دروس عن التّقنيات الجنائيّة الرّقميّة في عالم الصحافة

2022-05-22 07:06

التقارير
By -GIJN

 

“لوغان وليامز“ عالمُ بياناتٍ في فريقِ تكنولوجيا التّحقيق لدى منصّة Bellingcat. تحدّث عن المختبرات الصحفيّة الجنائيّة الرّقميّة في مهرجان الصّحافة الدّولي لعام 2022 في بيروجيا، إيطاليا. حضرت GIJN حلقة النّقاش وقابلت “ويليامز” بعد ذلك للاستماع إلى أهمّ ما لديه من معلومات ونصائح لاستخدام التّقنيات الجنائيّة الرّقميّة في العمل الصّحفي.

1 – الحفظ مهم

لوغان ويليامز: يمكن أن يبدو العمل على البيانات الرّقميّة أو الجنائيّة مخيفًا حقًا للصحفيّ الذي لا يتمتّع بالخبرة. ولكن هنالك أشياء محدَّدة وسهلة للغاية من شأنها أن تحدثَ فرقًا كبيرًا. النقطة الأولى هي المحافظة على البيانات الرّقميّة. مثلاً، إذا وجد الصّحفيُّ مقطعَ فيديو على واتساب يظهر فيه شيء قد يبدو مهمًا، فمن المهم حفظ هذا الفيديو وأرشفته لأن هذه المصادر عابرةٌ على وسائل التّواصل الاجتماعيّ ولن تبقى دائمًا بالضّرورة. يمكن أن يكون ذلك بسيطًا مثل رفع [الفيديو] إلى Google Drive. الشيء الآخر هو أن تنتبه لمؤشّراتِ التّلاعبِ بالمحتوى أو النّشر المُنسَّق للمعلومات المضلّلة.

2 – أرْشَفة البيانات الوصفيّة والتّحقُّق منها

لوغان ويليامز:  هنالك أدوات رائعةٌ يمكن أن يستخدمها الصّحفيون. واحدة من أدواتي المفضّلة تسمى InVID وتتيح لك إلقاء نظرةٍ على البيانات الوصفيّة. يمكنك التّحقُّق من تلك البيانات الوصفية بمقارنتها مع أدلّةٍ أخرى للبحث عن علاماتٍ على أنها لم تُؤخذ في الوقت الذي يُزعمُ أنّها أُخِذتْ فيه، وأمور من هذا القبيل. يمكنك أيضًا البحث عن علامات تشير إلى أنّ الصّورة قد عُدِّلتْ على فوتوشوب وهذا كله متاح في هذا المكوِّن الإضافيّ للمتصفِّح (browser plug-in). استخدامه سهلٌ للغاية حتى بالنّسبة للأشخاص الذين لا يتمتعون بخبرةٍ كبيرةٍ في هذا المجال.

هناك حساب على تويتر اسمه @quiztime يعجبني شخصيًا. ينشر تغريدات تجتوي على اختبارات عن تحليلِ معلوماتٍ من وسائل التّواصل الاجتماعي أو صورٍ من منظورِ الاستقصاءِ مفتوح المصدر، هذه طريقة رائعة… ابنِ مهاراتك بالعمل على هذا النّوع من البيانات.

أعتقد أن الشيء المهم [حول البيانات الوصفيّة] هو أنّها قابلةٌ للتّدقيق مع سجلٍ لوقت تحميلها ومعلومات من هذا القبيل لتثبت للقرّاء أنك تعرضُ البيانات التي تدّعي أنّك تعرضها، ومعظم الأدوات مثل Google Drive ستتيح لك ذلك. في ما يخصّ جمعَ كمّياتٍ أكبر من المعلومات، أظنّ أيضًا أن جداول بيانات Google أداةٌ رائعة للعمل مع عدّة أشخاص، وقد يشمل ذلك الجمهور الذين يقدّم معلوماتٍ في مشاريعك الخاصّة بجمع البيانات.

3 – التحقُّق من صحّة البيانات بالمقارنة مع عدّة مصادر

لوغان ويليامز: يعدُّ التّحقُّق من صحّة البيانات من أهمِّ الأجزاء في أيّ قصةٍ لجمع البيانات، ويعتمد ذلك فعلاً على الحادث أو نوع البيانات الذي تتعامل معه. على سبيل المثال، يركّز العديد من باحثينا في Bellingcat الآن بشكل كبير جدًا على تحليلِ بياناتِ وسائلِ التّواصل الاجتماعيّ والصّور التي تأتي من أوكرانيا. عندما تنظر إلى هذه البيانات، يمكنك مقارنة هذه الصّور مع غيرها منْ نفسِ المنطقة. يمكنك أن تبحث في الصّور التي نُشِرتْ سابقًا ربما منْ حربِ عام 2014 والتأكُّد من أنها ليست صورةً قديمةً أُعيدَ نشرها. يمكنك استخدامُ مصادر مختلفة تمامًا للبيانات مثل صور الأقمار الصّناعيّة لمحاولة العثور على الفوهة الناجمة عن عصف انفجار يمكن رؤيتها من الفضاء وسيساعدك ذلك على إثباتِ حقيقةِ ما تظهرهُ الصّورة.

4 – احمِ مصادرك

لوغان ويليامز:  تحقيقُ التّوازن بين الخصوصيّة والبيانات التي تتيحها أمرٌ مهمٌّ حقًا، خاصةً إذا كنت تحاول توفير البيانات بشفافيّة للجمهور. بالعودة إلى مثالِ غزوِ أوكرانيا، فإن أحد المشاريع التي نعمل عليها في Bellingcat هو خريطةٌ لجميع الحوادث التي وجدناها وتضرّر فيها المدنيّون بسبب الحرب الدّائرة. عندما وضعنا هذه الخريطة، كان لدينا حوادث أكثر مما يمكننا نشره للجمهور، فإن كانت الحادثةُ مُصوَّرةً مثلاً من نافذة شقّةِ شخصٍ ما أو في حديقةِ منزله فقد يكون هذا حساسًا جدًا إذا وقعتْ مدينتهم في قبضة الرّوس بعد  ذلك. قد يلاحقون الأشخاص الذين قدّموا هذه المعلومات. لذلك يجب علينا بكلِّ تأكيد أن نكون مسؤولين في طريقةِ نشرِ المعلومات وأن نحرص على ألّا نعرّض حياة أحد للخطر.

5 – ابنِ علاقةً جيّدةً مع مزوّدي صورِ الأقمارِ الصّناعيّة

لوغان ويليامز:  يعتمد ذلك على الوقت الذي يستغرقه الحصول على صورةِ الأقمار الصّناعيّة المتاحة. يعتمد ذلك قليلا على المزوِّد بشكلٍ عام؛ يمكن أن تكون الصّور متاحةً بعد يومٍ إلى ثلاثة أيام من التقاطها، وأحيانا قد تتوفّر في فترة أقصر، وخاصةً إذا كانت لديك علاقة خاصّة مع مزوّدِ صورِ الأقمار الصّناعيّة.

6 – فكّر مرّتين قبل أن تتعاون مع جهات إنفاذ القانون

لوغان ويليامز: أعتقد أن هذا السؤال يعتمد بشكلٍ كبير على السّياق المحلّي وعلى أهداف غرفةِ الأخبار أو المؤسّسة الإعلامية نفسها. تجربتي الشّخصيّة وشعوري حيال هذا الأمر متأثّرٌ للغاية بكوني من الولايات المتّحدة، حيث تعيش الشّرطة ووسائل الإعلام في صراعٍ عادةً، وتقاريرُ الشّرطة حول حادثٍ معين لا تتمتّع بالمصداقية دائمًا. وفي هذه الحالة، أعتقد أن التّعاون الوثيق مع الشّرطة قد يضرّ بسمعةِ أو مصداقيةِ المؤسّسة الإعلامية.

أعتقد أن الأمر قد يكون أكثر تعقيدًا في ظروف أخرى. على سبيل المثال، تعاونتْ Bellingcat مع اليوروبول (وكالة تطبيق القانون الأوروبية) عدّة مرّات في تحدّيات “تتبَّعْ الشيء”، حيث يضعون صورةً صغيرة لزجاجة مياه أو لشيءٍ كان ضمن الأدلّة التي جُمِعتْ في تحقيقٍ عن إيذاء الأطفال، معرفة المكان الذي بيعتْ فيه هذه الزّجاجة أو من أين أتت، قد تكون مؤشّرًا لتعقّبٍ شخصٍ مهمّ في التّحقيق. في هذه الحالة، ولأنها منظمة دولية تتعقب نوعًا واضحًا جدًا من حالات النشاط الإجرامي، فقد يكون من الأسهل قليلاً على المحققين التّعاون مع منظمة الشّرطةهذه. ولكن أعتقد أن الأمر يتطلّب تفكيرًا متأنِّيًا ودراسةً للتحدّيات التّحريريّة في كلّ حالة.

7 – يمكن اكتشاف المحتوى المزيّف بسهولة

لوغان ويليامز: ما نراه غالبًا في أوكرانيا ليس تزييفًا عميقًا (deepfake) أو صورًا معدّلة تعديلاً عميقًا حقًا، ولكننا نرى صورةً من سنة 2014 [تُقدَّم] كما لو كانت صورةً من عام 2022، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال البحث باستخدام الصور(reversed imagery).

كما نرى الكثير من الصّور التي يوضع تحتها وصفٌ خاطئ، خاصّةً منْ قِبل الدّولة الرّوسيّة، فتصِفُ الصّورةَ بما ليس فيها فعلاً. مرّةً أخرى، يمكنك أن تثبت في كثير من الأحيان أن الادّعاء غير صحيح من خلال العثور على أمثلةٍ أخرى مشابهة، كضربةٍ صاروخيّة مشابهة. يمكنك أن تنظر إلى الصّورة فقط بدلاً من أن تقرأ وصْفَ مافيها. هذه التّقنيات البسيطة لكشف الأخبار الخاطئة تشكّلُ ما نسبته 90٪ ممّا نراه، ومع الشيء اليسير من تقنياتِ التّحقُّق مثل تحديد الموقع الجغرافيّ، وتحديد الموقع الزّمنيّ [موقع الشمس أو موضعها في السّماء] ستتمكّن من دحضها بسهولة تقريبًا.

8 – المصادر ليست مهمّة إذا كان التّحقُّق قويًا

لوغان ويليامز: في كثير من الأحيان، لا نثق بمصدر الصّور. قد تنشرُ حركةٌ يمينيّةٌ متطرّفةٌ صورةً، أو قد ينشرها مركزُ شرطةٍ أمريكيّ أو كتيبة آزوف [اليمينية المتطرفة الأوكرانيّة]، أو المجموعات غير الجديرة بالثّقة نسبيًا التي تنشر الصّور لدوافعها الخّاصة. ولكن إذا استخدمت الصّورة نفسها كمصدرٍ للحقيقة، بدلاً من السياق المحيط بها، يمكنك أن تستخرج منها معلوماتٍ مفيدة للتّحقيق دون الحاجة للثقة بمصدر الصّورة. إذا تمكّنتَ من إثبات أن الصّور التُقِطتْ في الوقت الذي يُزعم أنّها التُقطتْ فيه – أو ثبتَ لك عكس ذلك – أو استطعتَ أن تثبتَ أنّها التُقطتْ في العام الذي تبحث فيه وفي المكان الذي يمكنك التحقّق منه باستخدام صور الأقمار الصناعية، فلن تحتاج إلى أن تثق بأيّ شيء إلا بالصّورة نفسها.

بالطبع، يمكن تعديلُ الصّور على فوتوشوب ويمكن التّلاعب بها، ولكن هذه التعديلات تُكْتشفُ بسهولة غالبًا باستخدام التّقنيات الجنائيّة لتحليل الصّور بالنظر في كيفية توزيع “الشوائب” (noise) في الصورة. عندما تلتقطُ صورةً فوتوغرافيّة بكاميرا رقميّة، تحتوي الكاميرا على خاصيّةِ شّوائب كالحُبيبات (grain) متأصّلة في الصورة، وإذا عدّلت عليها باستخدام فوتوشوب فإنّه يغيّر حُبيبات الصّورة. قد لا يكون ذلك واضحًا مباشرة بالعين، ولكن إذا استخدمتَ برنامجًا للتّحليل الجنائيّ للصّور، سيكون بإمكانك اكتشاف هذه التّعديلات وستجمع المزيد من الأدلّة لتثبت مصداقيّةَ الصّورة حتّى لو كانت تحمل موقعها الجغرافي.

9 – قسّمْ عملك إن كنت تجمع الأدلّة للتّقاضي

لوغان ويليامز: العدالة والمساءلة منْ مهمّاتنا، ولكن قد يتعارض هذا أحيانًا مع دورنا كمؤسّسة إعلاميّة تنشر التّحقيقات. على سبيل المثال، رتّبنا عملنا لمعرفة حوادث الإصابات المدنيّة في أوكرانيا ضمن عمليّتين منفصلتين وفريقين منفصلين تمامًا. يركّز أحد فريقينا على العثور على هذه الحوادث بعد التعرُّف عليها وتحويلها إلى تقرير استقصائيّ يمكن نشره إما على موقعنا الإلكترونيّ أو بالتّعاون مع غرف أخبار أخرى. ولدينا فريق مختلفٌ تمامًا يأخذ تلك المعلومات، وقد يشمل ذلك الموقع الذي عثر عليه فريق البحث الإعلامي، ويتحقّق من المعلومات بشكلٍ مستقل، ويعمل على الموقع بشكلٍ مستقل، ويخزّنه بشكل مستقل، ويمكن لهذا الفريق بعد ذلك استخدام ذلك والعمل مع منظّمات العدالة والمساءلة – مثل المحاكم الجنائيّة الدّوليّة – بطريقةٍ مستقلّة عن مؤسستنا الإعلاميّة. وبهذه الطريقة، يمكننا أن نُبقي على تقاريرنا مستقلّةً عن إجراءات العدالة.

10 – ناضلْ من أجل الحقيقة

لوغان ويليامز: ابتُذلتْ فكرةُ الحقيقة إلى حدٍّ ما عند هذه المرحلة، لكنها قيمةٌ أساسيّة من قيمِ عملنا في Bellingcat. نؤمنُ أن هناك حقيقة يمكنُ اكتشافها في معظم الحوادث، ولا يعرف المرء بالضرورة إن كان كشفُ هذه الحقيقة وحدها سيؤدّي إلى محاسبة أحد، ولكنّها خطوة أولى ضرورية نحو المساءلة. يمكن كشف هذه الحقيقة من خلال التّحقيق، أو يمكن الكشف عنها من خلال جمع البيانات، أو من خلال تعليم شخصٍ آخر طرقًا تتيح له كشف الحقيقة في بيئته المحلية أو في عمله الصحفيّ الخاصّ. هذا ما نحاول القيام به في Bellingcat: نسعى لتحقيق المساءلة.

مارثا روبيو هي محرّرة القسم الفرنسيّ في GIJN. ، تقيم الآن في موطنها فرنسا بعد أن عملتْ لمدة خمس سنوات في إسبانيا والأرجنتين. عملتْ لمدّة عامين في فريق البيانات في صحيفة La Nación الأرجنتينية، ونشرتْ في Slate وLibération، وعملت كمراسلة في بوينس آيرس لصحيفة Le Figaro وMediapart.