2022-04-18 01:17
يثير العمل الصحفي التلفزيوني الميداني، اهتمام العديد من الصحفيين والمراسلين الراغبين في إتقان فنونه والتمكن من أدواته، حيث أنه يتطلب مهارات تحريرية وإلقائية عالية.
بالنظر للمدة الزمنية التي يستغرقها التقرير التلفزيوني الميداني وما يفرضه من تحديات على المراسل الصحفي، يستدعي ذلك أن يكون الصحفي متسلحًا باللغة وملمًا بأساسيات هذا المجال.
في هذا السياق، أصدر الدكتور محمد البقالي، المراسل بقناة الجزيرة، بخبرة تقارب العقدين من الزمن في العمل التلفزيوني الميداني كان فيها مراسلًا في عشرات الدول وغطى مئات الأحداث من ثورات وحروب وعمليات إرهابية وانتخابات وموجات لجوء ومفاوضات دولية وغيرها، وعلى خبرة أكاديمية راكمها من خلال مسار دراسي في مجال الصحافة وعلم الاجتماع والعلاقات الدولية، دليل "كيف تحكي القصة في التلفزيون" وهو موجه لطلبة الإعلام أو للصحفيين الراغبين في دخول غمار العمل الصحفي الميداني.
في حديثه مع شبكة الصحفيين الدوليين، يقول البقالي إنّ هذا الدليل هو "محاولة لسد فراغ كبير في المكتبة العربية، فهو الكتاب الأول من نوعه في العالم العربي الذي يقدّم دليلًا مفصلًا ومعمقًا لكيفية صناعة التقرير التلفزيوني الميداني وإنجاز الرسائل المباشرة (لايف) من التصور والفكرة إلى الإنجاز والتنفيذ".
بحسب مقدمته، فإنّ هذا الدليل يهدف إلى "تقديم تفصيل لصفات المراسل التلفزيوني الناجح، مواصفات التقرير التلفزيوني أو الريبورتاج الجيد، مع أمثلة عملية تسهل الفهم وتوضح المعنى"، وذلك في أكثر من 100 صفحة و12 فصلًا يتضمن خطوات عملية ومعلومات مقدمة بطريقة وتصميم مبسطين.
وبحسب البقالي، فإنّ الصحفي الجيد هو الذي يجمع بين الموهبة والمهنة، بحيث من مواصفاته امتلاكه:
إن تمكّن الصحفي من تقنيات العمل التلفزيوني الميداني وإتقان عمله كمراسل يتطلب جهدًا وممارسة على مدار سنوات طويلة، بحيث أن في مهنة الصحافة لا يمكن الحديث عن تعلم في بضعة "أيام" أو أسابيع بل الأنسب بضعة "عقود".
وحتى تنضج التجربة، يؤكد مؤلف الكتاب على أربعة مواصفات أساسية يجب أن تتوفر في المراسل التلفزيوني الميداني، ولعلّ أبرزها، الإستعداد القبلي، فيفترض في الصحفي أن يكون قد بدأ رحلة التعلم وشغف القراءة مبكرًا ومتابعة الأحداث لأنّ مرحلة التعليم في الجامعات غير كافية لاكتساب كل المعارف.
إلى جانب الاستعداد القبلي، فإنّ التكوين الأكاديمي شرط ضروري يمنح الصحفي "شرعية" الدخول إلى المهنة ويُمكنه من المعارف الضرورية والأدوات الأساسية للممارسة المهنية. بالإضافة إلى التدريب المهني والتدريب المستمر.
فبحسب البقالي، فإن العمل التلفزيوني الميداني ضرب من ضروب الفنون التي لا سبيل لاكتسابها إلا بضبط قواعدها وتقنياتها ولا يأتي ذلك إلا بالتعلم والتدريب:
التقرير التلفزيوني الجيد
إنّ ما يميز القصة التلفزيونية عن غيرها بحسب الدليل، هو كونها تقوم على الصورة أساسًا، باعتبارها قصة محكية بشكل وبإيقاع جيدين. إذ أنها تعتبر إحدى أدوات قياس نجاح التقرير التلفزيوني، بالإضافة إلى أن تكون القصة مفهومة وواضحة. كما أنّ اختيار موضوع التقرير يعتبر محددًا لنجاحه شرط أن يراعي أخلاقيات المهنة وقيم الإنسانية والتعاطف ولا يسقط فيما يخالف ذلك. ولأجل ذلك حدد الكاتب في هذا الدليل معايير انتقاء مواضيع التقارير التلفزيونية وهي كالتالي:
* مراعاة توفر أحد الشروط الموضوعية التي تجعل من الموضوع قابلًا لأن يتحول إلى قصة تلفزيونية، وقد سلف ذكرها: الجدية، الأهمية، القرب، الطرافة.
* الحرص على عدم السقوط في المواضيع المتكررة المملة، فالصحفي الذكي يبحث عن زوايا التقاط غير معهودة ومن المناسب محاولة التفكير "خارج الصندوق".
* هناك مواضيع تفرض نفسها لكونها تشكل حدث الساعة، لكن زوايا المعالجة يمكن دائمًا أن تقدم صيغًا جديدة. لابد من البحث عن زوايا معالجة متفردة وفيها جانب إبداعي.
* يجب الحذر عند اختيار الموضوع من الإحساس الذي ينتاب المشاهد بأنه سبق له أن رأى العمل نفسه "déjà vu".
* الابتعاد عن العموميات: اختيار الموضوع التقرير التلفزيوني ليس كافيًا للانطلاق لتنفيذه، إذ يجدر تحديد زاوية المعالجة عبر تلخيصها لسؤال واحد واضح يعالجه التقرير.
من الفكرة إلى البث
بعد تحديد الموضوع وتدقيق زاوية المعالجة، لابد من إخضاع الفكرة لمجموعة من التساؤلات؛ هل الزاوية مهمة للجمهور؟ دقيقة؟ واضحة؟ هل يمكن تحويلها إلى صورة تلفزيونية؟
بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة إنجاز البحث التوثيقي وهي مرحلة جمع المعلومات اللازمة المتعلقة بالتقرير، كالأرقام والاحصائيات الدقيقة، والتحقق من دقة المعلومات.
* البحث عن حالات مناسبة للموضوع عند الحاجة.
* تحديد المحتوى البصري.
* تحديد أولويات التصوير.
* تنفيذ بناء نظري للتقرير.
* السلاسة والقدرة على الارتجال.
* الحضور أمام الكاميرا.
* أهمية لغة الجسد.
* التركيز والاختصار.
* الهدوء والاتزان.
وينبه الكاتب في الدليل إلى أنه بسبب الثورة التكنولوجية، أصبحت الحدود بين عمل الصحفي وعمل غيره من الناشطين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هشة، وأحيانًا غير مرئية. لكنه يؤكد أنّ الفرق بين الأمرين لا يحتاج إلى استدلال، وهو نفسه الفرق بين عمل المحترف الخاضع لقواعد مهنية، وضوابط أخلاقية، وقوالب فنية، وبين عمل الهاوي الذي لا يخضع لأي من هذه القواعد مهما بلغ عدد متابعيه.
ويخلص البقالي إلى أنّ أي دليل، مهما كان شاملًا، لا يقوم مقام التدريب والممارسة المهنية؛ فكما أنه لا يمكن تعلم السباحة من دون أن تبتل بالماء، لا يمكن أن تتعلم إنجاز الريبورتاج التلفزيوني بدون أن تنزل إلى الميدان، بل ومن غير أن ترتكب الأخطاء.
الصورة الرئيسية لغلاف الدليل
المصدر: عبدالحق صبري- ijnet