2022-06-08 08:52
المصدر: أحمد أبو حمد-مجلة الصحافة
حتى الآن يبدو مصطلح ريادة الأعمال في الوطن العربي أقرب ما يكون للغموض أو بيع الوهم، ذلك لأن التطورات العالمية في شكل الإنتاج وطبيعة الثروات التي تحوّلت من الثروات الملموسة إلى غير الملموسة، مثل التحول من الشركات القائمة على الثروات الطبيعية والصناعات الاستخراجية التحويلية إلى الشركات الرقمية الكبرى والعملات الرقمية، لا تزال بعيدة عن مجتمعاتنا العربية.
وبسبب الالتباس الذي يلف هذا المصطلح، لا تزال القطاعات الاقتصادية عربياً، ومنها الإعلام، غير قادرة على عكسه ضمن عملها أو مواكبة التطورات الحديثة عالمياً في مجالاتها، مما يجعلها معتمدة بشكل كامل على استيراد الأفكار الريادية التي تم تصميمها في ظروف مغايرة عمّا تحتاجه المجتمعات والنظم المحلية.
يُعرّف رائد الأعمال بأنه شخص لديه القدرة على إطلاق وتشغيل مشروع ذو فكرة جديدة، مع ضمان تحقيق الربح والاستدامة، والريادة تتطلب شجاعة كافية لغاية المخاطرة والإيمان بابتكار أفكار جديدة ضمن رؤية واضحة وجودة منتج منافسة، مع المرونة في التماشي مع تغيرات الحالة، والاستفادة من الفرص المتاحة، من خلال الدراية الجيّدة بأحدث اتجاهات السوق.
أين نحن عربياً من ريادة الأعمال في الإعلام؟
رغم النهضة التي ترافق قطاع ريادة الأعمال والتكنولوجيا فما زال الاهتمام بتطوير الإعلام عبر الريادة محدوداً في ظل معيقات عديدة تواجه الصحفيين في الولوج إلى هذا العالم عبر توفير منصات مؤسساتية خاصة بهم قابلة للتطوير والنمو وفقا للغة العصر. ويستلزم هذا التطور فهم احتياجات الشباب، وضمان وصول المادة الإعلامية الموثوقة للجمهور، ورفع إمكانية المنافسة على المحتوى الجيد، وتوفير حاضنة مجتمعية للإعلام المستقل ولإعلام الحقيقة، والمساهمة في محاربة الإشاعات والأخبار المضللة، وفي رفع الوعي وتطوير الرأي العام وتعزيز تأثيره ومشاركته.
وهنا يجب الالتفات لأهمية توفير المؤسسات العالمية الكبرى لبرامج احتضان مرافقة لعمليات التدريب المعتادة والتقليدية وتطوير استراتيجياتها الخاصة لدعم عملية التحول الرقمي العالمي. يضاف إلى ذلك تعزيز عملية الإنتاج الإعلامي من خلال التعاطي الإيجابي مع الثورة الصناعية الرابعة وفرص الذكاء الاصطناعي وتوفر المعلومات والانفتاح العالمي، بحيث يصبح للشباب والصحفيين والصحفيات والمهتمين بقطاع الإعلام القدرة على تطوير المهنة وتقديم حلول وأدوات جديدة قادرة على الوصول للعالمية.
ما هي الجوانب الريادية في تأسيس حاضنة لدعم ريادة الإعلام؟
منذ بدء العمل بجدية على الفكرة في شهر يونيو/حزيران 2021، لامسنا الاحتياجات الرئيسية في أهمية إتاحة الفرصة للمشاريع الريادية الإعلامية للنمو والانطلاق والعمل في الجانب الإعلامي المستقل والمستدام، وهذه الحاجات هي:
ما الذي يمكن للحاضنة أن تقوم به؟
مع انتشار الأجهزة الخلوية وصحافة المواطن وتطور منصات التواصل الاجتماعي وازدياد سرعة استهلاك الخبر، تبرز الحاجة الحقيقية لمحتوى أصلي يتسم بالموثوقية والمصداقية والحرفية، وترتفع الحاجة لاستعادة وسائل الإعلام دورها في التأثير في الوعي العام، وتصبح الحاجة اليوم لتطوير المحتوى نحو العمق وحماية الملكية الفكرية وتعزيز صحافة الحلول والصحافة التحليلية ودعم الدور الرقابي لوسائل الإعلام، أمراً بالغ الأهمية.
