مواقع لإنشاء قصص صحفية مشوقة

2022-04-07 10:51

التقارير

مواقع لإنشاء قصص صحفية مشوقة

إسماعيل عزام-الجزيرة 

إذا كنت صحفيا تعمل في موقع إلكتروني، وترغب في نشر مواد مميزة تبتعد عن الخبر اليومي وتتضمن معلومات كثيرة، خاصة إذا كانت هذه المواد من صنف التحقيقات أو الاستطلاعات الميدانية أو التقارير الموّسعة، فليس المضمون وحده ما عليك التفكير فيه، بل كذلك طريقة عرضه على الموقع، لاسيما وأنك تتعامل مع زائر قد لا يستمتع كثيرا وهو يقرأ مادة مطوّلة تحتوي على النص وحده.

من قوة المواقع الإلكترونية أنها تتيح للصحفي دمج النص والصورة والصوت والفيديو والبيانات وروابط من مواقع التواصل الاجتماعي في مادة واحدة.. إذ يمكن إنشاء مقال مشوّق يحتوي على وسائط متعددة توّفر للزائر تجربة رقمية مميزة. غير أن الإشكال الذي يواجه الصحفي في بنائه لمثل هذه المواد، هي طبيعة المنصة الإلكترونية لموقعه، فكثير من المواقع الإخبارية يتم بناؤها على عجل بحيث لا تتوفر للمحرّر أثناء صياغة المواد خيارات عديدة، أو أن أصحاب هذه المواقع يضعون أمام المحرّرين خاصيات معينة لا يستطيعون تجاوزها خوفا من خرق التوجهات التحريرية للمؤسسة.

ولأن التطور هو سمة الحياة، فالفضاء الإلكتروني يشهد كل سنة ظهور خصائص جديدة تغيّر وجهه كليا، ومن ذلك  تنويع طرق عرض القصص داخل المواقع الإلكترونية. لذلك تعدّدت المنصات التي تعرض خدماتها للمؤسسات الإعلامية حتى تستفيد من أحدث طرق عرض القصص. ومن عشرات المنصات، نختار خمسا في هذا التقرير، تعتمد بشكل أساسي على تقنية "ما تراه هو ما تحصل عليه"، اختصارها بالانجليزية "WYSIWYG"، وتعني تمكين المستخدم ممّا يرغب فيه عبر توفير كل أدوات العرض بشكل لا يحتاج خبرة برمجية مسبقة.

"ميديوم" (Medium)

تعدّ "ميديوم" واحدة من أشهر المنصات المجانية عبر العالم في عرض القصة، يستخدمها الآلاف لنشر تجارب رقمية تقترب ممّا نراه في المدونات والمواقع. أسسها إيفان ويليامز وبيز ستون اللذان أسسا "تويتر" و"بلوغر". وهي سهلة الاستخدام، إذ يمكن امتلاك حساب فيها باستخدام معلومات الولوج إلى "فيسبوك".

أُنشئت المنصة في البداية للمدونين الهواة، لكنها باتت تُستخدم كذلك من طرف عدد من المدونين المحترفين والصحفيين والجرائد المعروفة، إذ تمكّن من إنشاء مواد صحفية تجمع النص بالصوت والصورة والفيديو، ويمكن مطالعة صفحة جريدة "واشنطن بوست" على هذا الموقع لأمثلة أكبر، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن "ميديوم" تصلح كبداية لتعلم أساسيات عرض القصة، فهي لا تتوفر على خصائص قوية تتيح تجربة فريدة كما سنرى في منصات أخرى، كما لا تتيح إدراج القصة بالكامل في مواقع المؤسسات الإعلامية.

"إكسبوجر" (Exposure)

تبقى هذه المنصة هي الأفضل في مجال عرض القصص المصوّرة، فهي لا تتيح فقط إنشاء حساب لكل مستخدم كبقية المنصات، بل أيضا رابط موقع داخلي مجاني لمدة سنة. يجمع موقع "إكسبوجر" الكثير من الخصائص المميزة، منها تحميل غير محدود للصور وتعديلها وفق المطلوب وإضافة روابط من الشبكات الاجتماعية، وعرض القصص بشكل جميل على أيّ قارئ إلكتروني (الحواسيب والهواتف الذكية والألواح الإلكترونية)، زيادة على إدراج أكواد القصص في المواقع التي يشتغل فيها الصحفيون، بل يمكن حتى إزالة لوغو هذه المنصة وإدماج القصص بالكامل في المواقع الأخرى.

المنصة غير مجانية، غير أنها تتيح تجريبا مجانيا، كما تبقى أسعارها جد منخفضة، إذ لا يتجاوز الحساب الاحترافي فيها 100 دولار سنويا، ويتجاوز الحساب العادي 50 دولار سنويا. ومقارنة بخصائص "ميديوم"، تظهر منصة "إكسبوجر" متقدمة بشكل كبير، لذلك تستخدمها منظمات كثيرة كالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. "، ويمكن مشاهدة هذا النموذج لقصة من المنظمة حول عودة الحياة إلى هايتي بعد كارثة طبيعية.

