2021-12-28 09:00
عثمان أمكور-معهد الجزيرة للإعلام
يتناول كتاب "عمالقة التقنية والذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة"، الصادر عن الروتلدج سنة 2019 للكاتب جايسون ويتاكر، أمورا مثيرة للاهتمام ترتبط بعمالقة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصحافة. بدأ الكتاب بأسعار الأسهم وتأثيرها على بقية الأسواق؛ في محاولة منه لبناء علاقة بين عالم المال والصحافة عبر جسرِ التقنية، وهو ما تجسده شركات مثل غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت وغيرها.
يقدم الكتاب رؤية نقدية للطرح السائد حول العلاقة الجامعة بين عمالقة التكنولوجيا بالصحافة وتوظيفها للهيمنة على التقنية وبناء تقنية للهيمنة، ومدى تأثير هذه الهيمنة على استهلاكنا للصحافة. فهذه الشركات العملاقة تهيمن اليوم على قطاعات عديدة من أهمها الإعلام، الذي قد تتمكن من رسم مستقبل جديد له إن استطاعات الإجهاز على النموذج التقليدي للصحافة.
يشير الكتاب إلى مفكرين مثل فرانكلين فوير وسكوت جالواي، ويذكر طرحيهما حول الاحتكار الحالي للتواصل من قبل الشركات الخمس الكبرى، والذي ينتج بحسب الكتاب من عاملين أساسين؛ الأول يتمثل في سعي هذه الشركات لرفع مكاسبها المالية، والثاني يتجلى في توظيف سياساتها التحريرية من أجل هندسة أفق إنسان الحاضر والمستقبل.
ولهذا السعي عواقب عديدة تتمثل إحداها في فقدان الثقة بشكل كبير في وسائل الإعلام السائدة، الأمر الذي أظهر مدى عدم استقرار المجال العام، وتجلى أثره على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذا انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
التحول نحو الصحافة الجديدة التي بدأت تظهر في الزمن الرقمي هو تحول "من الصحافة كمحاضرة إلى الصحافة كمحادثة" بلغة الكتاب؛ فسلاسة التواصل التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر مع الملايين من المتابعين له فاعلية كبيرة في خدمة الروبوتات المنتجة للأخبار المزيفة على أوسع نطاق ممكن.
يحلل الفصل الأول بيئة وسائل الإعلام وتفاعلاتها مع تطورات الذكاء الاصطناعي وتوغل أو تغول الأتمتة (البرمجة). وسعى صاحب الكتاب إلى إبراز مجموعة من الأمثلة التي تفاعلت فيها التقنية بالصحافة، منها ما أقدمت عليه شركة آبل؛ فبعد فشل بعض محاولاتها في تطبيقات الصحف والمجلات، قامت بإحلال الأخبار محل الصحف والمجلات في نظامها، حيث تقدم الملخصات والمقتطفات الإخبارية على غرار تطبيقات مثل "فليب بورد"، المخصص لتقديم الأخبار في الهواتف النقالة.
في هذه الحقبة، واجهت شركات مثل آبل تحديات في دخولها لمجال الصحافة، وعجزت عن إحداث الثورة المرتقبة فيه. بالنسبة للشركة، فإن تصنيع جهاز مثل آيباد يدر عليها أرباحا وعوائد مادية أكثر من منصتها الإخبارية Newsstand التي انتهت إلى الزوال. ما يظهر بأن بيئة الوسائط المزدهرة تختلف اختلافا كبيرا عن النظام البيئي الرقمي من حيث الطرق التي تحاول بها شركات التكنولوجيا الكبرى دخول عالم الإعلام والصحافة.
ووفقا للكتاب، فإنه لا تستطيع أي من شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى دعم قطاع الإعلام والصحافة بالكامل، ويرى أن تاريخ هذه الشركات، على مدى العقد الماضي، كان أكثر ارتباطا بتعطيل تمويل وسائل الإعلام باستعمالها للإعلانات بدلا من إنشاء الأخبار (ص:33).
