2020-10-19 11:54
فرضت الظروف الصحية العالمية وتأثيرها الدراماتيكي على الاقتصاد اجراءات قاسية في معظم المؤسسات والشركات. فقد اضطرت بعض المؤسسات الصحفية لتعليق العمل تماما أو تسريح موظفيها او تخفيض رواتبهم في أفضل الأحوال، بينما نجحت مؤسسات أخرى في تخطي الأزمة. واللافت أن المؤسسات التي تمكنت من تخطي الأزمة، كانت تتبع استراتيجية اقتصادية تعتمد على تنوع مصادر التمويل المبتكرة. منها:
-التوجه نحو المحتوى المدفوع
في نهاية العام 2018 أعلنت New York Times وThe Guardian أن لديهما مئات الآلاف من القراء الذين يدفعون مقابل المحتوى. و"الأمر ينتشر بسرعة ويحقق نجاحا ملفتا"، ذلك ما ذكره التقرير السنوي لمعهد رويترز لدراسات الصحافة 2020، مؤكداً أنه من المقرر خلال العام الجاري أن تصبح عائدات القراء مصدراً رئيساً للدخل بالنسبة لنصف الناشرين. ويقول كاتب التقرير Nic Newman: "يجني الناشرون الذين راهنوا مبكراً على الاشتراكات والعضويات مقابل رسوم معقولة، كبديل للإعلانات، المكافآت الآن" . وتشمل إيرادات القارئ، الاشتراكات والعضويات مقابل محتوى حصري أو نشرات الأخبار أو أي امتيازات أخرى .
-أرباح المنتجات الرقمية
لا يزال ثلثا عائدات الصحيفة السويدية Dagens Nyheter يأتي من الطباعة. لكن قيادتها قررت التركيز على تصميم المنتجات الرقمية وبيعها. فنشرت الصحيفة إصدارات صوتية لجميع قصصها الصحفية الطويلة، وأطلقت تطبيقًا جديدًا للتسلية واختبارات الذكاء والكلمات المتقاطعة بجانب تطبيقها الإخباري، وفرضت رسوما مقابل الاشتراك الشهري.
من جهته، أكد رئيس التطوير التحريري في الصحيفة Martin Jönsson، أن المنتجات الرقمية جذبت جمهورًا مختلفًا، أصغر سنا وأكثر من الإناث ومن أقاليم مختلفة.
كذلك فقد حققت الإصدارات الصوتية الرقمية أرباحا كبيرة للمجلة الرقمية الدنماركية Zetland. وقالت lea korsgaard، المؤسسة المشاركة ورئيسة تحرير المجلة "إنّ 65٪ من المتابعين، يأتي من الإصدارات الصوتية".
توازيًا، كان لـThe Telegraph Herald الأمريكية تجربة مختلفة، حيث قررت تنويع إيراداتها بتأسيس لعبة رقمية بعنوان Escape Room Dubuque، ينخرط فيها اللاعبون داخل سلسلة من التحديات والألغاز التي يجب عليهم حلها من أجل الخروج من الغرفة المغلقة. وحقق المشروع أرباحاً خيالية بعد ستة أشهر فقط.
-خطط مبتكرة لجذب الإعلانات
استطاع Rowly Bourne، المؤسس والشريك في مؤسسة Rezonence لتمويل الصحافة، ابتكار آلية بسيطة لجذب المعلنين وإقناعهم بدفع مبلغ معقول مقابل ضخ إعلاناتهم في المواقع الإلكترونية، وذلك عبر تزويدهم بإثباتات أن اعلاناتهم قد تمت قراءتها وفهمها.
وتعتمد آلية Bourne، التي طرحها من خلال منتج يسمى FreeWall، على ربط إعلان واحد بقراءة المقال كاملا، وذلك بوضع سؤال بسيط نسبيًا أسفل الإعلان، وبعد الإجابة على السؤال يظهر المقال كاملا. وهذا يثبت للمعلن أن علامته التجارية لفتت انتباه القراء. ولا يزال الإعلان واحدا من مصادر التمويل التي يجب الاعتماد عليها، لكن مع بعض التغيير في الاستراتيجيات.
من جهتها، تؤكد رائدة الأعمال ومستشارة التسويق الرقمي Lissa Cupp، أن أزمة كورونا ساهمت في ارتفاع نسب المشاهدات والقراءات، وهو توقيت مناسب لجذب أكبر عدد من المعلنين وتحقيق أرباح طائلة من الإعلانات، بطرق مبتكرة وأكثر إبداعا. حيث يضمن المعلن وصول إعلاناته للملايين التي تتابع أخبار الجائحة عن كثب. كما أن ابتكار حيل ذكية، يضمن للمعلن لفت انتباه القارئ لإعلانه.
في تصور مواز، يرى البعض أن الاعتماد على الإعلان الأصلي Native Advertising هو الحل، وهو إعلان يأخذ شكل القصص الإخبارية الحقيقية، ويحمل رواية مقنعة حول منتج ما بهدف تسويقه.
أمّا New York Times فتعتمد بشكل كبير على الإعلانات الأصلية لتحقيق الأرباح، وأبرزها كانت مجموعة قصص لصالح شركة Dell. ورغم انتشار الإعلانات الأصلية مؤخرا، وتفضيل المعلن والناشر لها، إلا أن Eric Goers مدير الابتكار بمجلة Time، يحذر من أنها قد تقوض ثقة القارئ، إذا لم يتبع الناشر معايير وقواعد واضحة لضمان عدم خداع الجمهور.
-الفعاليات مصدر مهم أيضا
هل تصدق أن صحيفة Chattanooga Times Free Press الأمريكية، تعتمد على تنظيم وبيع الفعاليات كمصدر رئيس لـ إيراداتها؟
الصحيفة بدأت تجربتها تلك قبل أعوام قليلة، ووضعت شعارها على الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والمعارض التجارية والمسابقات ومعارض التوظيف، وروجت لها داخليًا وخارجيًا، ونظمتها بشكل جيد، ثم جمعت ملايين الدولارات.
washington post لها أيضاً تجربة مميزة في تنظيم الفعاليات والاعتماد عليها كمصدر لزيادة الإيرادات.
وفي هذا السياق، يرى Nasr ul Hadi، المؤسس المشارك لـمؤسسة PROTO أن على وسائل الإعلام الإعتماد على فعالياتها كمصدر للإيرادات، وأن هناك العديد من التجارب الناجحة.
في أعقاب الجائحة، نجحت بعض المؤسسات في تحويل جميع فعالياتها إلى الفضاء الافتراضي، وفرضت رسوما عليها وحققت أرباحا. ويمكن أيضا أن تكون الفعاليات التعليمية، مثل تدريب الصحفيين والطلاب على العمل الصحفي مقابل رسوم معقولة، مصدرًا مهمًا للدخل. والسوق هنا واسع جدا، ما يقرب من 84 بالمائة من طلاب الصحافة وحديثي التخرج مهتمون بالتدريب، وفق دراسة لمركز المساعدة الإعلامية الدولية (CIMA).
-التمويل الجماعي من خلال تبرع القراء والمتابعين المهتمين
إذا كنت من قراء الصحافة البريطانية، وتحديدا The Guardian، ستلاحظ نصا مثبتا على كل صفحات الموقع، تطلب فيه الجريدة من قرائها التبرع من أجل المساهمة في ضمان مستقبلها. رسالة The Guardian تحيلنا إلى مسألة التمويل الجماعي Crowd funding، حيث يدعم الجمهور المشاريع الإعلامية بالمال اللازم لأجل إطلاقها أو ضمان استمرارها.
وقد نجحت الصحيفة البريطانية في الاعتماد على هذه التبرعات كمصدر مهم للدخل، كما دخلت في شراكة مع موقع التمويل الجماعي Kickstarter لتقديم نفسها للمتبرعين عبر منصته الشهيرة.
وهنا يرى خبير التسويق Seth Godin أنّ نجاح حملات التمويل الجماعي مرتبط بتصميم استراتيجية متطورة لإشراك الجمهور، عبر التواصل معه بشكل أفضل، وإعادة تقييم احتياجاته.
وفي أعقاب الجائحة، وضعت بعض الصحف استراتيجية مكنتها من توسيع قاعدتها الجماهيرية، عبر قصص تراعي الشرائح المختلفة، والعمل بشكل تعاوني، وتقديم المساعدة لمن يحتاجها. وهناك صحف مكنت القراء من الوصول مجانا للمحتوى المدفوع الخاص بالجائحة، وأخرى أطلقت قناة على TELEGRAM لضخ محتوى مجاني عن الفيروس. فيما أطلق أحد المواقع الأمريكية خدمة لربط الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة مع أولئك الذين يمكنهم تقديمها. والجدير ذكره أنّ بناء الثقة مع القراء قد يكون دافعا مهما لاستجابتهم عندما تطلب منهم التبرع.
-التمويل عبر صحافة الحلول
وكان لـjill Jorden Spitz، المحررة في صحيفة Arizona Daily Star، تجربة مميزة في جمع التمويلات المتعلقة بـصحافة الحلول، وتقول إنها حظت بتمويلات أكثر عندما طلبت من الممولين أصحاب الأهداف الاجتماعية، دعم مشروع يتماشى مع أهدافهم، من مجرد مطالبتهم بدعم الصحافة.
ويؤكد خبراء أنّ الرهان على "صحافة الحلول"، التي توجد الحلول لمشكلات المجتمع، يضمن تمويلا سخياً. مع الوضع في الاعتبار أن الأمر يحتاج إلى إجراء دراسات معمقة حول طبيعة ممولي هذا النوع وأهدافهم، وتدريب المحررين على توليد الأفكار المتعلقة بصحافة الحلول وطرق تنفيذها.
المصدر: مقتبسات من تقرير للكاتب احمد العطار نشرته "شبكة الصحفيين الدوليين"