2022-01-21 01:31
قبل بضع سنوات، أجريت تجربة مع طلابي في فصل الفلسفة، بعد أن فشلوا بإحراز نتائج جيدة في اختبار منتصف الفصل، وكان لديّ حدس بأن استخدامهم المستمر للهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في الفصل كان من أسباب الفشل. سألتهم عما يعتقدون أنه العامل الذي أدى إلى تلك النتيجة.
بعد لحظات من الصمت، رفعت طالبة يدها وقالت: "لا نفهم ما تقوله الكتب يا سيدي؛ نحن لا نفهم الكلمات". نظرت إلى الآخرين وكانوا يومئون برؤوسهم تعبيرا عن التوافق مع هذا الرأي.
وجدت حلاً: عرضت عليهم تحسين درجاتهم إذا أعطوني هواتفهم لمدة تسعة أيام وكتبوا عن تجاربهم دونها؛ وافق اثنا عشر طالبًا - نحو ثلث الفصل - على العرض، وما كتبوه كان رائعًا ومتسقًا. هؤلاء هم طلاب الجامعات الذين أتيحت لهم الفرصة للتعبير عما شعروا به، ولم يخضعوا لتأثير صناعة التكنولوجيا وأجهزتها.
إن الرواية التي تروجها صناعة التكنولوجيا والمسؤولون عن التعليم حول الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية بشكل عام هو أنها تبني المجتمع وتعزز التواصل وتزيد الكفاءة، وبالتالي تحسن حياتنا، وضمن هذا الإطار جاءت إعادة صياغة مارك زوكربيرغ الأخيرة لبيان مهمة فيس بوك: تهدف الشركة إلى "منح الناس القدرة على بناء المجتمع والتقريب بين العالم".
دون هواتفهم، شعر معظم طلابي في البداية بالضياع والارتباك والإحباط وحتى الخوف، ويبدو أن هذا يدعم ما تروج له صناعة التكنولوجيا التي تقول: انظر إلى مدى انفصالك ووحدتك بعيدا عن تقنياتنا، ولكن بعد أسبوعين فقط؛ بدأت الغالبية تعتقد أن الهواتف المحمولة كانت في الواقع تحد من علاقاتهم مع الآخرين، وتهدد حياتهم، وتعزلهم بطريقة ما عن العالم "الحقيقي"، وإليك بعض ما قالوه.
"صدق أو لا تصدق، كان عليّ أن أتجه نحو شخص غريب وأسأل عن الوقت، ولقد تطلب مني الأمر بصراحة الكثير من الشجاعة والثقة لسؤال شخص ما"، وتصف إميلي (واسمها مثل الآخرين هنا اسم مستعار) الموقف الذي كانت تواجهه عندما كانت تفعل ذلك: "لماذا تسألني عن الوقت؟ كل شخص لديه هاتف خلوي. أنت شخص غريب". ذهبت إميلي إلى أبعد من ذلك؛ فمجرد المشي بجانب الغرباء "في الردهة أو عندما مررت بهم في الشارع" تسبب في قيام معظمهم بإخراج هاتف "مباشرة قبل أن أتمكن من التواصل معهم بالعين".
بالنسبة لهؤلاء الشباب، كان الاتصال البشري المباشر دون وسيط محرجا في أحسن الأحوال، وغريبًا في أسوأ المواقف. يقول جيمس: "من أسوأ الأشياء وأكثرها شيوعًا التي يفعلها الناس في الوقت الحاضر هو سحب هواتفهم الخلوية واستخدامها أثناء إجراء محادثة وجهًا لوجه، فهذا التصرف وقح للغاية وغير مقبول، لكن مرة أخرى، أجد نفسي مذنبًا بفعل ذلك أحيانًا لأنه هو القاعدة"، ولاحظت إميلي أن "الكثير من الناس استخدموا هواتفهم المحمولة عندما شعروا أنهم في موقف محرج، على سبيل المثال كانوا في حفلة بينما ولم يتحدث إليهم أحد".
دون هواتفهم، شعر معظم طلابي في البداية بالضياع، ولكن بعد أسبوعين فقط بدأت معظمهم يعتقد أن هواتفهم المحمولة كانت في الواقع تحد من علاقاتهم مع أشخاص آخرين.
