هل سيحلّ الروبوت مكان الصحفيين؟

2021-12-05 11:09

التقارير

لقد دخلت التكنولوجيا كل مجالات الحياة على اختلافها ومن دون أي استثناء، فارضةً قوتها وسطوتها وتأثيرها ودورها غير المُستغنى عنه. فهل يمكن لأحد أن يتخيّل حياته اليوم من دون تكنولوجيا؟ من دون تلفاز أو هاتف أو حاسوب أو انترنت؟ لا أظن، ولو تظاهر بالقدرة على ذلك.

تنتابنا الفرحة والدهشة وما زالت، عند كل لحظة يُخترع فيها شيئٌ جديدٌ ينقلنا والعالم وعقولنا وقدرتنا على الاندماج مع العالم الجديد المتطور بطريقة أسهل وأكثر تطورًا. لطالما احترمنا عقل الإنسان واعتبرناه الأذكى من بين جميع المخلوقات، فهو القادر على اكتشاف واختراع وابتكار كل ما هو جديد في سبيل راحة نفسه وخدمة البشرية.

لكن، هل ظن أحدكم يومًا أن أحدهم قد يخترع أو يصمم ما هو بديلًا له؟ من سيحتلّ مكانه وعمله ودوره؟ نعم، لقد فعلها الإنسان. لقد استطاع الإنسان أن يحقق اختراعًا تفوق على كل ما مرّ قبله، فصنع رجلًا آليًا ومثله نساء، يرى ويسمع ويتكلم ويمشي ويركض ويطهو ويغسل الأطباق وينظف الأرضية ويستقبل الوفود الرسمية ويقدم المشروب... وأخيرًا، صار قادرًا على تقديم الأخبار ومحاورة الضيوف والجلوس مكان الإعلامي بكُل ما أوتيَ من تقنيات.

فهل هذا يخدم الإعلام؟ وماذا سيحلّ بمهنة الصحفيين؟ كيف سيكون مستقبل الصحافة، وهل يوافي هذا الموضوعية التي تتطلبها مهنة الصحافة والإعلام؟

لم تسلم الصحافة والإعلام من الذكاء الاصطناعي الذي اجتاح العالم، فرأوا أن عملية الاستفادة يمكن أن تكون عبر الروبوت الإعلامي. فاستبدلت محطات وتلفزيونات عدّة مذيعيها وإعلامييها بالروبوتات. فاليوم، يقلب المشاهدون المحطات التلفزيونية المختلفة فيجدون أن المتحدثين ليسوا جميعًا من الجنس البشري، بل جنسًا بشريًا روبوتيًا. آلة بصفة إنسان.

فهل يشكل هذا خطرًا على عمل الصحفيين ومهنة الصحافة؟ 

في  عام 2020، قامت شركة مايكروسوفت في خطوة ليست بجديدة تقوم على استبدال عددًا من الإعلاميين الذين تقوم مهامهم على تنظيم القصص من المؤسسات الإخبارية واختيار العناوين والصور للمواقع. وفي غرض تحقيق ذلك بطريقة أُخرى، سُرّح 50 موظف كما ذكرت صحفية Seattle Times reports.

قال أحد أولئك الذين يواجهون عملية تخلّص الشركة من الزيادة في عدد الموظفين للصحيفة: "من المحبط التفكير في أن الآلات يمكن أن تحل مكاننا لكن ها هي ذا."

وقد حذّر بعض الصحفيين المسرّحين أن الذكاء الاصطناعي قد لا يكون على دراية كاملة بالإرشادات التحريرية الصارمة، ويمكن أن ينتهي به الأمر إلى السماح بقصص غير ملائمة.

قال أحد الصحفيين المقتبس من الصحيفة: "أقضي كل وقتي في القراءة حول كيف ستستغرق الآلية والذكاء الاصطناعي جميع وظائفنا، لكنها الآن استولت على وظيفتي الخاصة".

