التحرش الجنسي يهدد عمل الصحافيات: بعضهن يلجأن إلى الصمت كـ"الخيار الأفضل" ولكن..... أخريات يعلن: "لن أبقى صامتة"

2022-01-31 09:30

التقارير

“لن أبقى صامتة” .. فضح التحرش ليس عيباً

رولا فرحات-شريكة ولكن... 

نعلم جميعاً أن الصحافة هي واحدة من المهن الخطيرة، لأنها ترتكز على تغطية الحروب وأماكن النزاعات. وصحيح أن تحدياتها كثيرة بالنسبة إلى النساء والرجال على حدٍ سواء، إلا أن الممارسات العنفية على الصحافيات تحديداً زادت خطورة هذه المهنة عليهن، وحولت مكان العمل إلى بيئةٍ غير سليمة وغير آمنة.

إذ تختبر الصحافيات خلال عملهن أنواعاً مختلفة من العنف قد يكون أبرزها التحرش الجنسي، وتضطر في معظم الوقت إلى اللجوء إلى الصمت باعتباره الخيار الأفضل. من هنا، جاءت فكرة مشروع “لن أبقى صامتة”، الذي أطلقته “شبكة أريج” (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) بالشراكة مع “برنامج فيسبوك للصحافة” و”برنامج النساء في الأخبار” التابع لمنظمة “وان إيفرا”، و”المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة” ومؤسسة “أيركس”، وبرعاية وزارة الخارجية الألمانية.

جاء هذا المشروع في زمن العمل الصحفي عن بعد والتباعد الاجتماعي. زمن كورونا، الذي أثار انتهاكات وأنواعاً جديدة من التحرش بحق الصحافيات، لإسكاتهن وإخراجهن من العمل في الحيز العام. لذلك كان من المهم، بالنسبة إلى المشروع، العمل على خلق بيئة إعلامية آمنة تقاطعية وجامعة من دون أي إقصاءٍ أو تمييز على أساس الجنس أو النوع الاجتماعي أو اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو المعتقد.

يتحدث البرنامج عن كل أشكال العنف، كالتحرش والتنمر والتمييز وخطاب الكراهية، من خلال نشاطات توعية إلكترونية وتدريباتٍ متخصصة متنوعة، وتقديم دعمٍ مباشرٍ في المجالين النفسي والرقمي.

كسر حاجز الصمت .. خطوة أساسية

في مقابلةٍ خاصة مع موقع “شريكة ولكن”، قالت المديرة العامة لشبكة “أريج” روان الضامن: “لاحظنا مع بداية حلول أزمة كورونا واتجاه سكان العالم إلى الفضاء الإلكتروني، ارتفاع نسبة التنمر وخطاب الكراهية ضد النساء والصحافيات من بينهن. وشأنهن شأن الأخريات يعانين من نقصٍ في المعرفة في التعاطي مع أشكال العنف وعدم امتلاكهن للمهارات الكافية للتعامل معها. من هنا انطلق مشروع لن أبقى صامتة. فالحاجة إلى التصدي لأشكال العنف ونشر التوعية كانت دافعاً أساسياً للبدء فيه والاستمرار أيضاً”.

يسعى المشروع إلى تحقيق أعلى معايير المساءلة داخل المجتمع الصحفي في المنطقة العربية، من خلال تعزيز قدرة هذا المجتمع على التعامل مع الشكاوى بطريقةٍ مهنيةٍ ومنهجية، تسمح للناجيات/الضحايا بالحصول على حقوقهن والتعافي.

كما يهدف إلى تزويد الصحافيات بالمهارات والتقنيات والمسار الواضح لآليات التحقيق في قضايا وشكاوى لم يتم النظر فيها أو مراجعتها بطريقةٍ عادلة ما قد يعرض الصحافيات للخطر ويقوض ثقتهن في المؤسسات الإعلامية. ويتطرق أيضاً إلى السبل والآليات الصحيحة لحماية الناجيات لأنفسهن جسدياً ورقمياً، وتمكينهن من التحدث وعدم إسكاتهن.

من جهتها، أكدت مديرة مشروع “لن أبقى صامتة” بيسان جابر في حديث لموقعنا أن “هذا البرنامج يركز على الفرد نفسه في توجه شمولي يتضمن التوعية والتدريب والدعم لكسر حاجز الصمت تجاه كل أشكال إساءة استخدام السلطة من الاحتيال والفساد إلى التحرش الإلكتروني“.

وقالت إن “ما يميزه هو طرحه لقضايا إشكالية تمس النساء والعاملات في مهنة الصحافة والإعلام وتدريبهن على استخراج البيانات في هذا الإطار واستعمال المفاهيم والمصطلحات الصحيحة”.

فالصحافيات والباحثات، بحسب جابر، قادرات من خلال خبرتهن على إيجاد الحالات والقضايا، إلا أنهن بحاجة إلى تمكينٍ أكبر في كيفية التعاطي مع هذه الحالات وأسلوب التعامل المناسب معها، والتفرقة بين أشكال التحرش وسوء استخدام السلطة.