كان ثمن تجنب اللحظات المحرجة هو خسارة العلاقات الإنسانية المباشرة، وهي نتيجة حددها جميع الطلاب تقريبًا وأعربوا عن أسفهم لذلك. يقول جيمس إنه دون هاتفه، وجد نفسه مجبرًا على النظر في أعين الآخرين والحديث معهم، بينما حدد ستيوارت فائدة أخرى قائلا: "من الواضح أن إجباري على ربط علاقات حقيقية مع الناس جعلني شخصًا أفضل لأنني في كل مرة تعلمت كيفية التعامل مع الموقف بشكل أفضل، بعيدا عن الهاتف الجوال"، وقال عشرة من الطلاب الاثني عشر إن هواتفهم تضر بقدرتهم على إقامة مثل هذه العلاقات.
اعترف جميع الطلاب تقريبًا بأن سهولة التواصل كانت إحدى الفوائد الحقيقية لهواتفهم، ومع ذلك، قال ثمانية من أصل اثني عشر إنهم مرتاحون حقًا لعدم الاضطرار إلى الرد على الرسائل المتواصلة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي. يقول بيتر: "يجب أن أعترف، لقد كنت مرتاحا دون هاتف طوال الأسبوع. لم أكن مضطرًا لسماع رنينه أو اهتزازه، ولم أشعر بالإحراج لعدم الرد على المكالمات الهاتفية، لأنه لم يكن هناك مكالمات أساسا".
في الواقع، أشارت اللغة التي استخدموها إلى أنهم عانوا طويلا من إزعاج الجوال، وكتب ويليام: "شعرت بالحرية دون هاتف وكان من الجيد معرفة أنه لا يمكن لأحد أن يزعجني عندما لا أريد الإزعاج". وقالت إميلي إنها وجدت نفسها "تنام سهولة أكبر بعد أول ليلتين عندما حاولت النوم مباشرة بعد إغلاق الأضواء". ذهب العديد من الطلاب إلى أبعد من ذلك وأكدوا أن التواصل مع الآخرين كان في الواقع أسهل وأكثر فائدة دون هواتفهم، ويقول ستيوارت: "في الواقع، لقد أنجزت الأمور بشكل أسرع بكثير دون الهاتف المحمول، لأنه بدلاً من انتظار رد من شخص ما (لا تعرف حتى ما إذا كان قد قرأ رسالتك أم لا) اتصلت به من خط هاتف أرضي، فإما حصلت على إجابة أو لم أفعل، وانتقلت إلى الشيء التالي".
بينما يؤكد المصنعون أن أجهزتهم تجعلنا أكثر إنتاجية، رأى طلابي أن الهواتف لها تأثير معاكس، فقد أكد إليوت أن "الكتابة على الورقة مع عدم امتلاك هاتف عزز إنتاجيته بمقدار الضعف على الأقل"، مضيفا: "أنت تركز على مهمة واحدة ولا تهتم بأي شيء آخر، كما أن التحضير للاختبارات كانت أسهل بكثير لأنني لم أكن مشتتًا بالهاتف على الإطلاق". كما أوضح ستيوارت أنه يستطيع "الجلوس والتركيز بالفعل على الكتابة"، مضيفا: "لأنني تمكنت من التركيز 100٪، لم يكن المنتج النهائي أفضل مما يجب أن يكون فحسب، بل تمكنت أيضًا من إكماله بشكل أسرع بكثير". حتى جانيت، التي افتقدت هاتفها أكثر من غيرها، اعترفت قائلة: "أحد الأشياء الإيجابية التي خرجت بها من عدم امتلاك هاتف خلوي هو أنني وجدت نفسي أكثر إنتاجية وكنت أكثر استعدادًا للانتباه في الفصل".
أكد بعض الطلاب أن المشكل في الهاتف الجوال ليس تشتت التركيز فقط، بل شعروا أيضا بتأنيب الضمير. تقول كيت: "لقد أثر امتلاك هاتف خلوي بالفعل على قيمي الأخلاقية وهذا يخيفني؛ يؤسفني أن أعترف بأنني أرسلت رسالة نصية في الفصل هذا العام، وهو شيء أقسمت لنفسي في المدرسة الثانوية أنني لن أفعله أبدًا.. أشعر بخيبة أمل الآن لأنني أرى مدى تعلّقي بالتكنولوجيا، وبدأت أتساءل عما إذا كان قد أثر على هويتي، ثم أتذكر أنه قد أثر بالفعل". ويرى جيمس أنه يجب الاستمرار في تطوير التكنولوجيا، لكنه يقول: "ما ينساه الكثير من الناس هو أنه من الضروري بالنسبة لنا ألا نفقد قِيَمنا الأساسية في طريقنا لذلك".