هذا التطور التقني رفع الحاجة لتقديم مادة إعلامية ذات جودة عالية وقادرة على الوصول خارج حدود الدول، وتخاطب الشباب وتعتمد على المعلومات والأرقام والتوثيق بشكل تفاعلي يوفر المساحة للجمهور للتفاعل والتعليق والمشاركة لتحقيق الاستجابة المطلوبة لقياس الأثر. وقياس الأثر مهما كان مهما، فقد أصبح تحديا يجب مراقبته بدقة وضمان أن تبقى وسائل الإعلام من ينتج المحتوى ويملك أدوات التأثير، وألا تتحول إلى متلقية لردة الفعل لما يدور من نقاش على المنصات الرقمية، وتغرق في تنافس غير صحي مع المنصات التي تعتمد بالأساس على جهد الوسائل الإعلامية المحترفة والتقليدية.
وهنا يأتي دور حواضن الإعلام في محاولة لدعم الصناعة من خلال البعد الريادي والإبداعي سواء على مستوى تطوير شكل المؤسسات الإعلامية الرقمية، أو إنتاج أدوات تقنية جديدة قادرة على حل مشكلات الإعلام التقليدي وجعله يحقق أكبر فائدة ممكنة من فرص الوصول والانتشار لتحقيق الاستقلالية والاستدامة المالية.
تقدم حاضنة الإعلام "مدرج" اليوم محاولة لتوفير مساحة آمنة للتعبير وتسريع تطوير المهنة الصحفية بهدف دعم الصحفيين الشباب لتغيير نمط التفكير التقليدي في مهنة الصحافة والإعلام من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي والعالم الرقمي وما يوفره من أدوات وفرص. بالإضافة إلى مواكبة العصر وتغير اهتمامات الجمهور وقدرة النماذج الجديدة على دعم صناعة الإعلام عبر الشركات الناشئة والريادية بهدف تحقيق الربح والاستدامة والقدرة على النمو، في ظل ما يواجه الصحفيين في المنطقة العربية من تحديات مهنية مركبة مرتبطة أساسا بتراجع حالة الحريات وحقوق الإنسان والقدرة على التعبير وممارسة الصحافة الحرة نتيجة لتحديات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية متعددة. إن إدخال فكرة التفكير الريادي للتعامل مع تحديات البطالة وتدني الدخل للعديد من الصحفيين الشباب، يعتبر من الأولويات في المنطقة العربية ويحمل الكثير من الفرص في قطاع ريادة الأعمال اليوم. وذلك لما قد يساهم به في تحسين الواقع الاقتصادي وزيادة المحتوى الأصلي وتعزيز قدرة الجمهور على التعبير والمشاركة والتقييم والرقابة على مصداقية مصادر النشر المتعددة عبر الحد من انتشار المعلومات المضللة والأخبار الموجهة عبر حلول إعلامية وأدوات جديدة ومنصات متنوعة تعمل على تطوير المهنة وتعمل على تحفيز المؤسسات القائمة للتوجه نحو العصر الرقمي ضمن خطط عمل واستراتيجيات طويلة الأمد مهنيا وإداريا وعبر الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والريادة.
كيف ستساهم فكرة الحاضنة في المشهد التنموي؟
لا يمكن فصل الإعلام وتطوره اليوم عما يحدث من تطورات على المستوى السياسي والاجتماعي في الدول التي يعمل بها بالإضافة إلى حاجته ليتطور بشكل طبيعي من حيث مهارات الصحفيين والصحفيات، وتطوير السياسات التحريرية وقدرة المؤسسات الإعلامية على تقديم نماذج اقتصادية ومؤسساتية قادرة على النجاح بعيدا عن الاستمرار بالاعتماد على الدعم الحكومي وشكل الإعلان التقليدي. وعليه، فإن تطور المهن ضرورة لتتماشى مع شكل تعامل المجتمع مع الأخبار والمعلومات، ومن ثم التقاط التحول الرقمي بشكل أسرع من الواقع للمحافظة على جودة المهنة الصحفية وأهمية دورها واتساع تأثيرها.