وأضافت: “من هنا وجدنا أن المعلومات تحتاج إلى تطوير، خصوصاً في ظل توفر الأدوات لتطويرها. على سبيل المثال، الصحافيات قادرات على تغطية موضوع صحفي حول ناجية من التحرش، لكن تنقصهن أدوات أخرى، منها أساليب الحماية والفهم الكامل والطريقة الأفضل لمعالجة هذا النوع من المواضيع واستخدام المصطلحات والتعابير المناسبة. وظهر هذا الفارق في فهم هذه المواضيع بين الدول العربية التي لم تكن قادرة على استيعاب مصطلحات جديدة مثل المفاهيم الجندرية. وهذا كان من التحديات المهمة، إلا أن الرغبة الكبيرة للتعلم بددت هذه التحديات”.

غرف الأخبار من الأماكن الأقل أمناً بالنسبة إلى النساء

مشروع “لن أبقى صامتة” ليس الأول من نوعه، فبحسب الضامن “هذا النوع من المشاريع موجود على مستوى العالم، لكنه لا زال غير متوفر إقليمياً، خصوصاً أنه يضم صحافيات من دولٍ عربيةٍ مختلفة، وكان مهماً جداً تشارك القصص في ما بينهن”.

وأشارت إلى أن “التحرش مشكلة عالمية وليست محلية، وربط استخدام السلطة بالتحرش قائم لا سيما في غرف الأخبار التي تعد أماكن مغلقة جداً، تسيطر عليها الهيكلية والبيروقراطية اللتان تمهدان لممارسة الضغوطات. لذلك نعتبرها من الأماكن الأقل أمناً بالنسبة إلى النساء للعمل فيها. والدليل على ذلك، سردهن خلال المشروع لقصصهن وتجاربهن الصعبة مع التحرش”.

وأضافت: “لهذا يمكنني القول إن هذا المشروع كان مساحةً للتفريغ والتعبير بالنسبة إليهن خصوصاً أنهن جزء من مجتمعات تشجع في الأصل على خضوع النساء وسكوتهن وكبت الحديث عن التحرش وعدم السماح برفع الصوت والتبليغ”.

أما عن العمل في الصحافة الاستقصائية، فاعتبرت الضامن أنه “أمر شاق في الأصل خصوصاً للنساء اللواتي يعملن في ظروفٍ صعبة، منها غياب الدعم الميداني الذي يُعتبر جزءاً أساسياً من هذا العمل. كما أن متطلبات هذه المهنة تستوجب متابعة طويلة وجهود كبيرة وتفرغ في الوقت. بينما يلعب الضغط الاجتماعي دوراً أساسياً، إلى جانب الأسباب المذكورة، في دفع النساء إلى التخلي عن الصحافة الاستقصائية خصوصاً، والعمل الصحفي ككل. من هنا قررنا وضع استراتيجية الأمن والسلامة، التي تتألف من 5 عناصر هي السلامة الجسدية والرقمية والنفسية والقانونية والمهنية”.

انتهى مشروع “لن أبقى صامتة” بتخريج المشاركات والمشاركين، إلا أن الدعم النفسي للمشاركات فيه لم ينته. وأظهرت التقييمات أن الناجيات من التحرش الجسدي والإلكتروني يحتجن من 11 إلى 13 جلسة دعم نفسي نتيجة لما تعرضن له. وتهدف هذه الجلسات إلى مساعدتهن لتفادي الإصابة بالتروما. وقد تبين من خلال المشروع، أن القلق والتوتر هما القاسم المشترك بينهن جميعاً، وهو انعكاس لما اختبرنه ومرتبط بالعمل الصحفي”.

الإنترنت .. بيئة خطيرة للصحافيات

أظهر بحث أعدّه “المركز الدولي للصحفيين” لصالح منظمة “الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة” (اليونسكو) تحت عنوان “الاتجاهات العالمية للعنف عبر الإنترنت ضد الصحافيات”، تزايد العنف وحملات الكراهية ضد الصحافيات عبر الإنترنت، بسبب العنصرية والتعصب الديني والتحيّز السياسي وغيره من أشكال التمييز.

وتبيّن من خلاله أن شخصياتٍ سياسية تقف غالباً وراء معظم الهجمات المرفقة بعبارات كراهية ومعلومات مضللة، وتُحرّض ضد الصحافيات مستغلةً منصات التواصل الاجتماعي ومدفوعةً بالشعبوية والتطرف.

وقد استند البحث إلى 8 اتجاهات دولية رئيسية للعنف الذي تتعرّض له الصحافيات عبر الإنترنت، إذ قام الباحثات/ون باستطلاع آراء أكثر من 900 صحافية في 125 دولة وعبر 5 لغات، لدعم النتائج التي توصلن/وا إليها. كما أجرين/وا أكثر من 170 مقابلة مع صحافيات وخبيرات. ووثقت الدراسة كيف تثني الهجمات التي تُشنّ ضدهن عبر الإنترنت عن تنفيذهن لتقاريرهن، وتُعرّضهن للأذى وتُبعدهن عن الصحافة المستقلة.

وبحسب البحث، تزيد تداعيات وتأثيرات العنف حين تنتقل الهجمات من العالم الافتراضي إلى الواقع، فتصبح معدلات التمييز التي تتعرّض لها الصحافيات أعلى. وعن هذا الموضوع، قالت أكثر من نصف الصحافيات العربيات اللواتي شاركن في الاستطلاع إنهن “واجهن هجمات غير متصلة بالإنترنت، لكنهن يعتقدن أنها نشأت عبر الإنترنت”.