الصحافة الاستقصائية: حاجة محلة لتطوير المجتمعات وحمايتها رغم المخاطر التي تحدق بالصحفيين وبالمجتمعات !

2020-09-06 12:43

التقارير

برزت في الآونة الاخيرة أهمية كبيرة للصحافة الاستقصائية لما لها من دور فعال في تفعيل الشفافية والمساءلة والمحاسبة في المجتمعات على مختلف الصعد السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والحقوقية من خلال دورها في تحليل المعلومات وتقصي الحقائق عبر اجراء ابحاث معمقة لكشفها وتسليط الضوء على الانتهاكات والخروقات التي تحمل ضرراً على افراد معينين او على المجتمع ككل.

ولعل من اهم ما يحتاجه الصحفي الاستقصائي اكثر من غيره من الصحفيين والاعلاميين لانجاز مهمته هو حقه في الوصول الى المعلومات من مصادرها، حقه في حماية سرية مصادره، وحقه في الحماية الشخصية له ولكل المتعاونين معه في انجاز تحقيقاته.

-      حق الوصول الى المعلومات من مصادرها

        للأسف، ولأن الكثير من الملفات الاستقصائية عادة ما تتطرق الى "ما يخفيه" اشخاص نافذون، من رجال السلطة والسياسة، كبار رجال الاعمال والمؤثرين في المجتمعات، فان حق الوصول الى المعلومات المنصوص عنه في الشرع العالمية لحقوق الانسان وفي دساتير معظم الدول ليس مكفولا بشكل كامل وكبير في العديد من الدول. فبينما تسمح بعض الدول، مثل هولندا، للصحفيين الاستقصائيين بتقديم طلب عبر منصات خاصة للحصول على ملفات سياسة الوزارات، يتعرض العديد من الصحفيين لعرقلة اعمالهم وتقصيهم للحقائق عبر حرمانهم من حق الوصول الى ما يصبون اليه من معلومات من مصادرها. والأسوأ من ذلك، ان البعض يتعرض للتهديد والتهريب وصولا الى حد الاعتداء المعنوي او الجسدي فور اعلانه الصريح عن رغبته بتحري ملف ما.

 

-      حق حماية سرية مصادر المعلومات

في العمل الاستقصائي، تكون مصادر المعلومات الموثوقة ذات اهمية بالغة جداً. ولكن عدم شعور هذه المصادر بالأمان وحقها في السرية، قد يتسبب بتمنع بعضهم عن التصريح او تقديم معلومات خشية التعرض للتهديد او الاذى المعنوي، الجسدي، الوظيفي وغيره الذي قد ينالهم او ينال المقربين منهم حتى. ولذلك، فكلما شعر "المصدر" انه محاط بالسرية القانونية التي تحميه، زادت جرأته على تقديم المعلومات الموثوقة والموضوعية.

-      حماية الصحفي الاستقصائي

يجب ان يتميز الصحفي الاستقصائي بالجرأة والعزيمة على استكمال ما بدأه، خصوصا لما قد يتلقاه من تهديدات قد تعيق عمله الذي يتطرق من خلاله الى ملفات يجهد "النافذون" الى اخفائها. وعلى الرغم من حق الحماية الذي تكفله شرع حقوق الانسان والمواثيق الدولية والمحلية التي تعى وتنظم عمل الصحافة، الا ان العديد من الصحفيين الاستقصائيين يتعرضون للتهديد والترهيب وصولا الى حد الاذى المباشر، عبر الاعتداء الجسدي المباشر عليهم او على احبائهم، تهديدهم في وظيفتهم ومصدر رزقهم ما يشكل ضغطا اقتصاديا عليهم، ملاحقتهم قضائيا بقضايا تتعلق بعملهم الصحفي (عبر جرائم القدح والذم والتشهير، نشر اخبار كاذبة، تهديد الامن الخاص او الوطني او القومي...) او عبر التشهير بهم بقضايا او اشاعات لا تتعلق او تؤثر على عملهم الصحفي (مثل قضايا اغتصاب او تحرش، تعاطي الممنوعات، ميول جنسية، معتقدات دينية او ثقافية......) للتأثير على مصداقيتهم وتقبلهم امام الرأي العام، وفي الصحافة العالمية عدة امثلة على صحفيين خسروا حياتهم او حريتهم في خض عملهم الصحفي.

ونظرا للأهمية الكبرى التي تلقاها التحقيقات الاستقصائية في التأثير على مصير السلطات وكبرى المؤسسات الاقتصادية، الامنية، المالية، الاجتماعية وغيرها، يتوجب على الصحفي الاستقصائي التزام اقصى معايير المهنية والموضوعية والدقة في تحري معلوماته كي لا يتحول، دون علمه او بارادته حتى، الى "صندوق بريد" بين اطراف متنازعين او وسيلة لتمرير صفقات معينة تهدف لاسقاط طرف مقابل انجاح آخر دون اي معايير قانونية او اخلاقية او انسانية واضحة. وعليه ايضاً، لا بد من تأمين المراجع المعنية، محليا ودولياً، الحماية اللازمة للصحفيين عموماًـ والاستقصائيين خصوصاً، لضمانة امنهم الشخصي، الاجتماعي، الاقتصادي، الحقوقي، والقانوني