توثقها المشاهد بالصوت والصورة وأن تضطلع المنظمات الدولية، وفي مقدمها اليونيسكو والاتحاد الدولي للصحفيين، بمهامها لحماية الحق في حرية ونزاهة العمل الصحفي في تغطية عادلة ومنصفة لمجريات وتطورات القضية الفلسطينية؟