يسعى الفصل الثاني لاكتشاف التحول الكبير الذي حدث داخل النظام البيئي الإعلامي الذي تعمل الصحافة داخله؛ حيث انتقلت العوائد المالية فيه من المنتج إلى الموزع. فلطالما كانت كيفية الحصول على الأخبار موضوعا جافا إلى حد ما، وكان أصحاب وسائل الإعلام يعتمدون - دائما - على أنظمة توزيع معقدة تتسم بالتكلفة العالية. هنا بالذات تكمن أهمية الخطوة التي أقدم عليها كل من غوغل وفيسبوك، اللذان يدركان امتلاكهما لما أسماه الكتاب بـ "الاحتكار الرقمي" الذي يتيحُهُ نشر الأخبار عبر الإنترنت من خلال نموذج تمويل الصحافة عبر الإعلانات.
لقد أتاح هذا التحول لشركات التكنولوجيا الكبرى احتلال هذا الدور الذي دأبت على لعبه شركات الإعلام التقليدية، مما أدى إلى تغييرات سريعة في اقتصاديات الصحافة وعلاقتها بمسؤولية الشركات الناشئة في مجال الإعلام الرقمي (ص:43).
تمكنت هاتان الشركتان عبر استخدام ارتفاع مستوى الأتمتة (البرمجة)، من خفض تكاليف الإعلان، وبالتالي "احتكار الإنفاق الرقمي" إلى مستوى لم يشهدهُ قطاع الإعلام والصحافة من قبل. ويرجع ذلك - جزئيا - إلى أن الشركات القديمة كانت وما تزال تحاول توسيع الاستثمارات التي قامت بها في الطباعة والبث رغم تحول عديد من القراء إلى المنصات الرقمية.
خدمة مثل نيوز فيد التابعة لفيسبوك، كانت تقوم بمتوسط تغذية للمستخدم تصلُ لـ 1500 قصة محتملة يوميا في عام 2013، أما الآن فيتم عرض ما نسبته 20% من المحتوى من خلال خوارزمية فيسبوك. وهنا تشكلت إعلانات التشغيل التلقائي، في زيادة ربحية لصالح فيسبوك، فيما تم تعديل الخوارزمية لتشمل المزيد من القصص الإخبارية التي تحمل محتوى تجاريا (ص:58).
يقومُ صندوق ابتكار الأخبار الرقمية التابع لغوغل باحتكار الوسائط، لاسيما أن غالبية الإنتاج الإخباري والترفيه الإعلامي في الولايات المتحدة كان مهيمناً عليه من قبلِ خمس شركات تقليدية وهي تايم ورنر وشركة ديزني ونيوز كوربوريشن وفياكوم وشركة بيرتلسمان؛ قبل أن تلعب شركات التقنية دورا أكبر في مجال الإعلام والصحافة.
وخلال خمس عشرة سنة ماضية، تغير المشهد الصحفي بفعل التقنية بشكل شبه جذري ومثير للدهشة (ص:63). لكن اللافت للانتباه كذلك أنه رغم الأدوار الكبيرة التي تلعبها شركات التقنية في صناعة المحتوى الإخباري، إلا أنها تسعى بشكل متكرر لتجنب تصنيفها كشركات إعلامية.
ولكن إلى أي حد اجتاحت التقنية عالم الصحافة؟ هذا ما يجيب عنه الكتاب في الفصلين التاليين، كما يتطرق فيهما إلى بعض العواقب الناجمة عن هذا التمدد. يتمحور، أولا، في الحفاظ على مواقع نشر المعلومات، ثم في شكل الصحافة الآلية القائمة على الخوارزميات التي تنتجها التطبيقات والبرامج والتي يصفها الكتاب بـ "الحراس الآليون للبوابات".
يستهل الفصل الثالث بالحديث عن " الصحافة البديلة" (Alt-Journalism) التي ترجعُ جذورها، حسب الكتاب، إلى ما قبل عصر التقنية، إلا أنها وظفت لتوسع دورها بالشكل الذي نعرفهُ اليوم (ص:74). إن ما يُطلق عليه الكتاب بـ " الصحافة البديلة" أرخى بظلاله على الإعلام من خلال النظر في كيفية تأثير سلاسة التوزيع التي أحدثها الإنترنت على الصحافة التي ينتجها الناس. لا سيما فيما يتعلق بتقليل الحواجز التي تحول دون التوزيع، وهو ما اعتبر الركيزة الأساسية وراء نهضة "صحافة المواطن"، المرتبطة بدعائم "الصحافة البديلة" رغم ما تحمله من أخبار كاذبة، نظرا للكم الهائل من المعلومات التي يتم نقلها عبر خوادم هذه الشبكات التواصلية.
ليست شركة غوغل وحدها من تهيمنُ على عالم الأخبار بفضل خوارزميات التقنية، فنجد جانبها فيسبوك؛ أحد أهم المحتكرين بسعيهِا إلى زيادة عدد المستخدمين الذين يتغذون من الأخبار عبر صفحاته. وفي هذا الصدد، يقول ديفيد كيركباتريك في ملاحظة مهمة إن فيسبوك يسعى إلى إعادة تعريف الأخبار من خلال جعل المستخدمين ينتجونها ويستهلكونها مع أصدقائهم (ص:89).
تكمن أهمية شركة فيسبوك في احتكارها لسبلِ بلوغ الأخبار للمستخدم، ويتوافق هذا الطرح مع استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) في عام 2016 (السنة التي انتخب فيها ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية)، حيث أن 62% من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية تلقوا الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي (ص:89). ما يجعلنا نخلصُ إلى أن فيسبوك ليس فقط منصة تواصل اجتماعي غايتها تقريب الهوة بين الناس، ولكنها كذلك منصة تهندسُ وتشكلُ وعي مستخدميها من خلال الأخبار التي يُرادُ لها أن تنتشر داخل منصاتها.
سعت دراسة "فقاعة التصفية" (Filter bubble study) التي أجريت العام 2015 إلى دراسة آثار حجب أو ترويج أنواع معينة من الأخبار من خلال تعديل الخوارزميات التي تقدم قصصًا معينة في موجز الأخبار. وقد لاحظ القائمون على هذه الدراسة أن مدى ظهور المحتوى في الموقع له تأثير كبير على مدى انتشاره؛ وهو ما يجعل الطريقة التي تعمل بها الخوارزمية تؤثرُ في اختيار محرر الصحيفة لمواد نشرهِ (ص: 91).
يقودنا هذا الاستنتاج إلى ما يسميه الكتاب بـ"صحافة ما بعد الحقيقة " التي ظهرت بجلاء خلال الحقبة التي نُصّبَ فيها دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الامريكية؛ وبحسب الكتاب فقد حمل ترمب لواء “الأخبار الكاذبة"، ولم يكن يخفي معاداته للإعلام، ويكفي أن نقرأ هذا التصريح: " إن وسائل الإعلام المزيفة مثل نيويورك تايمز، وإن بي سي نيوز، وأي بي سي، وسي بي سي، وسي أن أن ليست عدوي، إنها عدو الشعب الأمريكي!" (ص:92).
كما رأينا فإن شركات التكنولوجيا الكبيرة تعتمدُ على خوارزميات لإدارة تدفق البيانات، وهو ما أظهرته الأحداث الأخيرة مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 وكذا الاستفتاء البريطاني المرتبط بمغادرة بريطانيا (المعروف بالبريكسيت). ولقد أثر ذلك ـ بالضرورة ـ على الأخبار وطريقة صياغتها وتحريرها وانتشارها، وجعلها تعملُ تحت سلطة الخوارزميات التي تحدد طبيعتها ومدى تأثيرها؛ أي أنها أصبحت "حارس بوابة" جديد.
