2022-01-05 12:12
هذا المقال ترجمة لمقال نُشر على موقع Time.
ملاحظة: كتبت المقال طالبة الدكتوراة في معهد MIT جينيفر ألين وبروفيسور إدارة العلوم في المعهد ديفيد راند. وهما من مؤلفي الدراسة التي يستعرضها المقال.
في عام 1907 وفي سوق مدينة ما، أقيمت مسابقة لتخمين وزن ثور، شرط الفوز بها هو تخمين أقرب رقم للوزن الحقيقي، وبينما كانت إجابات الأفراد شديدة التباين وبعيدة عن الحقيقة، تفاجأ الإحصائي فرانسيس غالتون بأن متوسط مجموع إجابات الحضور، كان قريبًا جدًا من الوزن الحقيقي، بل وأقرب من أقرب إجابة فردية.
هذه الظاهرة التي يمكن فيها تجميع الأحكام الفردية الصاخبة معًا للحصول على نتائج دقيقة بشكل ملحوظ، صاغ الصحفي جيمس سوروفيكي اسمها بـ"حكمة الجماهير".
وقد تكون هذه الظاهرة هي الحل لقضية مكافحة المعلومات المضللة على "فيسبوك"، فمن الواضح أن التحقق من صحة الادعاءات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح مستحيلًا على صعيد العمل البشري وحده، إذ إن عدد الادعاءات كبير جدًا وأكبر مما يمكن لمدققي الحقائق فحصه، خاصةً وأن تقنية الذكاء الاصطناعي ليست على المستوى المطلوب للقيام بهذه المهمة حتى الآن.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يوظف شركاء "فيسبوك" في تقصي الحقائق ما مجموعه 26 موظفًا -وفقًا لتقرير صدر عام 2020- إذ يحاولون مراقبة محتوى أكثر من ملياري شخص وثمانية مليارات عنوان موقع إلكتروني (URL) كل عام.
هؤلاء الخبراء الذين تم تدريبهم على البحث الدقيق عن المحتوى وتحديد صحته، قادرون على التحقق من صحة جزء ضئيل فقط من محتوى عناوين المواقع الإلكترونية المنشورة كل يوم.
وعلى الرغم من أن موقع فيسبوك يستخدم أنظمة آلية للإبلاغ عن المحتوى المشابه للمحتوى الخاطئ الذي يحدده مدققو الحقائق، إلا أنه حتى تقديرات الأنظمة الأكثر دقة ما تزال تترك قدرًا هائلًا من المحتوى المضلل دون تحديد.
من ناحية أخرى، لا شك بأن عملية تقصي الحقائق مجدية وذات أهمية كبيرة، فقد أظهرت الأبحاث باستمرار أن تصحيحات مدققي الحقائق تقلل من الاعتقاد بالمعلومات الخاطئة وتحُد من احتمالية مشاركتها، إذ إن المحتوى الذي يتم تحديده من قبلهم كمحتوىً مضلل، يُحجب عن نسبة كبيرة من مستخدمي الموقع، مما يقلل من عدد الأشخاص الذين يتعرضون له، ولكن في منصة ضخمة مثل فيسبوك فإن توظيف مدققي الحقائق يشبه فتح صنبور مياه لإطفاء مبنى محترق.
ولكن، ماذا لو كان حل هذه المشكلة هو حكم المستخدمين العاديين؟ تراهن شركات التكنولوجيا على أن مبدأ حكمة الجماهير يمكن أن يساعد في حل هذه القضية.
وقد أطلق كل من فيسبوك وتويتر حديثًا منتجات لتقصي الحقائق عبر التكليف الجماعي، على أمل الاستفادة من حكمة الجماهير التي اكتشفها غالتون.
والحقيقة أن هذا المبدأ تم تطبيقه بنجاح في مجالات متنوعة مثل الشطرنج والتشخيصات الطبية.
ولكن السؤال هنا، ما إذا كان التركيز على تقصي الحقائق هو ما يشكّل المرحلة المقبلة، وفي الحقيقة، الناس يشككون بذلك.