كان الطلاب الآخرون قلقين من أن إدمان الهواتف المحمولة يحرمهم من العلاقة بالعالم. يقول جيمس: "يبدو الأمر كما لو أن الأرض توقفت عن الدوران، ولقد جعلني هذا أنظر حولي بالفعل وأهتم بالأحداث الجارية، لقد أوضحت لي هذه التجربة أشياء كثيرة لكن هناك شيء واحد مؤكد: سأقلص الوقت الذي أكون فيه على هاتفي الخلوي بشكل كبير".
يقول ستيوارت إنه بدأ يرى كيف "تعمل الأشياء حقًا" بمجرد أن تخلى عن هاتفه الجوال، مضيفًا: "أحد الأشياء المهمة التي اكتسبتها أثناء هذه التجربة هو مدى اندماجي في العالم من حولي... لاحظت أن غالبية الناس لم يعودوا يتواصلون فيما بينهم بشكل جيد... هناك كل هذه الوسائل للمحادثة والتفاعل والتعلم من بعضنا البعض، ولكننا مشتتون جدًا بالشاشات، بدلا من المشاركة في الأحداث الحقيقية من حولنا".
كان بعض الآباء سعداء بتخلي أبنائهم عن الهواتف، وقال جيمس إن والدته "رأت أنه من الرائع ألا يكون لدي هاتفي لأنني أوليتها المزيد من الاهتمام أثناء حديثها معي". اقترح أحد الآباء الانضمام إلى التجربة.
لكن بالنسبة لبعض الطلاب؛ كانت الهواتف بمثابة شريان حياة لأوليائهم. كتبت كارين فينغرمان من جامعة تكساس في أوستن في مقال لها سنة 2017 في مجلة "إنوفيشن إن إيجنغ"، أنه من منتصف إلى أواخر القرن العشرين قال "نصف الآباء (الأمريكيين) فقط إنهم يتواصلون بابن بالغ مرة واحدة على الأقل في الأسبوع"، وعلى النقيض من ذلك، وجدت الدراسات الحديثة أن "جميع" الآباء تقريبًا كانوا على اتصال أسبوعي بأبنائهم، وكان أكثر من نصفهم على اتصال يومي عبر الهاتف أو عبر الرسائل النصية أو بشكل مباشر.
كتبت إميلي أنها دون هاتفها الخلوي "شعرتُ وكأنني أتوق إلى بعض التفاعل من أحد أفراد الأسرة، ليشجعني في مواصلة الاستعداد للامتحانات القادمة، أو ببساطة لأدرك أن شخصًا ما يدعمني"، واعترفت جانيت: "كان أصعب شيء هو عدم القدرة على التحدث إلى أمي أو القدرة على التواصل مع أي شخص عند الحاجة أو في لحظة ما؛ كان ذلك مرهقًا جدًّا لأمي".
كانت السلامة أيضًا موضوعًا متكررًا في ملاحظات الطلاب. تقول جانيت: "امتلاك هاتف خلوي يجعلني أشعر بالأمان بطريقة ما؛ لذا فإن الاستغناء عنه غيَّر حياتي قليلاً، فقد كنت خائفة من حدوث شيء خطير أثناء فترة الأسبوع دون هاتف خلوي"، وتساءلت عما كان سيحدث "إذا هاجمني شخص ما أو اختطفني أو أي شيء من هذا القبيل، أو ربما حتى لو شاهدت جريمة، أو كنت بحاجة إلى استدعاء سيارة إسعاف"
ما تكشفه هذه الملاحظة، هو أن جانيت وبقية الطلاب اعتبروا العالم مكانًا خطيرًا للغاية، واعتُبِرَت الهواتف المحمولة ضرورية لمكافحة هذا الخطر، ورغم أن المدينة التي عاش فيها هؤلاء الطلاب لديها واحد من أدنى معدلات الجريمة في العالم ولا توجد تقريبًا جرائم عنيفة من أي نوع، ومع ذلك فقد عانوا من مخاوف قوية وغير محددة.
قد لا تكون تجربة طلابي مع الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعي شاملةً أو تمثيلية إحصائيًا، لكن من الواضح أن هذه الأدوات جعلتهم يشعرون بأنهم أقلّ حيوية وأقل ارتباطًا بالآخرين وبالعالم من حولهم وأقل إنتاجية أيضًا. كما أنها جعلت العديد من المهام أكثر صعوبة وشجعت الطلاب على التصرف على غير سجيتهم. بعبارة أخرى: لم تساعدهم الهواتف، بل أضرت بهم.