يُركزُ الفصل الرابع على الدور الذي تلعبه الأتمتة (البرمجة) في إنتاج الأخبار؛ وهو ما فرضتهُ تجربة إنتاج المحتوى عبر الخوارزميات، أو ما أسماه الكتاب بـ "الصحافة الآلية" التي دفعت منصات إخبارية عديدة منها صحيفة لوس أنجلوس تايمز، التي وظفت الخوارزميات من أجل إعداد تقارير جرائم القتل في الصحيفة لإنشاء مواد تصلحُ كقصص إخبارية لها.
إن ما يساهمُ بشيوع هذا النمط الصحفي هو التكلفة الباهظة التي تفرضها غرفة الأخبار، الأمر الذي يسرعُ أتمتة جميع مراحل عملية إنتاج الأخبار. لذلك، فاكتساب الخوارزميات لقوة متزايدة في صناعة الأخبار، هو الذي يدفع البرمجيات للبدء في إنشاء وتطوير "الصحافة الآلية" والتي يمكنُ تعريفها على أنها "خوارزمية تحول البيانات إلى نصوص سردية ذات طابع إخباري بتدخل بشري محدود"(ص:102).
استعرض الكتابُ في هذا السياق استطلاعا حول "الصحافة الآلية" يندرجُ ضمن دليل أندرياس جريف للصحافة الآلية (Andreas Graefe’s Guide to Automated Journalism) لمركز تاو للصحافة الرقمية في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا. يرى هذا الدليل أن الخوارزميات توفر استخداما مميزا في جمع الأخبار من مصادر منظمة تتيحُ إنتاج أخبارٍ بسرعة أكبر وبأخطاء أقل من الصحفيين (البشر)، مع الإشارة أيضا إلى أنها تغذي مخاوف هؤلاء الصحفيين بشأن مستقبلهم (ص:104).
ولكن القلقُ الأساسي يكمنُ في انهيار النموذج "التقليدي" لتمويل الإنتاج الإعلامي المتمثل في "الإعلانات" رغم أساليب بناء السرديات. وهنا يلفت الكتاب الانتباه إلى انتقال هذا النوع من الصحافة إلى الجماهير المتخصصة، في حين كان الاتجاه السائد منذ القرن التاسع عشر يرنو للانخراط مع جماهير العامة. إن التحول من المطبوع إلى العالم الرقمي يجعل التقارير التي لا تحصُدُ عددا مهما من الزيارات عرضة للاندثار، ما يقودنا بالضرورة إلى " ثورة محتوى الوجبات السريعة" في عالم الصحافة، وهو محتوى يتسمُ بالضحالة عموما (ص: 105).
هذه الخوارزميات أنتجت في عام 2013 وحده ما يقربُ من 300 مليون محتوى قابل للنشر؛ أي أكثر من جميع المؤسسات الصحفية القديمة مجتمعة. ونود أن نشير في هذا السياق إلى أن اعتبار الذكاء الاصطناعي قام بـ "كتابة مليارات المقالات" قد يكون صحيحا. هذه الكمية الهائلة من المحتوى التي يتم إنتاجها بطريقة آلية، تجعلُ "الصحافة الآلية" لا تنتمي للمستقبل بقدر ما تنتمي للحاضر كذلك (ص:117).
ستعمل الصحافة الآلية بشكل أفضل مع المعلومات شديدة التنظيم في المجال العام، ويرى الكتاب أنه يجب عدم الاستهانة بتأثير هذا النوع من الصحافة في عملية إنشاء سرديات وقصص قابلة للنشر. ومع ذلك، فالواقع إلى اللحظة يربطُ الخوارزميات بالصحافة كمساعد لها فقط في تجميع البيانات وفهمها، أي ما يسميه الكتاب بـ "الصحافة المعززة"؛ فمراسل سايبورغ (Cyborg) هو أفق للمستقبل، في ظل حضور الدور البشري في صياغة القصص الذي لا يمكنُ الاستغناء عنهُ بعد (ص:121).
