2022-04-19 12:28
في ظلّ الاضطرابات الكبيرة التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة، ومع ترقّب الانتخابات الفيدراليّة الأستراليّة في شهر مايو/أيّار المقبل، تبرز حاجة ماسة للاعتماد على وسائل الإعلام الموثوقة للإعلان عن اختيارات الناخبين بدقة ودحض الأخبار المضللة.
تُشير الدراسات إلى أنّ نحو ثُلثيّ الأستراليين يشعرون بالقلق إزاء الأخبار الزائفة، ولا سيّما تلك المعلومات المضللة التي تمّ تداولها مؤخرًا حول فايروس كوفيد-19. ويزداد الأمر سوءًا عندما يكون السياسيون هم الجُناة بنشرهم ادعاءات كاذبة في وسائل الإعلام وعبر شبكة الإنترنت.
ولكن، هل هناك أيّ أدوار إضافية يمكن للصحفيين القيام بها لدحض الأخبار الزائفة؟ أم أنّ فحص الادعاءات والتأكد من مصدقيّتها يقع على عاتق مُدققي الحقائق المستقلين؟
مكافحة الأخبار الزائفة
إنّ عمليّة تدقيق الحقائق تُمثّل إحدى الردود العالمية لمكافحة الأخبار الزائفة، والتي تجاوزت تكلفتها مليارات الدولارات، إذ يوجد في الوقت الراهن أكثر من 340 منصة لتقصي الحقائق في كافّة أنحاء العالم.
في أستراليا، تشمل منصّات تدقيق الحقائق المستقلة وكالات الأنباء مثل AAP، AFP، ومنصة RMIT ABC. ومع ذلك، فإنّ تأثير تدقيق الحقائق بشكل مستقل على ثقة الجمهور في الأخبار ما يزال غامضًا.
في مارس/آذار الفائت، نُشرت دراسة في مجلة دولية كبرى، تفحص مدى تأثير تدقيق الحقائق من قبل طرف مستقل على ثقة الجمهور في الأخبار، وتمّ اعتماد حادثة المنتجعات الرياضية كحالة للدراسة.
وبالمرور السريع على تفاصيل الواقعة، فإنّه في عام 2019 وقبل الانتخابات الفيدرالية، تبيّن أنّ الأندية الرياضية في الائتلاف والمقاعد الهامشية استفادت بشكل غير متناسب من برنامج المنح الرياضية المجتمعية المُموّل من دافعي الضرائب.
وعلى إثر تلك الحادثة، أجرى مكتب التدقيق الوطني الأسترالي تحقيقًا في عملية التمويل، وكشفت التحقيقات أنّ وزيرة الرياضة ونائبة الحزب الوطني، بريدجيت ماكنزي، لم تُخصّص الأموال بشكل ملائم. دافع العديد من كبار الوزراء عن تصرفات ماكنزي حينها بما في ذلك بيتر داتون، قبل أن تُجبَر على الاستقالة من منصبها بسبب مزاعم إفساد براميل من لحم الخنزير.
استُخدم هذا المثال في تصميم تجربة للكشف عن مدى تأثير تدقيق الحقائق من قِبل وكالة AAP على ثقة الأستراليين في الأخبار.
ولإتمام الدراسة، اختلق الباحثون قصتين إخباريتين، إحداهما نُشرت على أنّها تابعة لمنصّة ABC، والأخرى لموقع نيوز كورب، واحتوت القصتان على صياغة وعناوين متطابقة، مع اختلاف في الخطوط والشعارات.
تضمّنت كلتا القصتان تصريحًا حقيقيًّا لوزير الشؤون الداخلية في ذلك الوقت، بيتر داتون، حول قرارات ماكنزي، إذ صرّح بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني عام 2020، أنّ بريدجيت ماكنزي قدّمت تقاريرًا أفاد بأنّ البرامج التي مُوّلت قد تمّت التوصية بها من قِبل الهيئة الرياضية. كرّر داتون ذلك التصريح في وسائل إعلام أخرى بما في ذلك برنامج ناينز توداي، وأشار إلى أنّ تصريحه لم يكن زلّة لسان. فيما فحصت وكالة AAP التصريح ووصفته بأنّه "زائف".
بعد أشهر من هدوء عاصفة الفضيحة وسيطرة الأخبار المتعلّقة بالجائحة على اهتمام العامّة، لم يعد هناك مساحة كبيرة لاستدعاء تفاصيل الواقعة. وبناءً على ذلك، دُعيَ 1600 أسترالي بالغ لإجراء استبيان عبر الإنترنت، وبشكل عشوائي قُدّمت لهم إما قصة منصة ABC أو قصة موقع نيوز كورب اللاتي أنشأهما الباحثون، ثم طُلب منهم الإجابة عن أسئلة تتعلّق بصدقيّة القصة وصدقيّة وسيلة الإعلام التي نشرتها عمومًا. ثم اختار الباحثون نصف المشاركين بشكل عشوائي لقراءة تقرير التحقق التابع لمنصة AAP.
تُشير النتائج إلى محور إيجابي وآخر سلبي حول نظرة الأستراليين للأخبار السياسية، فمن جهة، كان مستوى الثقة في القصة الإخبارية (قبل الاطلاع على تقرير التحقق) مرتفعًا، ووصل نسبة 86% لمنصة ABC، و79% لموقع نيوز كورب. ولكن من جهة أخرى، وُجد أنّ التحزّب السياسي له بعض التأثير، إذ تبيّن أنّ مؤيدي حزب العمال هم الأكثر تصديقًا للقصة الإخباريّة بنسبة إجمالية بلغت 87%.
وتماشيًا مع استطلاعات أسترالية أخرى، وجد الباحثون أنّ منصة ABC تتمتّع بمستويات أعلى من الثقة العامة مقارنة بنظيرتها نيوز كورب. بينما وجدت دراسة أخرى، أنّ أنصار الائتلاف الرياضي وقوى اليمين أظهروا ثقة أكبر في القصة التي نشرتها الأخيرة.
وعلى نحو مثير للقلق، تبيّن أنّ الثقة في القصة الأصلية التي نشرتها وكالة AAP قد هبطت بشدة، وبنسبة بلغت 13%، حتى بعد أن تمّ أخذ تفضيلات المشاركين السياسية والإخبارية في الاعتبار. ما يعني أنه كان لتدقيق الحقائق تأثير سلبي واضح على ثقة القرّاء في القصة الإخبارية الأصلية لكل من منصتي ABC ونيوز كورب، كما هو موضح في الرسم البياني أدناه:
وتُشير البيانات إلى أنّ متابعي الأخبار قد لا يفصلوا بين الادّعاءات الكاذبة لأحد السياسيين ضمن قصة إخبارية وبين القصة الإخبارية نفسها. بعبارة أخرى:
- صرّح أحد السياسيّين تصريحًا زائفًا.
- صحّح مدقّق الحقائق ذلك التصريح.
- نتيجةً لذلك، تواجه القصة الإخبارية كاملة أزمة ثقة من قِبل القرّاء.
هذه النتيجة تُعدّ هامّة جدًّا نظرًا لاعتماد الصحفيين الأستراليين على أسلوب الإبلاغ الإخباري "قال/قالت"، حيث يُعرض على القرّاء تصريحان متنافسان، قد يكون أحدهما أو كلاهما زائفين. وفي هذه الحالة، فإنّ السماح لمدققي الحقائق بتدقيق القصص الإخبارية يُعدّ استراتيجية غير حكيمة. ولا شك أنّ مدققي الحقائق يقومون بالعديد من الأمور الإيجابية مثل تحديد المعلومات المغلوطة، إلا أنّ هذه الاستراتيجية أدّت إلى انخفاض مستوى الثقة في الصحافة السياسية.
في الوقت نفسه، هذا لا يعني تجاهل مطالب الجمهور بمعرفة الحقيقة، ولكن يكمن حلّ هذا الإشكال باضطلاع الصحفيين بدور بالغ الأهمية يتمثّل بتوجيه النقد إلى مزاعم السياسيين الكاذبة داخل القصص الإخبارية.
وفي حين أنّ بعض المنصات الإعلامية مثل كريكي تُمارس بالفعل النقد النشط في القصص السياسية، إلا أنّ الباحثين يعتقدون أنّ ذلك قد يُمثّل مشكلة بالنسبة لوكالة مثل ABC، والتي تلتزم بمبدأ الحياد كما هو مُعلن في قانون الوكالة لعام 1983.
ومع ذلك، فإنّ قانون الممارسات المُنقّح للوكالة والصادر عام 2019، ينصّ على أنّ “الحياد لا يعني أنّ كل منظور حول قضية ما يحظى بنفس القدر من الاهتمام"، وهناك العديد من وسائل الإعلام التي تعمل بنفس السياسة، ومن بينها موقع كونفيرسيشن، والذي انحاز لجهة الأدلة العلمية في قضية التغيّر المناخي، ولم يولِ وجهة النظر المقابلة اهتمامًا كبيرًا.
ويرى الباحثون أنّ هنالك بعض الدروس المستفادة من النتائج التي تمّ التوصل إليها، فقد يساعد مدقّقو الحقائق في زيادة موثوقية الأخبار من خلال التأكيد بشكل أكثر وضوحًا على أنّهم يتحقّقون من صحة ادّعاء شخصية سياسية معينة، وليس من التغطية الإعلامية التي نقلت الادّعاء. يوضّح بعض مدقّقي الحقائق بالفعل هذه النقطة عبر مواقعهم الإلكترونية، ولكن نادرًا ما يتم ذلك في كافة المواد.
وتكمن أهمية هذه الاستراتيجية في تجنّب الخلط بين التحقّق من صحة ادعاء سياسي معين وبين صدق القصة الإخبارية والمنصات الإعلامية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية بعد أشهر قليلة، تُعدّ هذه الدراسة بمثابة تذكير في الوقت المناسب بالأدوار الهامّة التي يشغلها الصحفيون السياسيون بصفتهم صانعي منطق وليسوا مُجرّد ناقلي معلومات سياسية.
هذا المقال ترجمة من موقع The Conversation.
المصدر: محمد طلعت القيسي- مسبار