"متلازمة القرن الـ21".. الإجهاد المزمن بوصفه داء العصر

2022-04-21 12:20

التقارير

من الطبيعي جدًا أن نجد أنفسنا نجيب على بعض رسائل البريد الإلكترونية في ساعات المساء أو ننجز إحدى مهمات العمل في أيام العطلة، فقد أزالت الحياة الحديثة وضغوطها الحاجز بين الحياة المهنية والشخصية وبات التداخل بين الناحيتين كبيرًا ومعتادًا، فمع زيادة الهوس العالمي بالإنتاجية انغمسنا في وتيرة الحياة السريعة وأصبحنا نركض في ماراثون إجباري كل يوم للقيام بالمزيد في وقت أقل.

وبما أن مجتمعاتنا الصناعية تنظر إلى العجلة والانشغال على أنها مرادف للنجاح والإنجاز والمكانة الاجتماعية، فليس من المستغرب أن تصبح مشاعر الإجهاد والإرهاق ملازمة لنا. في هذا الإطار وصفت منظمة الصحة العالمية الإجهاد بأنه "وباء الصحة في القرن الحادي والعشرين"، ولفتت في الآونة الأخيرة مزيدًا من الانتباه إلى خطورة هذه المشكلة من خلال إعادة تعريف الإرهاق المرتبط بالضغوط المزمنة في مكان العمل والتي لم تتم إدارتها بنجاح.

متلازمة القرن الحادي والعشرين

هل أنت متعب دائمًا؟ هل لديك مشكلة في الاستيقاظ في الصباح؟ سريع الانفعال؟ كثير النشاط خلال ساعات المساء؟ إذا أجبت بنعم على سؤالين أو أكثر من هذه الأسئلة وكنت تحتسي أكثر من 3 أكواب قهوة يوميًا خلال ساعات الصباح، فربما تكون واحدًا من أولئك الذين أصيبوا بداء العصر، أو كما يُسمى بـ "متلازمة القرن الحادي والعشرين" وهي ظاهرة صحية شائعة جدًا وتؤثر على الملايين رغم صعوبة تشخيصها.

وكي تتضح الصورة في ذهننا أكثر، علينا التعرف أولًا على التعب الكظري الذي يُعرف بكونه "حالة لا يستطيع الجسم والغدد الكظرية فيها مواكبة الكم الهائل من الضغط اليومي الذي يعاني منه الكثير من الأشخاص"، إذ تفرز الغدد الكظرية أكثر من 50 هرمونًا في الجسم لمساعدتنا على التعامل مع حالات الإجهاد الشديد والخطر والخوف، مثل هرمون الكورتيزول الذي تطلقه تنظيمًا لضغط الدم.

أي نوع من الإجهاد الشديد يزيد من إفراز الغدة الكظرية لهرمون الكورتيزول، وبالتالي تصاب الغدة الكظرية بالإنهاك لدرجة قد تصل إلى عدم إنتاجها مستويات الكورتيزول المناسبة ما قد ينذر ببداية انهيار جسدي كامل.

 

صاغ الدكتور جيمس ويلسون مصطلح "التعب الكظري" لأول مرة في عام 1998 في كتابه: "متلازمة القرن الحادي والعشرين"، وحينها وصف الغدة الكظرية بأنها "غدتان صغيرتان تجلسان على كليتيك وتزن حوالي خمسة إلى ثمانية جرامات"، وذكر بأنها ذات تأثير كبير على الجسم بأكمله، ولكنها "ليست مرضًا"، وإنما "متلازمة تنجم عن الإجهاد الذي يصل إلى نقطة لا يستطيع فيها الجسم الاستجابة بطريقة مثلى".

وهي أول الغدد التي تستجيب للضغوط وأول من يعاني أيضًا نتيجة لتلك الضغوط، فأي نوع من الإجهاد الشديد يزيد من إفراز الغدة الكظرية لهرمون الكورتيزول، وبالتالي تصاب الغدة الكظرية بالإنهاك لدرجة قد تصل إلى عدم إنتاجها مستويات الكورتيزول المناسبة ما قد ينذر ببداية انهيار جسدي كامل.

متى نصاب بمتلازمة القرن الحادي والعشرين؟

عندما يكون الجسم مرهقًا أو مذعورًا، تفرز الغدد الكظرية الأدرينالين والكورتيزول، وفي حالة الإجهاد المستمر أو الحاد يمكن أن تتسبب هذه الحالة في تآكل الغدد الكظرية وتصبح أقل كفاءة مما يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على التفاعل بشكل صحيح مع المزيد من الإجهاد أو المرض مما يجعلنا نشعر بعدم القدرة على التعامل مع الضغوط اليومية.

أكثر أعراضها انتشارًا هي التعب الشديد خاصة عند الاستيقاظ، وتقلب المزاج، والمشكلات المعرفية، وصعوبة النوم، وزيادة مستويات الطاقة في المساء

 

وبالتالي يمكن أن يؤدي أي إجهاد مفرط إلى استنفاد الغدة الكظرية - العمل أكثر من اللازم والإجهاد العاطفي ونمط الحياة السريع هي أكثر الأسباب شيوعًا لإرهاق الغدة الكظرية. ومع ذلك يرى الخبراء بأن الركود والفراغ يزيد الأمور سوءًا، حيث يشعر المزيد والمزيد من الناس بالضغط النفسي والتوتر نتيجة للمخاوف المتعلقة بالمال والديون.

ويقول دكتور ويلسون بأن أكثر أعراضها انتشارًا هي التعب الشديد خاصة عند الاستيقاظ، وتقلبات المزاج، والمشكلات المعرفية، وصعوبة النوم، وزيادة مستويات الطاقة في المساء، والرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المالحة والحلوة، والإفراط في استخدام الكافيين والمنشطات الأخرى.

أما الأعراض الأقل شيوعًا فتشمل الأرق وكثرة التبول وفقدان قوة العضلات وضعف الدورة الدموية والكآبة وزيادة الوزن وانخفاض الرغبة الجنسية واستغراق وقت أطول للتعافي من نزلات البرد والأمراض الأخرى، والتعرض للعدوى بشكل متكرر.

 المستشار الإداري نايجل مارش متحدثًا في منصة "تيد" الشهيرة عن التوازن بين الحياة المهنية والشخصية

إلى جانب متلازمة القرن الواحد والعشرين، لاحظ العلماء ظهور أعراض صحية أخرى في أوساط القوى العاملة من جيل الألفية خلال العقود الأخيرة مثل "الاحتراق النفسي" أو "الإنهاك الوظيفي" الذي أصبح واحدًا من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا في أماكن العمل وقد يتسبب أحيانًا بأمراض جسدية مثل ارتفاع ضغط الدم ومشاكل في الجهاز الهضمي، عدا عن تأثيره على الصحة العقلية المرتبطة بالاكتئاب والقلق والأرق.

التكنولوجيا أدت إلى زيادة المنافسة وكثافة العمل في السوق، ما يعني أن الأمر لا يقتصر فقط على ساعات دوام أطول أو وجود بيئة عمل غير عادلة ومليئة بالضغوط

 

في هذا السياق، وجدت إحدى الدراسات أن التكاليف الطبية للموظفين الذين يعانون من إجهاد مرتفع أو متوسط أكثر بنسبة 26% من الموظفين الآخرين، ويبدو أن هذه المشكلة تتزايد مع مرور الوقت بسبب ارتفاع معدل مشاركة المرأة في قوة العمل أكثر من أي وقت مضى، ما زاد من ثقل المسؤوليات المتنوعة بين العمل والمنزل والأطفال والزوج ورعاية المسنين، إضافة إلى الاحتياجات الفردية التي تستلزم غذاءً فكريًا وعاطفيًا وروحيًا وجسديًا.

وذلك فضلًا عن دور التكنولوجيا التي أدت إلى زيادة المنافسة وكثافة العمل في السوق، ما يعني أن الأمر لا يقتصر فقط على ساعات دوام أطول أو وجود بيئة عمل غير عادلة ومليئة بالضغوط والمشاحنات المستمرة، وخالية من أجواء التشجيع والتطور، وإنما يكمن أصل المشكلة في بعض الأحيان إلى اضطرار بعض الموظفين للبقاء في وضع "متصل" طوال الوقت مع زملاء ورؤساء العمل.

عمومًا.. في الوقت الحاضر لا يوجد علاج صيدلاني لإرهاق الغدة الكظرية، ولكن تشمل العلاجات الطبيعية المقترحة تغييرات في نمط الحياة مثل اتباع نظام غذائي منخفض السكر ومنخفض الكافيين، وتجنب الوجبات السريعة، مع اتباع جدول نوم صحي، وتناول المكملات الغذائية التي تشمل فيتامين سي والمغنيسيوم.

المصدر: نور علوان - نون بوست