كيف يمكن أن تنعكس تجربة الحاضنة على التنظيم الذاتي وتعليم الصحافة؟
عبر العديد من الجلسات الحوارية حول واقع مهنة الصحافة وإشكاليات القطاع ما زالت فكرة التنظيم الذاتي فكرة بعيدة التنفيذ في العديد من الدول العربية وما زالت فكرة من هو الصحفي هاجسا لحراس المهنة. وهذه الإشكالية من أهم نقاط التقاء الصحفيين للأسف مع رغبة الحكومات في التدخل بحجة ضبط المهنة وتجاوزاتها بقوانين مقيدة من خلال نقابات الصحفيين وتحديد من يملك الحق في إنتاج المحتوى ورفض فكرة أن الواقع قد تغير في ظل تطور عملية تبادل وإنتاج المعلومات في ظل العولمة وما تقدمه التكنولوجيا من إمكانيات.
أما عن الشق الثاني من السؤال، فإنه ما زالت معاهد الإعلام والصحافة تقدم المهنة بشكلها التقليدي بعيدا عن توفير أبعاد جديدة للمهنة ترتبط بالحاجة لمناهج جديدة وتجارب عملية مختلفة للطلبة والتأكيد على لغة العصر واحتياجاته، في ظل تقصير أصحاب الخبرة في تزويد المحتوى العربي الإعلامي والأكاديمي بالعديد من المعلومات والتجارب العملية والعالمية التي يمكن أن تساهم بتطوير العاملين في القطاع من كافة الزوايا.
هناك الكثير من التحديات المرتبطة بوجود تغول رأس المال الضخم والمسيس والذي ينعكس بشكل مباشر على شكل المنافسة في السوق وعلى قدرة المؤسسات الإعلامية الصغيرة منها أو الناشئة أو المستقلة على المنافسة والإنتاج والانتشار وتحديدا في ظل وجود المنصات الكبيرة وجمهورها العريض وما خلقته من سلوكيات استهلاكية في الشراء والتعبير والتعامل مع الأخبار. لتغدو الوجبات السريعة والجاهزة دون معرفة مصدرها ومذاقها وقيمتها حالة عامة، تقف عائقا أمام من يحاول تقديم محتوى أصلي جاد، في ظل ضعف الاستثمارات في كل ما هو غير ترفيهي وفي كل ما قد يضع الاقتصاد أمام السياسة وتراجع الحريات العامة.
ما هي أبرز الجوانب التي تجعل هذا المشروع مختلفاً عن غيره؟
لم يعد من الممكن اليوم الاستمرار في شكل التدريب التقليدي للمهنة عبر الاكتفاء بكتابة الأخبار والتقارير المعمقة مصورة أو مسموعة أو مرئية أو الاكتفاء بالتعرف على طرق الكتابة للإنترنت أو نشر المادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسعي وراء تحقيق الانتشار فقط؛ فقد أصبحت الحاجة للتفكير بالإعلام مؤسسات وتدريبات وتنظيما وإنتاجا، ضرورة ملحة ويجب أن تتم عبر برامج جديدة توفرها حواضن الأعمال. وينبغي أن تكون مختصة بالإعلام لتوفير تجربة تطوير وتدريب طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد، وتستطيع نقل وتطوير الأفكار إلى مشروعات إعلامية اقتصادية تساهم في دعم اقتصاديات الدول وتشكل بيئة جديدة معاصرة للإعلام.
أعود لمحاولات المجتمع المؤيد لحاضنة للإعلام المستقل في المنطقة العربية لدعم الرياديين من الإعلاميين والإعلاميات العرب في ظل سؤال حائر حول سلوك العالم للتعامل مع الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي ومراحل الأتمتة، وهل لهذا الحلم قدرة على الانطلاق، الإنتاج، فالتغيير فالصمود، وتحديدا في ظل غياب المنافسين الذين قد كانوا أكثر واقعية وعلموا أنه لا مكان لمثل هذه المشاريع في السوق؟