لقد أَجْرَيْتُ هذه العملية لأول مرة في سنة 2014، وكررتها السنة الماضية في المؤسسة الأكبر والأكثر حضرية، حيث أدرّس الآن، ولم تكن المناسبة هذه المرة اختبارًا فاشلاً، وإنما يأسي من تجربة الفصل الدراسي برمتها. أريد أن أكون واضحًا حيال هذا الشأن، هذا الأمر ليس شخصيًّا لأنه لدي ولع حقيقي بطلابي كأشخاص، لكنهم في الحقيقة طلاب سيئون أو بالأحرى هم ليسوا طلابًا على الإطلاق، على الأقل ليس في صفي. في أي يوم، أجد أن 70 بالمئة منهم يجلسون أمامي للتسوق أو إرسال الرسائل النصية أو إكمال المهام أو مشاهدة مقاطع الفيديو أو يشغلون أنفسهم بأي شيء آخر، وحتى الطلاب "الجيدون" منهم يفعلون ذلك، ولا يحاولون حتى إخفاء هذا الأمر، مثلما فعل من قبلهم.
في عالمهم، أنا مصدر الإلهاء وليس هواتفهم أو ملفات تعريف مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم أو شبكاتهم. ومع ذلك، بالنسبة لما يفترض أن أفعله - وهو تثقيف وتنمية عقول الشباب - فإن العواقب مظلمة جدًا.
ما الذي تغيّر؟ لقد كان معظم ما كتبوه صدًى للأوراق التي تلقيتها في سنة 2014، إذ كانت الهواتف تعرّض علاقاتهم للخطر وتعزلهم عن العالم الحقيقي، وتشتت انتباههم عن الأمور الأكثر أهمية، مع وجود اختلافين ملحوظين: أولاً، بالنسبة لهؤلاء الطلاب حتى أبسط الأنشطة مثل ركوب الحافلة أو القطار وطلب العشاء والاستيقاظ في الصباح وحتى معرفة مكانهم تتطلب منهم استخدام هواتفهم المحمولة، ومع انتشار الهاتف في كل مكان في حياتهم، بدا أن خوفهم من التواجد من دونه ينمو بسرعة، فكانوا متوترين وضائعين من دون هواتفهم.
قد يساعد هذا في تفسير الاختلاف الثاني: فمقارنة بالمجموعة الأولى، أظهرت المجموعة الثانية أن التعلق بهذه الهواتف حتمي. وقد وصفت ملاحظات تينا الختامية ذلك جيدًا، بقولها: "من دون الهواتف المحمولة ستكون الحياة بسيطة وحقيقية ولكن قد لا نتمكن من التعامل مع العالم ومجتمعنا. بعد بضعة أيام، شعرت أنني بخير دون الهاتف لأنني اعتدت على ذلك. لكن أعتقد أنه من الجيد أن يكون متاحًا لفترة قصيرة من الوقت فقط. لا يمكن للمرء أن يأمل في المنافسة بكفاءة في الحياة دون مصدر اتصال مناسب وهو هواتفنا". مقارنة بهذا الاعتراف، كان رد فعل بيتر أن ألقى بهاتفه الذكي في النهر بعد بضعة أشهر من التدريب في سنة 2014.
أعتقد أن طلابي يتصرفون بعقلانية تمامًا عندما يستخدمون هواتفهم في الفصل؛ إنهم يفهمون العالم الذي يستعدون لدخوله بشكل أفضل مني. في هذا العالم، أنا مصدر الإلهاء، وليس هواتفهم أو حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو شبكاتهم. مع ذلك، بالنسبة لما يُفترض أن أفعله - وهو تثقيف وتنمية قلوب وعقول الشباب - فإن المهمة ليست سهلة والنتائج ليست كما نريد.
كانت باولا تبلغ من العمر 28 سنة تقريبًا، وهي أكبر قليلاً من معظم الطلاب في الفصل، وقد عادت إلى الدراسة برغبة حقيقية في التعلم بعد العمل لما يقرب من عقد، ولن أنسى أبدًا الصباح الذي قدمت فيه عرضًا لفصل أكثر تفاعلًا من المعتاد، وبعد أن انتهى كل شيء، نظرت إليَّ بيأس وقالت: "كيف تفعل ذلك في هذا العالم؟".
المصدر: إم آي تي