الصحافيون في جنوب اليمن في دائرة الاستهداف الإرهابي.... إلى متى الإفلات من العقاب في الجرائم التي تودي بحياتهم؟

2021-11-15 11:17

التقارير

الصحفيون جنوب اليمن.. حكم بالإعدام بدون جريمة

مكتب الرصد والتوثيق-JSC

مع اقتراب انتهاء العام السابع من الحرب على اليمن لا يزال مؤشر التهديدات والمخاطر التي تطال الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي في اليمن في تزايد مستمر، ورغم انخفاض معدل الخطر الذي يطال الإعلاميين العام الماضي 2020، مقارنة بالأعوام السابقة، عاود المؤشر ارتفاعه مجدداً هذا العام غير أن المحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً ويسيطر عليها التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن تمثل اليوم أكثر المناطق خطراً على الصحفيين نظراً للتهديدات والانتهاكات بحقهم هناك والتي وثق مكتب الرصد في لجنة دعم الصحفيين (JSC) عدداً منها والتي وصلت حد القتل المباشر وبطريقة بشعة كالتي تعرضت لها الصحفية رشا عبدالله الحرازي مراسلة قناة العين الإماراتية والتي قتلت بتفجير سيارتها بعبوة ناسفة بمدينة عدن جنوب البلاد.

وتستهدف السلطات بشكل خاص ومتعمد الصحفيين في محاولة لخنق وإنهاء حريّة التعبير، وسبق وتطرقت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت للانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في اليمن، وأشارت إلى "أنهم يتعرضون للاعتداء من جميع الأطراف؛ فهم يُقتلون ويُضربون ويتم إخفائهم، ويتعّرضون للمضايقات والتهديد، ويُسجنون ويُحكم عليهم بالإعدام لمجرد محاولتهم تسليط الضوء على مدى وحشية هذه الأزمة". الأمر الذي انعكس على ترتيب اليمن في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021، إذ احتلت المرتبة 169 من بين 180 دولة.

وبحسب تصريح "روبين غايس"، الخبير القانوني في اللجنة الدولية للصليب الأحمر منتصف يوليو 2010، "يتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول، فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وتمثلت الانتهاكات التي طالت الصحفيين في المحافظات الجنوبية في الآونة الأخيرة بحالات قتل مباشر كما حدث للصحفية رشا، وحالات القتل غير المباشر كمقتل صحفيين خلال تواجدهم في مناطق يتم استهدافها في إطار الحرب بين الأطراف المتنازعة، أو قتلهم أثناء تواجدهم مع شخصيات سياسية أو عسكرية تكون هي المستهدفة بالقتل، إضافة إلى انتهاكات الاعتداءات على الصحفيين أو العاملين بالمجال الإعلامي أو الاعتداء على ممتلكاتهم أو الاعتداء الجسدي عليهم، وكذا الانتهاكات التي تطالهم كالتهديدات بالقتل المباشر بقصد تخويفهم ومنعهم من الاستمرار بكشف الحقائق، إضافة إلى الانتهاكات التي تطال الصحفيين من حملات تشويه وتحريض ضدهم وبث خطاب الكراهية ضدهم مما يعرض حياتهم للخطر من قبل الجماعات المتطرفة عقائدياً أو فكرياً والمحسوبة على هذا الطرف أو ذاك.

وكمثال على حالات القتل غير المباشر التي طالت الصحفيين جنوب اليمن، مقتل الصحفيين بمدينة عدن: أحمد بو صالح، السكرتير الصحفي لمحافظ مدينة عدن، طارق مصطفى، المصور في مكتب المحافظ، احمد حديج باراس، حيث قتل الصحفيان (بوصالح ومصطفى) على الفور خلال مرافقتهما محافظ عدن احمد لملس والذي تعرض موكبه للتفجير الإرهابي في منطقة حجيف بمديرية التواهي، في 11 تشرين الأول - أكتوبر 2021، ثم لحق بهما الصحفي باراس والذي توفي في 7 تشرين الثاني - نوفمبر 2021 متأثراً بإصابته التي أصيب بها في ذلك التفجير الذي كان مستهدفاً فيه محافظ عدن احمد لملس ووزير الزراعة بحكومة عدن.

أما حالات الانتهاكات بالتهديد بالقتل، فنجد على سبيل المثال، ما تعرض له 3 من الصحفيين البارزين بمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، من مضايقات وتهديدات أدت بهم إلى الهروب من مدينتهم واللجوء خارج اليمن هرباً من القتل، ففي مطلع أيلول - سبتمبر 2021 تعرض كل من الصحفيين (صبري بن مخاشن، محمد بوصالح الشرفي، محمد اليزيدي) للتهديدات بالقتل أعقبها إصدار أوامر اعتقال بحقهم من قبل أحد الضباط العسكريين في القوات التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، وحسب المعلومات التي اطلعت عليها لجنة دعم الصحفيين فإن الصحفيين الثلاثة جرى التحريض ضدهم عبر منصات التواصل الاجتماعي لعدة أسابيع بسبب قيامهم بنشر قضايا فساد تثبت تورط المسؤولين الحكوميين فيها وبسبب تأثير هؤلاء الصحفيين على الوسط الاجتماعي فقد سعت السلطات إلى قمعهم مستخدمة معهم عدة أساليب بداية بالترغيب ثم الترهيب وانتهاءً بالتهديد المباشر بالقتل ثم إصدار أوامر باعتقالهم، ولولا وجود متعاونين مع من ينشرون الحقائق في داخل السلك العسكري لما استطاع الصحفيون الثلاثة الهروب من حضرموت قبل تنفيذ أوامر الاعتقال.

ونجد أيضاً ما تعرض له الصحفي والمصور، مفيد غيلان، والذي تعرض للتهديد المباشر بالقتل من قبل مسلحين مجهولين بمدينة تعز جنوب اليمن أعقبها في اليوم ذاته 20 تشرين الأول - أكتوبر 2021 قيام مسلحين على متن سيارة بالاصطدام بسيارته عمداً ونزول اثنين مسلحين ممن كانوا على متن السيارة وتوجيه تهديد مباشر له بالقتل، وقد حدث ذلك في اليوم الذي كان فيه الصحفي غيلان يصور فيه تحقيقاً استقصائياً عن المنتجات المستوردة في مدينة تعز التي تسيطر عليها جماعات مسلحة غير نظامية إلى جانب القوات العسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.

وكمثال آخر على قضايا الإفلات من العقاب، نجد في قصة الصحفي غيلان خير شاهد حيث يروي الصحفي إنه تقدم بالشكوى لدى مركز الشرطة في مدينة تعز ولكنه لم يلقَ تجاوباً على مدى يومين متتاليين ورغم وجود كاميرات مراقبة يمكن من خلالها كشف هوية منفذي الاعتداء إلا أن مركز الشرطة لم يحرك ساكناً، ورغم مطالبة اللجنة للسلطات المعنية بتعز بإجراء تحقيقات سريعة وشفافة في الشكوى التي تقدم بها الصحفي غيلان لكشف هوية المعتدين وإنزال العقوبات الرادعة بحقهم، إلا أن ذلك لم يدفع بالسلطات إلى فعل شيء.

وبالعودة لجرائم القتل المباشر التي يتعرض لها الصحفيون جنوب اليمن، ونظراً لبشاعة طريقة القتل المستخدمة في آخر جريمة، نقف قليلاً مع التفجير الإرهابي الذي استهدف الصحفيان رشا عبدالله الحرازي وزوجها المصور الصحفي محمود العتمي، ففي 9 تشرين الثاني - نوفمبر الجاري قتلت الصحفية رشا عبدالله وجنينها فيما أصيب الصحفي محمود بإصابات خطرة، إثر زرع عبوة ناسفة في سيارتهما وتفجيرها عن بعد، وهي الجريمة التي تأتي بعد أيام قليلة من التفجيرات الإرهابية التي زادت وتيرتها بمدينة عدن خصوصاً وجنوب اليمن بشكل عام.

ولعل جريمة القتل الأخيرة تكشف عن أن مستوى التهديدات والمخاطر التي تطال الصحفيين بدأت تأخذ منحى خطيراً للغاية لكون الجريمة المقصودة كان هدفها إحداث صدمة مجتمعية، الأمر الذي يؤكد أن الأطراف المتصارعة جنوب اليمن بدأت تعتبر الصحفيين أهدافاً عسكرية وخصوماً سياسيين لمجرد أعمالهم ووظائفهم.

وفي هذا الصدد استطلعت اللجنة آراء عدد من الإعلاميين والصحفيين في اليمن وناقشت معهم تصاعد التهديدات التي تطال الصحفيين جنوب وشرق البلاد، حيث أكد الصحفي رشيد الحداد، أن الصحفيين في المحافظات الجنوبية والشرقية يعملون في بيئة شديدة الخطورة،

 

2021 عام الانتهاكات الصحفية المشتركة

 

وأشار الحداد إلى أن العام 2021، كان عام الانتهاكات الصحفية المشتركة من كل الفصائل الموالية للتحالف، مشيراً إلى جريمة اغتيال الإعلامية رشا الحرازي في مدينة عدن قبل أيام بعبوة ناسفة ونجاة زوجها المصور محمود العتمي، بأنها تعد الرابعة خلال أقل من شهرين، حيث سبق ان قتل صحفيان اثنان كانا مرافقين لمحافظ عدن المعين من قبل التحالف أحمد لملس مطلع أكتوبر الماضي.

واعتبر الصحفي الحداد ما يتعرض له العاملون في المجال الإعلامي في تلك المحافظات، يندرج في إطار الصراعات الداخلية المتصاعدة بين فصائل التحالف، لافتاً إلى أن تعرض صحفيين في حضرموت وشبوة والساحل الغربي لانتهاكات جسيمة من قبل الفصائل الموالية للإمارات او للسعودية بسبب مواقفها وآرائها الصحفية إزاء قضايا تمس حياة وكرامة وحقوق المواطنين.

وطالب الحداد الاتحاد الدولي لحماية الصحفيين أن يطالب الأمم المتحدة للقيام بدورها في إلزام قيادة التحالف كونها المسؤول الأول عن الفصائل المسلحة في المحافظات الجنوبية والشرقية بتوفير الحماية الكاملة للصحفيين المقيمين في تلك المحافظات ووقف الانتهاكات والملاحقات التي تطالهم.

من جانبه تحدث الصحفي محمد بوصالح الشرفي والذي كان له نصيب من تلك الانتهاكات في الجنوب، قال إن ما يحدث هو توجه جديد على الساحة، من خلال استهداف الصحفيين والإعلاميين، مضيفاً بالقول: "أعتقد لمعرفة الأطراف بقوة الصحافة وصوتها الذي يصل للعالم، ربما من خلال صورة او كلمة وخصوصاً أن هناك دول تبني مواقفها بناء على ما يقدمه الإعلام والصحافة، وهي أيضا رسالة قذرة لكل صحفي يريد أن يعمل لأجل المواطن أو حتى لصالح مكونات أخرى، ومحاولة لزرع الخوف عند أصحاب الرأي لإبعادهم عن أفكارهم وقناعاتهم".

وحول جريمة القتل الأخيرة التي طالت الصحفية رشا عبدالله، قال الشرفي: "هي جريمة جسيمة، ربما تزيد الوضع تعقيداً على الصعيد الداخلي، وستجعل من الصحفيين أن يكونوا طرف واضح ضد كل الجماعات المتطرفة، حتى الصحفيين الذي يلتزمون الحياد".

ودعا الشرفي السلطات في عدن أن تنفذ تحقيقات سريعة وتعلن عن جزء بسيط منها، معتبراً أن ذلك على الأقل سيكون تطميناً للناس وأيضاً الصحفيين بأن هناك من سيحميهم، متسائلاً "وإلا كيف سينقل الصحفي الخبر والحقيقة للرأي العام المحلي والعالمي في ظل وضع خطير كهذا؟".

 

التحالف يتحمل المسؤولية

 

بدوره حمّل الصحفي حافظ نديم – حضرموت – التحالف السعودي الإماراتي مسؤولية كل ما يحدث، وقال إن "الانفلات الأمني يظهر مدى التخبط السياسي الذي تعيشه عدن والمحافظات الجنوبية ويكشف حقيقة التشكيلات المسلحة التي أنشأها تحالف الاحتلال السعودي الإماراتي والتي أوجدها الإحتلال بغرض العبث الأمني والإداري في هذه المحافظات بالإضافة إلى إن هناك تقارير دولية أشارت إلى فرق الاغتيالات والتصفيات الخاصة التي أوجدها في المحافظات الجنوبية".

نديم اعتبر إن "إعادة مشهد الفوضى والتفجيرات والاغتيالات للصحفيين والشخصيات السياسية في عدن وفي الجنوب يكشف أيضا ان هناك مخطط تنفذه وتديره وتشرف عليه أجهزة استخبارات تابعة لتحالف دول العدوان".

وأضاف: "يهدفون من ممارسة تلك الجرائم التي تستهدف الصحفيين والإعلاميين والنشطاء الحقوقيين والمدنيين في محافظات الجنوب إلى طمس الواقع الحقيقي والمظلم الذي تعيشه المحافظات من تردي للخدمات وانهيار للعملة وتدهور الأوضاع المعيشية وسياسات التجويع الجماعي بحق الجنوبيبن وكلها تداعيات ناتجة عن السياسات الفوضوية التي أوجدها هذا التحالف ووكلاءه السياسيين".

وقال نديم إن مخطط الاغتيالات التي تطال الصحفيين يندرج ضمن مخطط سياسي كبير يقوم به "أعداء الحقيقة ويأتي في مقدمتهم أولئك الأعداء قوى العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقته".

منعطف خطير للإرهاب ضد الصحفيين

وقال الصحفي نديم إن اغتيال الصحفية رشا عبدالله ومحاولة اغتيال زوجها المصور محمود العتمي "منعطف وتحول نوعي في الإرهاب الذي يتعرض له الصحفيون، لا سيما أن هذه الجرائم أصبحت تمارس كجرائم قتل دموية ولم تعد تقتصر على التهديد أو الاعتقالات، فمنذ اغتيال الصحفي (نبيل القعيطي) قبل سنتين والذي تم اتهام أطراف سياسية بعينها في دلك الوقت، ومروراً بحملة الاعتقالات والخطف التي طالت عشرات من الصحفيين والمصورين في عدن والتي تقوم بها المليشيات الإماراتية بشكل خاص، كلها أحداث تكشف ان هناك تنافس وصراع على النفوذ الإعلامي بين القوى السياسية المتصارعة التابعة لتحالف العدوان".

واعتبر نديم إن هناك معارك استخباراتية تدور في الخفاء للسيطرة على الوعي الجمعي للناس، مضيفاً: "تظن تلك القوى أن ذلك لن يتأتى لها إلا من خلال توجيه الخطاب السياسي الإعلامي بالقوة وتظن ان ذلك لن يحدث الآن - من خلال رؤية كل طرف ان ذلك لن يتأتى له - إلا من خلال تصفية الساحة الصحفية والإعلامية لصالحه من خلال الإرهاب والاغتيالات بحق اي صحفي او إعلامي ينقل صورة لا تناسب الصورة المطلوبة ولا تناسب المزاج السياسي لهذا الطرف او ذاك، وبدى ذلك واضحاً وجلياً منذ اندلاع الصراع المسلح بين الأطراف السياسية المحسوبة على السعودية والإمارات في أغسطس من العام 2018".

 

الجريمة الأكثر دموية حتى اللحظة

 

بدوره اعتبر المصور الصحفي مفيد غيلان إن حادثة استهداف الصحفية رشا عبدالله هي الجريمة الأكثر دموية حتى اللحظة.

وقال غيلان إن "الانتهاكات المتواصلة بحق الصحفيين اليوم تعد سلوكاً ممنهجاً لتغييب الحقائق وإخفائها خاصة في ظل الصراع الدائر في البلاد والذي تشارك أطرافه بارتكاب جرائم جسيمة بحق المدنيين"، مضيفاً إن "حادثة مقتل الزميلة رشا الحرازي تعد الجريمة الأكثر دموية حتى اللحظة، صور الحادثة لا تزال عالقة في أذهاننا ولا يمكن نسيانها، ستظل هاجساً مخيفاً ومقلقاً لكل الصحفيين الذين يدفعون حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة".

 

انعدام الحد الأدنى من الأمان

وقال غيلان إنهم كصحفيون لم يعودوا يشعرون بالحد الأدنى من الأمان، مضيفاً: "من غير المبالغة إن قلنا أننا نبدو اليوم وكأننا المستهدفون رقم واحد في هذه الحرب، نخرج من منازلنا ولا نعلم ما إذا كنا سنعود لأطفالنا سالمين أم لا".

وقال أيضاً: "لك أن تتخيل في أقل من شهر، قتل 4 صحفيين بعمليات مختلفة في محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، نزيف مستمر يحصد أرواح الصحفيين منذ اندلاع الحرب في البلاد، من بداية الحرب ودعت الأسرة الصحفية خلالها 50 صحفياً، وفي كل مرة يفلت المجرمون من العقاب، الأمر الذي ضاعف من حدة الانتهاكات ضد الصحفيين يوماً بعد أخر".

 

ومما لا شك فيه أن الانقسامات في صفوف الأطراف المحلية المدعومة من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية وتحول الصراع فيما بينها إلى صراع مسلح، قد انعكس بدوره على حياة الصحفيين وعلى حرية عملهم حيث تعود جذور الانتهاكات التي تطال الصحفيين إلى اعتبار الأطراف المتقاتلة جنوب اليمن لهؤلاء الصحفيين بأنهم جزء من خصومهم المفترضين، الأمر الذي يثبت حقيقة ملموسة وهي أن الأطراف المتحاربة جنوب اليمن بعيدة كل البعد عن أي التزام دولي بحماية الصحفيين والتي وقعت عليها الجمهورية اليمنية، وللأسف فإن كل الأطراف المنقسمة فيما بينها جنوب اليمن لا تعير تلك المواثيق والمعاهدات أي اعتبار بما في ذلك الحكومة المعترف بها دولياً والتي قادة السعودية تحالفاً عسكرياً للحرب على اليمن بدافع إعادتها إلى السلطة.

وكغيرها من الجرائم والانتهاكات التي تتكرر بشكل يومي في المحافظات الجنوبية لليمن التي ترتكب ضد المدنيين من قبل الأطراف المنقسمة والمتحاربة فيما بينها والتي لا يتم التحقيق في مرتكبيها وكشفهم ومحاسبتهم، فإن الانتهاكات التي تطال الصحفيين أيضاً في المناطق ذاتها يتم تقييدها ضد مجهول، ولا تقوم الأجهزة المعنية أو سلطات الأمر الواقع أكانت سلطات رسمية أم غير ذلك بالتحقيق في جريمة أو انتهاك ضد الصحفيين الأمر الذي يجعلها تقع في دائرة الشك بإمكانية ضلوعها المباشر خلف تلك الانتهاكات.

إن جميع حالات الاستهداف التي تعرض لها الصحفيون جنوب اليمن تعتبر من وجهة نظر لجنة لدعم الصحفيين في جنيف (JSC) خرقاً مباشراً للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حالات السلم، والتي تنص على أن "لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمر هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالبٍ وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود"، كما تعد تلك الانتهاكات التي طالت الصحفيين، انتهاكاً صارخاً للمادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1947 وكافة مبادئها في القانون الدولي الإنساني والقرار 1738 لمجلس الأمن الدولي والتي تنص على "اعتبار الصحفيين والمراسلين مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم واعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعياناً مدنية لا يجوز أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال انتقامية".

في تقرير حالة الحريات الصحفية والانتهاكات ضد الصحفيين والناشطين في اليمن للفترة من يوليو حتى سبتمبر 2021، توصلت اللجنة إلى أن من 20 – 30 % من إجمالي الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنون عاديون أو موالون لأحد أطراف النزاع، كانت انتهاكات ارتكبت ضد صحفيين أو ناشطين عاملين في المجال الإعلامي بصفة فردية وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، والذين تعرضوا لانتهاكات أبرزها (الاعتقالات والتهديد بالتصفية الجسدية) بسبب نشاطهم الإعلامي وما ينشرونه، وكانت هذه الإحصائية قد رصدت في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن.

مؤخراً شهدت المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية لليمن موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة المنددة بـ(تدهور الوضع الاقتصادي، وانهيار الخدمات الرئيسية، وتزايد حالات الاعتقالات والقمع التي مارستها السلطات أو/ الجماعات المسلحة المسيطرة على المحافظات الجنوبية والشرقية، والانفلات الأمني، وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية)، وقابلت السلطات أو/الجماعات المسلحة المسيطرة هذه الاحتجاجات بالقمع والاعتقالات التي طالت عدداً من الصحفيين والعشرات من الناشطين في المجال الإعلامي، لدرجة أن نحو 30% ممن تعرضوا للانتهاكات - في مختلف المحافظات الجنوبية - منها الاعتقال بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها تلك المحافظات، كانوا من الصحفيين أو ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتقلوا بسبب آرائهم وانتقادهم لأداء السلطات الرسمية وغير الرسمية في مناطقهم.

وتأكد للجنة أن محافظة شبوة التي تسيطر عليها قوات الرئيس عبدربه منصور هادي حظيت بالنصيب الأكبر من تسجيل اعتقالات ضد أشخاص ينشطون في المجال الإعلامي بسبب نشاطهم بهذا المجال وما ينشرونه من معلومات أو انتقادات أو آراء ومواقف، فمثلاً تحققت اللجنة أن من بين كل (100) شخص ممن تم اعتقالهم في شبوة أثناء وعقب الاحتجاجات التي شهدتها المحافظة مؤخراً، كان (50) شخصاً منهم اعتقلوا بسبب ما رصدته السلطات الأمنية في المحافظة لنشاطهم الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي.

تعتبر لجنة دعم الصحفيين هذا الرقم الكبير في عدد المعتقلين لمجرد آرائهم، مؤشر خطير جداً على مستقبل الحريات الصحفية وحياة الصحفيين في محافظة شبوة التي يعتقد بأنها مرشحة لأن تكون محور صراع مستقبلي بين الأطراف المتصارعة في جنوب اليمن، إن ذلك بالضرورة سيقود إلى تعريض حياة الصحفيين أو الناشطين بمجال النشر والإعلام للخطر، مع احتمال فقدان البعض منهم لحياتهم جراء التعبئة الخاطئة التي يتلقاها المنفذون المباشرون لهذه الانتهاكات ضد المعارضين أو المحسوبين في ولائهم لأطراف نزاع أخرى.

 

تعتيم متعمد

كان الحال في المناطق الشمالية الغربية لليمن والتي يفرض عليها التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن حصاراً خانقاً وحرباً منذ 26 مارس 2015 بذريعة أنها خاضعة لسيطرة أنصار الله، حيث شمل ذلك الحصار منع الوسائل الإعلامية العالمية من الوصول إلى تلك المناطق لتغطية الأحداث فيها والعمل على عدم السماح لممثلي تلك الوسائل أو مندوبيها من القدرة على الدخول لتلك المناطق بهدف منعها من نقل الحقائق التي لا تريد الأطراف التي تشن الحرب على اليمن إظهارها للعالم، لكن الغريب هو أن التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن ويتحكم بالمنافذ الجوية والبرية والبحرية يمنع حتى وصول الإعلام الدولي إلى المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها وخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دولياً ما يؤكد أن الحصار المفروض من قبل التحالف على اليمن لا يشمل فقط المناطق الشمالية الغربية الخاضعة لسيطرة أنصار الله وحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء بل ويشمل أيضاً المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، الأمر الذي يؤكد أن التحالف يرتكب انتهاكات وجرائم قد ترقى لجرائم حرب في المناطق التي يسيطر عليها والتي لا تشهد حرباً عسكرياً تقليدية كالتي تحدث في المناطق التي تسيطر عليها صنعاء.

وبسبب هذا التعتيم المتعمد من قبل التحالف بقيادة السعودية فإن المشهد في المحافظات الجنوبية بما يشمله من اعتداءات على المدنيين وجرائم إنسانية وبالمثل أيضاً الانتهاكات التي تطال الصحفيين هي جميعها غائبة عن وسائل الإعلام العالمية التي يمنع التحالف وصولها أو وصول ممثليها ومندوبيها لنقل ما يحدث في المناطق المسيطر عليها من قبل التحالف، وهذا التعتيم والحجب الذي يستخدم فيه التحالف بقيادة السعودية أقصى ضغوطه الدبلوماسية وجهوده الحثيثة لاستمراره، قد ضاعف من معاناة المدنيين في اليمن وضاعف أيضاً من معاناة الصحفيين الذين لا يُسمع لهم صوت خارج اليمن المحاصر بسبب ما يفرضه التحالف من تعتيم وعزله عن العالم إعلامياً.

وباختصار فإن الصحفيون والعاملين في المجال الإعلامي في المناطق الجنوبية والشرقية لليمن يصل بهم الحال لأن يدفعوا حياتهم ثمناً إذا قرروا أن يؤدوا دوراً حيوياً في الكشف عن الحقيقة ومساءلة أطراف النزاع علناً.