2022-01-20 10:38
لم تزل جائحة كوفيد-19 تهز العالم بأسره منذ عامين، ولا شك أن سياق الأزمة الصحية وانعدام اليقين بشأنها ولّدا طلبا هائلا على المعلومات. في المقابل ليس صحيحا ولا موثوقا تماما كل ما يجري تداوله على شبكات التواصل والوسائط الصحفية، ذلك أن الضجة الكبيرة بشأن الوضع العالمي والحاجة المجتمعية لمعرفة المزيد شكّلا أرضية خصبة لما قد نسميه "جائحة معلوماتية" وتفشي الأخبار الزائفة.
تكتسي هذه المسألة أهمية بالغة وخطورة دفعت منظمة الصحة العالمية إلى إطلاق التحذيرات بشأنها، "إن الجائحة المعلوماتية هي وفرة مفرطة في المعلومات تتضمن محاولات مقصودة لنشر أخبار زائفة بهدف تقويض الاستجابة العامة للمعطيات الصحية خدمةً لمصالح أشخاص أو مجموعات معينة، بإمكان تلك الأخبار الزائفة والكاذبة أن تضر بالصحة الجسدية والعقلية للأشخاص، وأن تفاقم من الشعور بوصمة العار، وأن تهدد المكاسب التي تحققت في مجال الصحة، وأن تحفز على خرق الإجراءات المتخذة للحفاظ على الصحة العامة، الأمر الذي قد يقلل من فاعليتها ويحد من قدرة البلدان على كبح جماح الوباء، باختصار، الأخبار الزائفة تحصد الأرواح"، هكذا أوضحت المنظمة الدولية في بيان لها بعنوان: "إدارة الجائحة المعلوماتية حول كوفيد-19.. تعزيز السلوكيات الصحية والتقليل من المخاطر الناجمة عن الإعلام الزائف والكاذب".
في الأرجنتين طرأت تغيرات جوهرية خلال الأعوام الماضية على طبيعة عمل الصحفيين: تقلصت أعداد العاملين في القطاع نتيجة الأزمة الاقتصادية، وازداد عدد ساعات العمل وتضاعفت المهام وتنوعت، واعتُمد نظام العمل من المنزل في معظم وسائل الإعلام الرقمية، وهو ما أثر في العلاقات بين أعضاء فرق العمل، الذين انخفض التواصل بينهم بشكل كبير وصار محدودا للغاية. بالتوازي مع ذلك ظهرت بشكل أكبر الحاجة الملحة -والموجودة منذ عقود- إلى متخصصين محترفين داخل غرف الأخبار في المجالات العلمية وفي المواضيع المرتبطة بالصحة على وجه الخصوص.
الشبكة الأرجنتينية للصحافة العلمية هي جمعية غير ربحية تضم صحفيين متخصصين في العلوم والتكنولوجيا من أنحاء البلاد كافة، كما أنها عضو في الاتحاد العالمي للصحفيين العلميين، تجمع أكثر من مئة عضو من كل أنحاء الأرجنتين وكانت هي من دعم إطلاق مبادرة "تطعيم ضد التضليل". توضح الشبكة أن الإعلام المسؤول في أوقات الجائحة "عنصر جوهري"، وتقول: "كي لا نقف عاجزين أمام الأخبار الزائفة والأفكار المتحيزة ذات المصالح فإن أمام الجمهور خيارا واحدا، وهو الاستماع إلى الصحفيين العلميين، بمعنى تلقي الأخبار من متخصصين ينقلون بدقة آخر التطورات فيما يخص اللقاحات والإجراءات الجديدة والسياسات الصحية"، كما تهيب الجمعية دائما بوسائل الإعلام المختلفة إلى التعاقد مع موظفين متخصصين ومدرَّبين في مجالات العلوم والصحة والبيئة.
في كتاب "الصحافة في زمن الجائحة" الذي نشره منتدى الصحافة الأرجنتيني، نُشرت نتائج خمس دراسات أجريت بين عامي 2019 و2020 حول التضليل الإعلامي والسلوكيات المرتبطة بتلقي الأخبار. في هذا الإطار سُجل أن 72% من الأرجنتينيين الذين شملتهم الدراسات يرون أنهم على دراية جيدة وكافية بالأخبار المتعلقة بالوباء، وأن 83% منهم يستمعون إلى الأخبار بشكل يومي، أما النتيجة اللافتة فكانت أن 66% منهم يفضلون تلقي الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن 75% منهم لا يعُدّون تلك الوسائل موثوقة بالشكل الكافي.
واحدة من الظواهر المرتبطة بالجائحة مؤخرا كانت أن صحفيين متخصصين وعلميين تضاعفت أعداد متابعيهم وازداد تأثير منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، من بين أهم هؤلاء الصحفيين الكاتبة والإعلامية "نورا بار"، التي عملت لسنوات محررة متخصصة في العلوم والصحة بالصحيفة الوطنية "لا ناسيون"، وهي تنشر مقالاتها الآن على موقع "إلديستابه"، يتابعها أكثر من 142 ألف شخص على تويتر.
الصحفية العلمية "فاليريا رومان" من أهم الأصوات المفوضة بإعداد لمحة مختصرة وعامة عن الوضع في البلاد، وهي مؤسِّسة منتدى الصحافة الأرجنتيني ورئيسته الأولى، ونائبة سابقة لرئيس الاتحاد العالمي للصحفيين العلميين، وقد حازت على جائزة "كونيكس" المرموقة في مجال الكشف العلمي، وتعمل حاليا في موقع إنفو باي.
مقابلة مع "فاليريا رومان":
لقد تغير واقع الصحفيين وغرف الأخبار بشكل كبير، بما في ذلك مسؤوليات وسائل الإعلام والعاملين فيها. يشير المختصون إلى أن الأزمة خلقت فرصا كبيرة لإدماج متخصصين في مجالات علمية جديدة، وأنها جلبت الفرصة كي يكون الحيز الذي تشغله الأخبار العلمية أكبر مما كان في السابق.