إن نسبة التربية الإعلامية التي تُعرَّف على أنها القدرة على التحقق من المعلومات وفهمها من مجموعة المصادر الرقمية المتزايدة باستمرار، منخفضة بين مستخدمي الإنترنت، إضافةً إلى أن موضوعات مثل السياسة والعلوم لا تخلو من الاستقطاب، والمستخدمون العاديون يقعون في غرام الأكاذيب في كل وقت، لهذا تُعتبر المعلومات الخاطئة هي المشكلة في المقام الأول.
ومع ذلك، يشير بحث جديد إلى أن جمهور المستخدمين يمكنهم العمل معًا لتمييز الحقيقة من الزيف، ففي ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في موقع Science Advances، وجدنا أنه عند الحكم على صحة العناوين الرئيسية، فإن تصنيفات مجموعة صغيرة من المستخدمين العاديين ذوي الميول المعتدل سياسيًّا تتوافق بشكل كبير مع تصنيفات مدققي الحقائق المحترفين.
كان أداء الجمهور أكثر بروزًا، لأنه على عكس مدققي الحقائق الذين طُلب منهم البحث بعناية في كل ادعاء، لم يُعرض للجمهور سوى العنوان الرئيسي والجمل المفتاحية في كل مقال، ثم طُلب منهم تقييمها دون إجراء بحث خارجي. وعلى الرغم من أن العملية بالنسبة للمستخدمين أكثر سهولة، وجدنا أن إجاباتهم تتوافق بشكل وثيق مع مدققي الحقائق وبتكلفة أقل بكثير وسرعة أعلى.
وإليك كيفية إجراء الدراسة: بدأنا بمجموعة من المقالات التي حددتها خوارزميات "فيسبوك" للتثبت من صحتها، ثم طلبنا من ثلاثة مدققي حقائق محترفين أن يبحثوا ويقيموا دقة المقالات على مقياس من واحد إلى سبعة. في الوقت نفسه، طلبنا من مجموعة من الأشخاص العاديين على موقع Amazon Mechanical Turk تقييم دقة العنوان الرئيسي وتحديد صحة تلك المقالات دون إجراء أي بحث إضافي.
اتفق مدققو الحقائق مع بعضهم البعض أكثر بكثير مما اتفقوا عليه مع أي حكم فردي للأشخاص العاديين، ولكن بمجرد حساب متوسط استجابات الجمهور معًا، لم يعد هذا هو الحال، فقد تبيّن أنه بعد جمع حوالي 10 إلى 15 إجابة من الجمهور، توافق المتوسط مع متوسط إجابة مدققي الحقائق، تمامًا كما توافق مدققو الحقائق مع بعضهم البعض أي أن التدقيق الجماعي كان فعالًا أيضًا.
وقد استغرق جمهور المستخدمين في المتوسط 30 ثانية لتقييم كل عنوان مقابل حوالي 10 دولارات في الساعة، ومع وجود 10 تقييمات لكل عنصر، فإن هذا يعني أن العملية كلّفت أقل من دولار واحد لكل عنوان.
لا شك أن فحص بعض القصص كان أسهل من غيره، فمثلًا في عام 2017 كانت القصة الكاذبة التي حظيت بأكبر قدر من المشاركة على "فيسبوك" عبارة عن خدعة بعنوان: "تم نقل جليسة الأطفال إلى المستشفى بعد إدخال طفل في مهبلها"!
لا يتطلب الأمر خبيرًا لمعرفة أن هذا العنوان منافٍ للعقل، ولكن هل يمكن لجمهور المستخدمين أن يقيّم ادعاءات السياسيين المتضادة بنفس الحكمة؟ أم سينحازون إلى طرف على حساب الآخر؟
وجد بحثنا سببًا للتفاؤل، فعلى الرغم من حدة الاستقطاب الموجود في هذا العالم، تطلّب الأمر ردودًا أقل من الجمهور لمطابقة أداء مدققي الحقائق في الادعاءات السياسية، مقارنة بالادعاءات المتعلقة بموضوعات أخرى.