طُرح السؤال على متخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي حول إمكانية أو قدرة الذكاء الاصطناعي على استبدال الذكاء الاصطناعي لما يقوم به الإنسان. أجاب بني مولس، الكاتب والصحفي العلمي، "إن الذكاء الاصطناعي لن يمكنه يتمكن من استبدال الإنسان. فالروبوت غير قادرة حتى من خلال الذكاء الاصطناعي مثلًا أن تعرف الأخبار الكاذبة من تلك الصحيحة. ربما لو يتمكن الذكاء الاصطناعي من التفكير أكثر كالإنسان، ربما نستطيع التعامل معها أكثر في هذا المجال. كذلك علينا أن نلقّن هذا الروبوت ونعلّه بعض الأخلاقيات والأدبيات المتعلقة بالمهنة كي لا يقوم بالتصرف بما لا يجب عليه."

أما كونستانتينوس زاتشوف، المتخصص في الصحافة المبتكرة قال:" إننا دائمًا نحاول أن نجعل الصحفي أكثر إبداعًا وذلك من خلال رؤيته للصور والقصص والأحداث من حوله لا أظن أن هذا يمكن تحقّقه في الذكاء الاصطناعي".

الأمر الذي لا شكّ فيه أن لهذه العملية حسنات عدّة على الصعيد العملي المهني وعلى صعيد الأموال والتكاليف التي تتكبدها الشركات الإعلامية الكبرى ووكالات الأخبار الضخمة. لقد ظهرت حسنات هذه الخطة جليًّا في فترة انتشار فيروس كورونا حيث لم يستطع الشعب والموظفين وكذلك جزء كبير من العمال على التوجه نحو أماكن عملّهم، فساعد هذا الأمر على التعويض قليلًا والتخفيف عن الصحفي ضغط العمل والأزمات والجائحة معًا. وقد رأت بعض الشركات الكبرى مثل عملاق التكنولوجيا الأمريكي من الناحية العملية و الاستثمارية فقالوا في تصريح: "مثل جميع الشركات، نقوم بتقييم أعمالنا على أساس منتظم. يمكن أن يساعد ذلك في زيادة الاستثمار في بعض الأماكن، ومن وقت لآخر، إعادة الانتشار في أماكن أخرى. " كذلك تندرج أهمية هذا العمل في نقاط عدّ ة أهمها:

  • الجمع بين السرعة والكفاءة: إن ما يميّز الروبوت في هذه الحالة هو قدرته على الجمع بين السرعة والكفاءة في العمل في آنٍ معًا. ففي الوقت نفسه، يمكنه العمل على كتابة التقارير والبيانات وغيرها.
  • محدودية الوقوع في الأخطاء في خلال العمل فالروبوت يُبرمج بطريقة معينة متطورة تساعده على تخطي الأخطاء اللّغوية والإملائية بقدرته على التدقيق بها وتحليلها قبل النشر وإرسالها للجمهور.
  • أما النقطة الأكثر أهمية فهي تفرّغ الصحفي للأعمال المهمة والقضايا الأكبر التي يهتم لها الجمهور أكثر. فلا بأس إن قام الروبوت بتقديم النشرة الإخبارية الصباحية أو اللّيلة، أو النشرة الجوية مثلًا، فهما لا يحتاج المقدم سوى لنبرةٍ تتناسب مع ما يقدمه والقدرة على اللفظ والإلقاء والتكلم بطريقة صحيحة أمام الكاميرا. 

أما مساوئ هذا فتظهر بصورة أكبر:

