حرب اقتصادية واجتماعية أيضاً: العالم يخذل الصحفيين في اليمن

2021-04-29 07:29

التقارير

تقرير: هاني أحمد علي

"لم أعد أحتمل .. فالحياة باتت قاسية بما فيه الكفاية وأصبحت عاجزاً تماماً عن تلبية احتياجات أسرتي الضرورية منذ توقف دفع الرواتب، مصدر دخلي الشهري الوحيد. لم تشفع لي سنوات عملي الطويلة في مجال الصحافة الممتدة لأكثر من 20 عاماً أن أحظى بحياة كريمة في ظل هذه الظروف الصعبة، وليس أمامي سوى فتح نافذة أمل عسى أحوالنا تتغير إلى الأفضل وتعود كما كانت قبل الحرب والحصار، وأتمكن من مواجهة الالتزامات المتوجبة علي من تسديد ايجارات المنزل المتراكمة ودفع ديون المحال التجارية وتوفير احتياجات المنزل ومتطلبات الأولاد الدراسية وغيرها" ..

 

"صحفيو اليوم .. وضع قاتم"

بالعبارة أعلاه لخص مدير التحرير في صحيفة الجمهورية الرسمية الصحفي عبدالرحمن مطهر الوضع في اليمن. فالصحيفة توقفت عن الصدور بعد نهب مقرها الرئيسي ومطابعها في تعز بداية الحرب على اليمن. لخص الوضع القاتم والمرير الذي يعيشه كل صحفيو واعلاميو اليمن، فمن لم تستهدفه صواريخ الطائرات فقد استهدفه الحصار وقطع الرواتب واغلاق العديد من الصحف والوسائل الإعلامية الرسمية والأهلية والخاصة أبوابها، وعجزها عن مواجهة الالتزامات المترتبة عليها من طباعة ورواتب ونفقات تشغيلية.

ويضيف الزميل مطهر أن حياته الاجتماعية والاقتصادية انقلبت رأساً على عقب. فبعد أن كان يتقاضى نهاية كل شهر مستحقاته المالية المتمثلة بالراتب الاساسي اضافة الى الحوافز وبدل إنتاج ومواصلات، التي كانت كفيلة بمنح أسرته حياة كريمة، بات الآن ينتظر ما يأتيه من قبل حكومة عدن بين الحين والآخر أو من حكومة صنعاء نصف راتب لا تتعدى أربع دفعات في السنة، بما لا يغطي حتى 5% من متطلباته.

ويرجع الصحفي بمؤسسة الجمهورية السبب في تدني وضعه المعيشي إلى الحصار الذي فرضه التحالف السعودي منذ بداية الحرب على اليمن في 26 مارس 2015، وزادت حدتها منذ العام 2016 بعد نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، كورقة اقتصادية بيد التحالف للضغط على حكومة صنعاء والموظفين القاطنين في مناطق سيطرتها.

ويؤكد مطهر أن الحصار وتردي الأوضاع الاقتصادية دفعه مضطرا إلى بيع قطعة أرض كان يملكها خارج العاصمة صنعاء والاستفادة بقيمتها لفتح متجر صغير ومزاولة مهنة أخرى بعيدة جدا عن مهنته الحقيقية التي أفنى شبابه وحياته فيها.

الحصار يسلب الحياة الكريمة

 الصحفي مستور الجرادي، أحد محرري الشؤون العربية والدولية في إدارة الأخبار بوكالة الأنباء اليمنية الرسمية، لا يختلف حاله كثيراً عن الزميل "مطهر". فقد دفعته الأوضاع المعيشية الصعبة التي خلفها انقطاع الرواتب واستمرار الحرب على مدى 7 سنوات، إلى مزاولة العديد من الأعمال التجارية البسيطة كبيع الآيسكريم والفلافل، وذلك بهدف توفير أبسط مقومات الحياة له ولأفراد أسرته المكونة من 6 أفراد، وتسديد ايجارات المنزل وغيرها من الالتزامات.

ويبين الزميل الجرادي، أن الحرب والحصار على اليمن سلب منه حياته الكريمة بعد أن كان يعمل قبل الحرب في أكثر من وسيلة إعلامية، فقد كان يعمل صباحاً لدى وكالة الأنباء الرسمية، بينما الفترة المسائية ينتظم بصحيفة الأولى اليومية التي عمل فيها محررا لأكثر من 3 سنوات، توقفت بعدها بفعل الحرب وعدم قدرة الصحيفة على مجابهة الرواتب وعزوف الناس عن القراءة والاكتفاء بمتابعة الأخبار عبر التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي "الواتس آب – التيلجرام – الفايسبوك".

الشريحة الأكثر تضرراً

يظل الصحفيون والاعلاميون في اليمن هم الشريحة الأكثر تضرراً جراء الحرب والحصار السعودي. فعلى مدى السنوات الماضية فقد المئات من العاملين في الصحف والقنوات والإذاعات الخاصة والأهلية، أعمالهم ومصدر رزقهم وقوت أطفالهم، إما بسبب مغادرتها خارج البلاد أو لتوقفها كليا. وبالتالي أدى ذلك إلى وقوع كارثة إنسانية واقتصادية في أوساط منتسبي السلطة الرابعة، ما اضطر الغالبية العظمى منهم إلى اللجوء لمدخراته وبيع مقتنياته الثمينة ومجوهرات زوجته وأثاث منزله. وهو ما يؤكده حالة الصحفي بليغ الحطابي، المحرر في العديد من الصحف الأهلية والحزبية، الذي يعيش أسوأ أيام حياته خلال هذه المرحلة.

ويوضح الزميل الحطابي أن حياته تحولت إلى جحيم بسبب مرض زوجته وأم أطفاله، وعدم قدرته على معالجتها وشراء الأدوية لها بعد إصابتها بالسرطان مؤخرا وارتفاع تكاليف العلاج. ولكونه لم يعد يمتلك أي عمل في الوقت الراهن جراء الحرب وتوقف الوسائل التي كان يعمل فيها، ولصعوبة إيجاد عمل بسهولة حالياً، باعتبار أن الصحف الصادرة في العاصمة صنعاء اليوم لا تتعدى أصابع اليد، بينما كانت الصادرة قبل الحرب تصل إلى 10 صحف يومية ما بين رسمية وأهلية وحزبية، وكان هناك تنافس محموم بينهما وحراك ثقافي وأدبي ليس له مثيل وكان الحصول على عمل آنذاك سهلاً للغاية نظرا لاحتياج تلك المطبوعات للصحفيين والإعلاميين.

قصص مأساوية حزينة

يشكل الحصار على اليمن والحرب الاقتصادية التي يخوضها التحالف السعودي لكسب الرهان بعد فشلها عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً، العامل الرئيسي للمعاناة التي يعيشها الصحفيين والإعلاميين في البلد، حيث لا تزال حكومة هادي بعدن ترفض حتى اللحظة صرف رواتب العاملين في المؤسسات والهيئات الإعلامية الرسمية، أسوة ببقية موظفي الدولة، الأمر الذي ألقى بظلاله سلباً عليهم وخلف معاناة لا حدود لها، ودفع بالعشرات من الصحفيين إلى أعمال ومهن أخرى، لسد رمقهم وتوفير احتياجاتهم اليومية. ليشهد التاريخ بذلك على أبشع مأساة في اليمن سببتها حرب قوى التحالف بقايدة السعودية والتي لم تستثن النخبة المثقفة والمتعلمة فيها.

العديد من القصص المأساوية والأليمة التي تروي جانبا من حياة الصحفي اليمني، لم تكن أولها ولا آخرها قصة الصحفي البارز جميل مفرح، نائب مدير التحرير بصحيفة الثورة الرسمية، الذي وجد نفسه في العام 2019 مهدداً بالطرد إلى الشارع مع أولاده على يد مالك المنزل الذي يسكنه، بعد عجزه عن دفع الإيجارات وتراكمها، وهو ما دفع المالك إلى مقاضاته واحالته إلى النيابات والمحاكم وسط تضامن خجول في مواقع التواصل الاجتماعي لزملائه وأصدقائه ممن لا يقلون بؤساً عنه.

ولا يزال الجميع يتذكر من العام نفسه قصة الكاتب الصحفي الكبير محمد القعود، رئيس اتحاد الكتاب والأدباء في العاصمة صنعاء، حينما دفعته الظروف الاقتصادية والمعيشية القاهرة وقساوة الحياة والمؤجر معاً، إلى عرض مكتبته الثمينة التي تحتوي مئات الكتب والمؤلفات للبيع عبر منشور على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، في خطوة صادمة أحزنت قلوب الصحفيين والإعلاميين والمثقفين في البلد، وهم يشاهدون أحد أعمدة الثقافة والأدب يعرض مكتبته للبيع بسبب انقطاع الرواتب وتدني الوضع المعيشي، مؤكداً أن بيع مكتبته النفيسة كان بالقساوة على نفسه كبيع أحد أبنائه وأطفاله وأنه اضطر لهذه الخطوة وهو يتجرع كأساً من المرار.

وأخيراً ..

كشفت المعاناة الإنسانية التي يعيشها الصحفيون والاعلاميون منذ 7 سنوات جراء الحرب والحصار التي تفرضها قوى التحالف الوجه القبيح للمجتمع الدولي، وتحولت اليمن إلى مقبرة للقوانين واللوائح والأنظمة العالمية الداعية إلى حماية الصحفيين وتجنيبهم مخاطر الحروب وعدم تعريضهم للأذى، لتتحول هذه الشريحة في اليمن إلى عناوين وقصص مأساوية، فمن لم يمت منهم قتلاً وقصفاً عاش القهر، حصاراً وجوعاً.