"ستوريفاي" (Storify)

لا توجد منصة متخصصة في عرض قصص روابط المواقع الاجتماعية كـ"ستوريفاي" التابعة لشركة "أدوب" المعروفة بعملاق معالجة الصور "فوتوشوب"، لذلك فمن العادي أن تجد الكثير من مؤسسات الإعلام عبر العالم تستخدمها. قوة هذه المنصة تكمن في تركيزها على شيء واحد: رواية القصة بروابط من فيسبوك وتويتر ويوتيوب. وهذا مثال قوي لهذا الأسلوب الذي تميزت به هذه المنصة لحدث تاريخي في جنوب أفريقيا، عرضته مؤسسة محلية.

غير أن ستوريفاي تمكّن كذلك من نشر الصور والنصوص، إذ يمكن القول إنها منافسة مجانية لمنصة ميديوم، خاصة للسرعة في تحديث القصة، وتستخدمها عدد من وسائل الإعلام عندما يتعلّق الأمر بخبر يتم تحديثه بشكل متسارع كمخلّفات حدث إرهابي، وهذا مثال لقصة من موقع "ماشابل"، قام خلالها بمتابعة جديد الأحداث أولا بأول عند وقوع تفجيرات في العاصمة البلجيكية بروكسل. وقد قامت الشركة مؤخرا بإنشاء النسخة الثانية من المنصة، وهي نسخة غير مجانية توفر خصائص قوية كالاستفادة من تطبيق المنصة الخاصة بالهواتف الذكية ورفع الصور والفيديوهات.

"أتافيست" (ATAVIST)

مع كل أمثلة مواقع عرض القصص، اختارت منصة "أتافيست" التركيز على شكل واحد. القصص الصحفية المطوّلة، فزيادة على تمكينها المستخدمين من أدوات النشر، تنتج المنصة مجلتها الخاصة التي تنشر فيها قصصا طويلة تتجاوز 10 آلاف كلمة. وتجمع هذه المجلة مجموعة من القصص الصحفية المميزة كهذه القصة عن مشجعي دونالد ترامب، إضافة إلى قصص سينمائية وكتب إلكترونية.

وما يهمنا في هذه المنصة هو أنها تتيح النشر المجاني للصحفيين (يمكن الاستفادة من خصائص أقوى تبدأ من ثمانية دولارات في الشهر)، إذ أنها من المنصات القليلة التي قرّرت أن تتوجه بشكل أكبر إلى هذه الفئة، فعبرها يمكن للصحفي اختيار طرق عرض جميلة لقصصه المطوّلة بشكّل يُسّهل قراءتها، زيادة على إضافة روابط خارجية من الشبكات الاجتماعية ومقاطع صور وفيديوهات وبيانات، ويمكن مشاهدة هذا المثال عن قصة بعنوان "رحلة من سوريا" أنتجها مركز "بوليتزر".

"شورتهاند" (Shorthand)

إن كان استخدام الأمثلة السابقة ممكنًا للأفراد، فإن منصة "شورتهاند" تتوجه تحديدا إلى الشركات الإعلامية والعاملة في المجال الرقمي، بأسعار جد مرتفعة تبدأ من 4800 دولار سنويا، بينما يمكن لمن يريد إنشاء قصص منفردة دون التقيّد باشتراك، دفع ألف دولار للقصة. سبب هذه الأسعار المرتفعة يكمن في جودة الخدمات التي توفرها المنصة، لذلك تستفيد منها وسائل إعلام كـ"بي بي سي" و" الغارديان" و"تومسون رويترز" و"تلغراف".

يمكن التسجيل مجانًا مع المنصة وتجريب الطريقة التي تعمل بها، إذ تتيح المنصة كل الخصائص المطلوبة لعرض القصص بشكل مميز، وبعد ذلك إدماج كود القصة داخل الموقع الذي يعمل به الصحفي. الأكيد أن تمتع الصحفي ببعض المهارات الأولية في البرمجة ستتيح له إبداعا أكبر، ويمكن مطالعة هذا النموذج لقصة من التلغراف حول مستقبل إفريقيا بعد مئة سنة، أو هذه القصة لبي بي سي حول ناقلي الكوكايين في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية.

وختامًا، يمكن القول إن منصات عرض القصة التي اخترنا منها في هذا التقرير خمسة، قد تشكّل منقذًا للأجناس الكبرى من الاندثار بسبب تركيز المواقع الإلكترونية على الأخبار والتقارير المختصرة، فدرجة التعمق التي تحتاجها مثل هذه الأجناس، كالأعمال الاستقصائية وما يتطلبه ذلك من طول للكتابة، أثرت سلبا على معدّل قراءتها في عالم إلكتروني لا يعشق الأمور المختزلة، لذلك تَخلق هذه المنصات فرصا جديدة للصحافة الإلكترونية حتى تنوّع تقاريرها وتقدّم لزوارها قصصا أكثر عمقا بتجارب مختلفة.