  • عدم القدرة على كشف الأخبار الكاذبة: في حين تحتل الأخبار الكاذبة والمزيفة اليوم كامل مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات والمحطات التلفزيونية، لا يمكن للروبوت أن يكشف هكذا أخبار عند تلقيها. فهنا تكمن أهمية الصحفي المتطلع بدهائه وخبرته في هذا المجال حيث يتمكن عبر ذلك من الكشف عمّا هو صحيح وما هو مزوّر.  
  • التجرّد من الإنسانية: قد يبدو الروبوت ناجحًا جدًّا في كتابة المواضيع العلمية والحقائق والمعلومات التي تُملى عليه بطريقة واضحة ومنظّمة وخالية من الأخطاء والهفوات، لكن ما لن يستطيع القيام به هو القدرة على إظهار المواقف المأساوية الحزينة أو المناسبات الفرحة عندما يتطلّب منه ذلك. فلن يملك في طيّات تقنياته القدرة على الإحساس ولو كان قادرًا على الكلام والتقديم والتحدث.
  • خسارة الهوية التحريرية: إن طريقة كتابة المقال أو البيان أو التصريحات أو حتى إجراء المقابلات تختلف من صحفي وإعلامي إلى آخر. فقد نجد الفكرة نفسها أو الموضوع نفسه مُتداول من قبل صحفيين عدّة، لكن يظهر مقال كلٍّ منهم مختلف عن اللآخر وذلك بسبب انفحة التحريرية التي يضفيها الصحفي على عمله. ومع دخول الروبوت حبّز العمل الإعلامي، ستؤدي هذه الخطوة إلى خسارة الهوية التحريرية، فالروبوت موحّد الطرق مما سيؤدي إلى انتشار مقالات بنفحة واحدة وبطريقة واحدة خالية من التنوّع والابتكار. 
  • غياب الموضوعية: إن عمل الروبوت في الصحافة والإعلام هنا سيقتصر على نقل ما زُوّده به من معلومات ومعطيات، وفي هذا الحالة فإن الأخبار ستكون رهينة للمسؤولين عن الجهة المذكورة حيث سيتولون تزويده بما يريدونه من معلومات وغيرها.

ومن الأمثلة على ذلك "إيريكا الروبوت: مذيعة الأخبار في اليابان. قام مدير معمل الروبوتات الذكية في اليابان بتجهيز هذه الروبوت حيث يطمح أن يوصلها إلى أعلى درجات الوعي. يمكن إيريكا تقديم النشرة الإخبارية ومحاورة الضيوف، القراءة، القيام بالنقاشات، وتتبع الوجوه البشرية…. لكنها، محدودة.

إن الأسئلة التي تطرح نفسها في هذه الحالة: هل سيكون الروبوت الذي سيحل مكان الصحفي ودوره قادرًا على مناقشة الضيوف بطريقة موضوعية؟ هي سيكون قادرًاعلى التخفيف من حدّة النقاش في حال اندلاع نزاع ما بين الضيوف؟ هل يستطيع إيصال مشاعر ما يحيط به من أحداث للناس بغية التأثير وإيصال الحقائق كما يجب؟

لا يبدو الأمر كذلك، فالروبوت من شأنه أن يساعد في تسهيل عملية الصحفي والإعلامي لإفساح المجال أمامهم للتفرّغ لما هو أكثر أهمية وطلبًا في هذا المجال، لكنه لن يكون إنسانًا حقيقيًا حتمًا ولن يأخذ مكانه بما تعنيه الكلمة من معنى. فالحاجة للإنسان تبقى دائمًأ أساس وضرورة باختلاف المهن والأعمال والأحداث ومهما وصلت التطورات والإبداعات حدّ السماء. إننا نريد أن نستغل التكنولوجيا والتطور بالشكل الذي يفيد الإنسان ويساعده، وليس الذي يُلغيه. نريد روبوت في الإعلام نعم، لكننا لا نطمح لروبوتات إعلامية، فالكلمة والموقف مسؤوليّتان لا يمكن تحميلهما لغير الإنسان.

 

المصادر:

“BBC news, May 30 2021, Microsoft to replace journalists with robots”

https://www.bbc.com/news/world-us-canada-52860247#:~:text=Microsoft%20is%20to%20replace%20dozens,US%20and%20UK%20media%20report.

“IBTimes UK, February 1 2018, Meet Erica the robot new anchor”

https://youtu.be/C2AQs_0-jw0

“New York Times, Jaclyn Peiser, February 5 2019, The Rise of the robot reporter”

https://www.nytimes.com/2019/02/05/business/media/artificial-intelligence-journalism-robots.html

“Orange Magazine, European Youth Press, June 10, 2019, Robots in Journalism or Robot journalism?”

https://youtu.be/1XcR-3V9_t8

Mediego, Benjamin Carro, October 3 2018, Pros and Cons of journalism”

https://www.mediego.com/en/blog/pros-and-cons-of-robot-journalism/#:~:text=In%20addition%20to%20being%20fast,errors%20are%20much%20less%20frequent.