أخيرا، وفي الفصل الخامس، نعود إلى تأثير التكنولوجيا على الصحافة والمجال العام من خلال ثلاث دراسات حالة موسعة تستكشف العلاقات بين الصحفيين والمواطنين الذين يزعمون أنهم يخدمونها.
كان للصحافة أدوار في الحروب الثقافية حتى في العصور القديمة؛ فخلال الحرب الأهلية الإنجليزية، اندلعت حرب دعائية مكثفة بين الملكيين والبرلمانيين، الشيء الذي أثر على ثورة هنري الثامن والانفصال عن روما. لكن تضخم الطباعة أدى إلى القدرة على توزيع المعلومة بسهولة بين شرائح أوسع من المجتمع أفضى إلى رفع منسوب "التطرف" على عكس المتوقع، وهو ما يلمسهُ الكتاب فيما يتعلق بوسائل الإعلام المعاصرة في حقبتنا الحالية كذلك؛ الموغلة بالحدية في تعاملها مع الأفكار (ص: 128).
المثال الآخر البارز لـ "حروب المعلومة"، يتمثلُ في استكشاف العواقب المظلمة وغير المقصودة لأنظمة التوزيع الجديدة للبيانات، والتي من خلالها تسمح وسائل التواصل الاجتماعي، بنشر الأخبار المزيفة دون انقطاع ومن ثم في غضون أيام قليلة، يتم إغلاق هذه الحسابات بسبب القوة الاحتكارية لعمالقة التكنولوجيا، ولكن بعد وقوع الآثار الجانبية الناجمة عن انتشار مثل هذا المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يسعى هذا الفصل إلى فحص التغييرات التي أحدثها، كذلك، ملاك الشركات التقنية مثل جيف بيزوس مالك أمازون، الذي يعتبره الكتاب بأنه نموذج "مواطن كين القرن الحادي والعشرين" على غرار "المواطن كين" (Citizen kane) العمل السينمائي المعروف؛ ما أفرز إنتاج مجموعة من المقالات عن هذا الطرح مثل "أمازون جيف بيزوس: المواطن كين القرن الواحد والعشرين" (ص:141). استثمرت واشنطن بوست بعد امتلاكها من قبل بيزوس التقنيات عبر الإنترنت بحيث أصبح أداؤها أفضل كثيرا على الويب وعلى الهواتف المحمولة. إلى جانب هذه الموارد المالية الهائلة، قام بيزوس بتوجيه الموقع الإخباري عبر موارد أمازون المختلفة والتي صعبت نسخ محتوى الجريدة وإعادة استهلاكه (ص:147).
رغم أن بيزوس قد لا يتدخلُ في السياسة التحريرية لـ "واشنطن بوست"، إلا أن المصالح التجارية قد تحدد حجم التفاعل. لقد ظهر ذلك حسب الكتاب في اغتيال كاتب الرأي على الجريدة جمال خاشقجي؛ حيث أحجمت الصحيفة عن التفاعل بالشكل المطلوب والمتوقع بفعل تضارب المصالح التجارية لأمازون في منطقة الشرق الأوسط، ما حال دون نشر تفاصيل دقيقة مرتبطة بهذه الجريمة (ص:148). ومن هذا المنطلق فإن أغنى رجل في العالم سيكون له تأثير بعيد المدى على التغطية الإعلامية لأقوى ديمقراطية في العالم عبر هيمنته على "الواشنطن بوست".
وأخيرا كخلاصة للكتاب؛ فإن تحديات رقمنة الصحافة وهيمنة الخوارزميات عليها تحتاج إلى وعي أكبر بالموضوع، وتأهيل للعنصر البشري وتدريبه من أجل التفاعل مع التحديات التي يفرضها تغول التقنية والخوارزميات. وفي هذا السياق يرى الكتاب ضرورة جعل الأتمتة (البرمجة) وسيلة لمساعدة الذكاء البشري في فهم هذا العالم وتحويله لما يمكنُ أن ينفع البشرية بدل من تركه يتحول إلى أداة لن تكون ضد الصحافة فقط ولكن ضد البشر كذلك (ص:170).