تظهر استطلاعات الرأي أن الجمهوريين يميلون لاتهام مدققي الحقائق بالتحيز الليبرالي، لذلك قد تتوقع أن يتوصل جمهورنا المتوازن سياسيًا والذي يضم جمهوريين، إلى إجابات تتعارض مع مدققي الحقائق المحترفين في كثير من الأحيان، أكثر من مجموعة مكونة من الديمقراطيين فقط. ولكن، بينما وجدنا أن الديمقراطيين الأفراد يميلون إلى الاتفاق أكثر مع مدققي الحقائق، إلا أنه وبمجرد وصول جمهور المستخدمين إلى النقطة الحرجة عند حوالي 15 إجابة، كانت الجماهير المتوازنة سياسيًا مرتبطة بمدققي الحقائق تمامًا مثل الجمهور المكون من الديمقراطيين فقط.
كما وجدنا نمطًا مشابهًا لخصائص أخرى، ففي حين أن الأفراد الأكثر دراية بالسياسة والذين حصلوا على درجات أعلى في اختبار الاستدلال المعرفي يتفقون أكثر مع مدققي الحقائق، إلا أنه لم يتفوق أي حشد مكون من الأفراد ذوي الأداء العالي على الجمهور العادي المتوازن سياسيًا، أي يمكن لجمهور عريض ومتوازن أن يعوض عن أداء فردي أسوأ.
إذن فإن التكليف الجماعي يُنبئ بخير ولكن يجب أن تتم العملية بعناية، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على تصميم التجربة. ففي دراستنا، لم يُعرض على جمهور المستخدمين اختيارهم للقصص لتقييمها، إذ إن إتاحة هذا الخيار ستفتح الباب أمام الأشخاص الذين يسعون بشكل استباقي للوصول إلى معلومات لا يتفقون معها لتحديدها كأخبار زائفة.
وقد حللنا مؤخرًا البرنامج التجريبي لفحص الحقائق الذي يعتمد على مبدأ التكليف الجماعي على "تويتر" وهو منصة مراقبة الطيور، ووجدنا أن المستخدمين المنتمين إلى طرف سياسي كانوا يبلّغون عن المحتوى المرتبط بالطرف الآخر على أنه محتوى مضلل.
وفي حين أن هذه الديناميكيات يمكن أن تكون دليلًا على الانحياز، من الممكن أيضًا أن تكون حافزًا لمراقبة المعلومات الصادرة من كل طرف وبالتالي تفعيل المشاركة في المنصة.
ومع كل ما وصلنا له من نتائج، ما يزال هناك العديد من الأسئلة التي يجب استكشافها قبل أن نعلن أن عملية تقصي الحقائق بالتكليف الجماعي تحقق نجاحًا غير مشروط.
كما أننا لا نقترح أن تستبدل المنصات مدققي الحقائق المحترفين بأشخاص عاديين ولكننا نتخيل نظامًا يجمع بين جمهور من المستخدمين العاديين ومدققي الحقائق المحترفين وتقنيات التعلم الآلي لتوسيع نطاق تقصي الحقائق بطريقة فاعلة.
علاوة على ذلك، نعتقد أن تقصي الحقائق مجرد أداة واحدة من بين العديد من الحلول اللازمة للحد من انتشار المعلومات المضللة. إذ تلعب الأدوات الأخرى مثل التنبيهات الدقيقة وتقليل الوصول إلى المحتوى المضلل وحملات محو الأمية الرقمية، دورًا في مكافحة المشكلة بصورة أكبر.
غالبًا ما يتم إلقاء اللوم على العدد الهائل من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مجموعات نظرية المؤامرة ضد اللقاحات التي تضم الآلاف من المستخدمين، والقصة المزيفة التي يشاركها الملايين، ولكن إذا فكرنا في الأمر من ناحية أخرى، ندرك أننا ربما نكون وصلنا إلى إحدى الطرق لمواجهة جنون هذه الحشود على الإنترنت.
المصادر: