2020-09-02 01:26
تقرير لجنة دعم الصحفيين في جنيف حول الاخبار الكاذبة المرافقة لانفجار مرفأ بيروت
لتحميل التقرير بصيغة pdf، الضغط هنا
لغويا، تشتق كلمة "اشاعة" من الفعل "شاع" اي ذاع وفشا. اما اصطلاحاً، فتستخدم للدلالة على "خبر مكذوب، غير موثوق، غير مؤكد، ولكنه ينتشر ويجري تناقله بين الناس". وغالبا ما يكون الهدف منها هو الاقناع، لذا تتوافر فيها عناصر عدة تجعلها قابلة للتصديق. فهي وان لم تكن معلومات علمية (Scientific، موثقة بالارقام والادلة الحسية والمنطقية)، ولا وقائعية (Factual)، او اخبارية محض، فقد تبقى منفردة، او تصبح “بروباغندا" عندما تكون منظمة مع غيرها من الاشاعات المبتكرة من الجهة عينها التي تبثها باستمرار بغية ترسيخها. وهنا غالبا ما تستخدم وسائل الاعلام بحيث تسلط الضوء على جانب ما تريد اظهاره وترسيخه في وعي ولا وعي العامة وتتغاضى عن ما لا تريد إظهاره، فتلجأ بذلك الى بعض التعتيم او التمويه، التضخيم والمبالغة، وصولا الى الكذب. من هنا اشار الباحث الفرنسي موران إلى أن "الإشاعة تستند إلى الأوهام اللاواعية والمخاوف الجماعية التي تشكل الموضوع الذي يتبلور حوله القلق والخيال. وغالباً ما يكون هذا الموضوع شخصاً يتم اعتباره على المدى الطويل كبشَ فداء للمجموعة، مما يُسهّل التقليل من القلق الاجتماعي السائد في بعض الأحيان".
وهنا لا بد من الاشارة الى ان مصطلح "الاشاعة" يستخدم ايضا تبادليا مع مصطلحات مثل "Fake News" (أخبار كاذبة)، اخبار مغلوطة (Misinformation)، اخبار مضللة (Disinformation)، او Spam (الرسائل غير المرغوب بها التي ترسل لاكثر من شخص في آن). ففي حين تكون الاخبار الكاذبة صادرة عادة عن جهة لها علاقة بنشر الاخبار (كجريدة او موقع اخباري) ولكنها نشرت خبرا غير دقيق، تكون الاخبار المغلوطة هي ايضا غير دقيقة ولكن تعميمها جاء دون نية او قصد ببث اخبار كاذبة، اما الاخبار المضللة فهي تلك التي يدري اصحابها انها تحتمل معلومات غير صحيحة ولكنهم يبثونها عمداً وعن قصد الى مجموعات معينة لاهداف معينة، بينما يكون Spam هو توزيع واعادة توزيع رسائل ومعلومات الى اكبر عدد ممكن من الاشخاص عشوائياً.
عادة ما تزدهر الاشاعات في اوقات القلق المصيري الاجتماعي، كأيام الحروب العسكرية، العقوبات الاقتصادية، الكوارث الطبيعية (فيضانات، زلازل، اعاصير...)، او الازمات الطبية (تفشي الاوبئة، الجائحات) في ظل وجود قلق مصيري وشامل يطال مختلف فئات المجتمع. وبذلك فانها تنطوي على استغلال ردود أفعال الرأي العام القديمة والمتكرّرة عن عمد.
وقد صنف العالم ناب (Knapp) الاشاعات ضمن 3 فئات:
- إشاعة الإسفين أو الوتد (Wedge Rumor): وهي الاشاعة التي تسعى الى بث روح الكراهية والتنافر بين مجموعات وخلق شرخ وانقسامات.
يشير الكاتب وعالم الاجتماع كابفيرير، الذي اشتهر بدراساته عن التركيبة البسيكوسوسيولوجية للإشاعة، الى ان الاشاعة غالبا ما تولد بناء على معلومات عن امر يتعلق بحدث راهن ولم يتم التحقق من مصداقيتها لدى المرسل او المصدر (غير رسمي علنا): فهي بذلك تكون "أدخنة تنتشر دون وجود نار"... تنتشر "الاشاعات" بسرعة كبيرة رغم نشوئها من العدم، خصوصا مع التطور الحاصل في تقنيات وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي (او ما يعرف بسيرورة الاشاعة) ما سرع من وتيرة انتشارها. لذا فهي غالبا ما تتميز بـ:
1. مصدرها: غير رسمي معظم الاحيان
2. توجهها: مضادّة لسُلطة المؤسسات
3. سرعة بثها وانتشارها: عبر الوسائل المتوخاة (واتساب، فيسبوك، رسائل نصية....)
4. قيمة المعلومة هي التي تفسر تداولها
5. تجاوزها الزمني على اعتبار انها نوع من الحدث الراهن: ما يفسر سبب انتشارها السريع
6. إضفاء قيمة او هالة على الجهة/الطرف الذي ينشرها: لجهة اهمية الاطلاع والعلاقات "الخاصة"
7. مثولها على شكل خبر: كونها تتعلق دوماً بحدث راهن
وبناء على هذه المعطيات، يمكن ان يلاحظ ان الاهمية الدلالية والوظيفية للاشاعة قد تكون احيانا اقوى من الخبر الصحفي حتى. فبينما يفترض ان يكون الخبر الصحفي حياديا وينقل إخبارا بحدث ما ما يجعله محصورا به، تغطي الاشاعة مجالا تداوليا اوسع لما تحمله من استراتيجية التحريض والتعبئة وحشد التأييد او الرفض لحالات معينة، ما يستدعي استمرارية في بثها وتناقلها.
وفقا لميثاق شرف الصحفيين والاصول المهنية للاعلام والصحافة، لا بد من التأكد من صحة ومصداقية اي خبر قبل نشره، والتأكد من دقته من اكثر من مصدر موثوق قبل التسليم بصحته وانه لا يندرج تحت خانة "الاشاعات". كما لا بد من تولي هيئات رقابية موضوعية تبني وسائل ومرجعيات فعالة وسريعة لملاحقة الاخبار الكاذبة والمضللة وفضحها امام الرأي العام، للحد من سرعة انتشارها وتأثيرها على مصداقية وصوابية الاخبار الصحيحة والموثوقة.
بناء على ما تقدم، لحظت لجنة دعم الصحفيين في جنيف (JSC)، بعيد وقوع انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت في الرابع من آب 2020، انتشار العديد من الشائعات والانباء الكاذبة بين اخبار مغلوطة ومضللة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية الاخبارية والمنصات التابعة لها حول اسباب الانفجار، حيثياته، حجم الدمار، التعاطف والدعم المحلي والدولي مع بيروت التي اعلنت منطقة منكوبة. وقد نشرت هذه "الاخبار الكاذبة" باللغات العربية، الانكليزية، الفرنسية، وغيرها وتم تناقلها بكثافة.
ان لجنة دعم الصحفيين في جنيف اذ تأسف لمشاركة بعض الاعلاميين والصحفيين بترويج مثل هذه الاخبار، حيث لم تصدر نتائج التحقيقات الرسمية في ملف الانفجار عن الجهات المعنية، تشير الى بعض ما نشر منها، على سبيل المثال لا الحصر، وتوضح حقيقتها.
بينما اشارت مصادر الدولة اللبنانية ان الانفجار الواقع سببه انفجار 2750 طناً من مادّة نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت نتيجة حريق لم يتأكّد سببه بعد (حتى ساعة نشر هذا التقرير)، نشرت العديد من التكهنات والاخبار الزائفة حول سبب الانفجار، منها:
علما ان الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت قد تسبب بدمار كبير في المرفأ والمناطق المحيطة به مخلفا عشرات الضحايا وآلاف الجرحى وعشرات المفقودين، اضافة الى الاضرار الجسيمة في المباني والبنى التحتية، الا ان بعض الصور التي نشرت ليست من موقع الانفجار او محيطه، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
على الرغم من التضامن العربي والعالمي مع "بيروت" عقب الانفجار الذي وقع في المرفأ وتعبير الكثير من الدول والشعوب والمنظمات عن تأثرها وتعاطفها مع لبنان، سواء عبر اضاءة العلم اللبناني على بعض الصرح المميزة فيها او تقديم المساعدات العينية والطبية كما الغذائية والنفطية، الا ان بعض الناشطين نشروا صورا مغلوطة، ننشر منها على سبيل المثال لا الحصر:
تناقلت الوكالات الاعلامية المحلية والعالمية، كما رواد مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والعالم، الكثير من صور الضحايا والجرحى واللقطات المؤثرة للحظات وقوع الانفجار وما تلاها من دمار واذى. الا ان البعض ايضاً نشر صورا وروايات مغلوطة عن الاحداث، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
بعد الانفجار، كثر تناقل بيانات منسوبة زوراً الى شخصيات سياسية او حزبية في لبنان، تشير باصابع الاتهام او التحامل الى جهات محلية او دولية، بما تحمله من خطاب تحريض وكراهية منبوذ وقد يؤدي الى زيادة حدة الانقسام بين ابناء الوطن الواحد ومع المتعاطفين مع لبنان، ننشر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ان لجنة دعم الصحفيين في جينيف (JSC) تجدد مطالبتها للصحفيين والاعلاميين ووسائل الاعلام كافة بضرورة التزام المهنية الاعلامية والتزام ميثاق شرف الصحافة خلال تغطيتهم الاحداث كافة، بالاخص كتلك التي تحمل طابعا وطنيا وانسانياً ككارثة انفجار مرفأ بيروت، وتهيب بهم تحري الدقة والموضوعية والتأكد من صحة الاخبار قبل نشرها او تعميمها، التحلي بالمسؤولية الوطنية والانسانية ونبذ خطاب الكراهية لما قد يترتب عليه من زيادة لحد الانقسامات بين الناس على اسس دينية او مناطقية او عرقية او سياسية او ما شابه، ولما لها ايضا من تأثير على مجريات التحقيق في القضية. كما تهيب بجميع رواد مواقع التواصل الاجتماعي التحلي بالمسؤولية قبل نشر او اعادة نشر اي خبر لما قد يترتب عليه من تأثيرات في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد.
وهي اذ تؤكد دعمها المطلق لحرية التعبير المصانة في الاعلانات العالمية والدساتير والقوانين المحلية، وبالاخص للصحفيين والاعلاميين، وحقهم في الوصول الى المعلومات ومتابعة الاحداث، تطالب اللجنة الاجهزة المعنية في الدولة اللبنانية بالاضطلاع بدورها في مكافحة نشر الاخبار المضلولة والمغلوطة وما يندرج تحت قائمة "الشائعات"، لما لها من تأثير سلبي خطير على مصداقية الاعلام والصحفيين، وما يحمله من تهديد قد يحولهم الى طرف في النزاع ويهدد أمنهم وسلامهم ويحولهم الى اداة لتمرير رسائل سياسية او امنية ويحرمهم من حقهم بكونهم مصدرا محايدا للمعلومات، وعلى الأمن القومي للاوطان في حال الاخبار التي تحمل طابعا امنياً او تلك التي تتجلى فيها اي نوع من انواع خطاب الكراهية المنبوذة.
المصادر: