2022-04-08 11:59
تنبع أهمية التغطية الصحفية لشهر رمضان من مدى اهتمام الجمهور في الدول العربية بهذا الشهر التاسع من التقويم الهجري "الإسلامي"، وتغطيته ليست بالجديدة، فمنذ أن نشأت مهنة الصحافة في عالمنا العربي، وطقوس شهر رمضان حاضرة إعلامياً، وكانت تُختصر بتهنئة المسلمين برؤية هلاله وخبر انطلاق مدافعه، ونشر إمساكيته.
كما حضرَ مدفع رمضان بشكل بارز في الصحافة العربية، ويعود ذلك إلى العصر المملوكي 859هـ/1439م، ليُعلن به بدء الصوم وانتهاؤه، قبل وجود الكهرباء والتكنولوجيا. ولا يزال شهر رمضان ينفرد بخصوصيته في التغطيات الإعلامية، بطقوس وعادات متميزة.
فيما يلي تأخذكم شبكة الصحفيين الدوليين في رحلة لمصر وفلسطين، تعرفكم خلالها كيف تنجزون قصصًا صحفية محترفة خاصة بشهر رمضان، تكون مؤثرة وناجحة، وفي نفس الوقت تحترم المواطنة وتنشر مزيدًا من السلام بين الجمهور العربي بغض النظر عن المعتقد.
في مصر
لشهر رمضان في مصر خصوصية كبيرة، فعلى أرضها ظهر أول فانوس خاص بالاحتفال برمضان، كما انطلق من عاصمتها أول صوت لمدفع ينبه الناس لموعد الإفطار، ولا يكاد يخلو شارع من شوارعها من الزينة التي يعبر بها شعبها عن فرحته بقدوم هذا الشهر، كما تشتهر هذه الدولة بأنّها في مقدّمة الدول التي تنتج مسلسلات تلفزيونية في هذا الشهر. لذا ليس غريبًا أن تتسابق وسائل الإعلام المصرية على تقديم محتوى خاص برمضان.
قصة وصورة وزاوية إبداعية
يرى الصحفي والمصور المصري عبد الله عويس، الحائز على جائزة دبي للصحافة العربية، عن فئة الشباب، في دورتها العشرين، أنّ الزاوية الإبداعية هي أهم ما يجعل القصص الرمضانية ناجحة ومؤثرة، مضيفًا أنّ قصص رمضان الصحفية تكون أجمل حين تكون مرفقة بصور معبرة عن حياة الناس في الشوارع، ويكمل أنه كلما كانت القصص أكثر إنسانية كلما وصلت لجمهور أكبر بغض النظر عن المعتقد.
يرى عويس أنّ الصحفي سينجح أكثر حين يقرر أن يصنع قصصًا من الشارع لا من خلف مكتب مكيّف في مقر صحيفته، فقصص البشر هي مفتاح السر لصناعة صحافة إنسانية مؤثرة عن شهر رمضان. ويشجّع عويس الصحفيين أن يتعلموا التصوير الفوتوغرافي سواء عن طريق الهواتف أو الكاميرات المحترفة، والنزول إلى الشوارع والإقتراب من الناس، للعثور على قصص تستحق أن تروى.
في شهر رمضان يفضل كثير من المصريين الجلوس في المقاهي بعد الإفطار، لكن في زمن جائحة كوفيد 19 اختلف الأمر، وقتها قرر عويس إعداد قصة بعنوان "عمال المقاهي بين إغلاق كلي وجزئي.. رمضان كورونا"، حاول من خلالها أن يقترب أكثر من عمال المقاهي ليعرف كيف غيّرت الجائحة أحوالهم.
يشرح عويس أنّ هموم الناس وأحوالهم يمكن أن تكون خيطًا لقصص صحيفة مؤثرة سيحب الناس التعرف إليها، لذا فهو يشجع الصحفيين على متابعة كل الأخبار السياسية والاقتصادية المحيطة بمجتمعاتهم، إذ يرى أنها يمكن أن توحي بقصص صحيفة مهمة.
وفي العام 2018، أعدّ عويس قصة عن عمال المطاعم في شهر رمضان، حاول من خلالها أن يعرف كيف يتناول هؤلاء العمال إفطارهم أو سحورهم بينما يقومون بمهام عملهم في رمضان، وحملت القصة عنوان "عمال المطاعم فى رمضان.. الإفطار متأخرًا على كوب ماء".
ويشير عويس إلى أنّ التفكير في المهمشين يمكن أن يقودنا لصناعة قصص صحفية ناجحة، لذلك يطلب من الصحفيين التفكير في أحوال جنود رمضان المجهولين من العمال والحرفيين، فبالتأكيد هناك أفكار رائعة وإنسانية من عوالمهم غير المعروفة ستهم أكبر عدد من الناس.
"حتى مشاعر البهجة التي تظهر في احتفال الناس بقدوم رمضان يمكن أن توحي لنا بقصص صحفية ناجحة"، هكذا يقول عويس ويضيف أنه في العام 2019 قرر الخروج من حدود القاهرة وتوجه إلى قرية مصرية معروفة بأن أهلها يقومون بصناعة فانوس رمضان ضخم كل عام على شكل مسجد، فأراد أن يعرف سبب عشقهم لهذه العادة، وكيف يجمعون تكاليف هذا المجسم الضخم، وكانت النتيجة قصة صحفية بعنوان "بكاء طفلة السبب.. احتفالات البراجيل برمضان تبدأ بمجسم مسجد وتنتهي بالاحتفالات".
عبد الله عويس أنجز قصة أخرى ظهرت فيها المواطنة بشكل واضح، وهي قصة أسرة مصرية مسيحية تبيع الكنافة والقطايف لأهالي منطقة شبرا في القاهرة طوال شهر رمضان. كما ذكر عويس قصة مؤثرة أنجزها تتعلق بمواطن مصري مسيحي يدعى العم "محروس"، اعتادَ أن يصوم شهر رمضان مع المسلمين كل عام.
قصص إنسانية من الحاضر والماضي
يقول الصحفي المصري رحاب الدين الهواري، مدرب الكتابة الصحفية بمركز تدريب صحيفة "المصري اليوم"، إن القصة الصحفية الناجحة يجب أن تتسم بالحيوية والديناميكية، ويكمل أنّ صناعة قصص صحفية ناجحة تخص شهر رمضان وتتناول رموزه وعاداته المهمة مثل صناعة الفوانيس، وأفران الكنافة في المناطق الشعبية، وزينة رمضان، وموائد الرحمن، وغيرها، يحتاج منا أن نجعل هذه القصص أكثر إنسانية، وليست مجرد عرض لمعلومات جامدة.
وبحسب الهواري، وهو كذلك المعد الرئيسي لبرنامج "حكاوي القهاوي" التلفزيوني الذي يعرض في رمضان هذا العام على شاشة التلفزيون المصري، فإنّ عملية البحث عن نماذج إنسانية مميزة هي مفتاح السر حين يتعلق الأمر بصناعة قصص صحفية ناجحة، ويعطي لنا مثالًا عمليًا بقصة عم "جميل بنايوتي"، المواطن المصري المسيحي الذي يعيش في حي شبرا بالقاهرة، والذي يُعتبر نموذجًا عمليًا ناجحًا لصناعة قصة صحفية رمضانية تنشر التسامح والسلام في المجتمع، فهذا الرجل اعتاد منذ أكثر من 35 عامًا أن يعد مائدة إفطار طوال شهر رمضان، يشارك فيها كل أهالي شارعه من مسلمين ومسيحيين.
ويضيف الهواري أنّ توثيق أي معلومة بشكل دقيق هو أمر مهم، ويستدعي بحثًا جادًا في أرشيف الصحف، وفي الكتب والمراجع، وربما الاتصال بمصادر المعلومة الرئيسيين، إن كانوا على قيد الحياة. ويذكر الهواري أنّ صياغة قصص ناجحة يحتاج لكلمات ومرادفات أكثر تسامحًا، وأكثر انسانية، وبعيدة كل البعد عن العنصرية والتمييز.
ووفق الهواري، فإنّ عملية البحث الجاد يمكن أن تقودنا لقصص مبهرة أخرى تصلح للنشر في شهر رمضان، حتى وإن لم تكن تتعلق بشهر رمضان بشكل مباشر، مثل قصة المسجد الذي بناه مصري مسيحي في محافظة بني سويف المصرية بصعيد مصر.
"إنها قصة قديمة تعود لعقود مضت، لكنّ إعادة تقديمها بأسلوب عصري لجيل جديد من القراء يمكن أن يدعم فكرة المواطنة، وأن يدعو للتسامح ورفض التمييز"، يقول رحاب الدين الهواري لشبكة الصحفيين الدوليين.
في فلسطين
نجد اليوم أنّ تغطية شهر رمضان في فلسطين قد اتسعت سواءً في الإعلام التقليدي أو الرقمي، وصارت القصص الإنسانية ترتبط بشكل وثيق بخصوصية هذا الشهر دينيًا وما ينعكس على الجانب الاجتماعي في حياة المواطنين المسلمين.
يقول الصحفي الفلسطيني علاء الحلو لشبكة الصحفيين الدوليين: "ما تمرّ فيه فلسطين من حياة سياسية وتحديات اقتصادية صعبة، يجعل شهر رمضان مختلفًا عن بقية الدول العربية"، وينصح الحلو الصحفيين المُقدمين على تغطية طقوس شهر رمضان، من خلال تجربته في الكتابة الصحفية والتقارير الإنسانية، لعدد من المواقع الإعلامية المحلية والدولية بما يلي:
قابلنا كذلك المصور الصحفي سليمان حجي، الحائز على جوائز دولية منها: جائزة لجنة التحكيم في مسابقة موقع "AIRVUZ" العالمي المختصّ بالتصوير الجويّ وتغطية الأحداث لعام 2018، وجائزة التصوير الجوي الدولية عام 2019، وهو صاحب شركة High Quality الإعلامية، وأكّد على أهمية نقل طقوس وتحضيرات المناسبات عموماً، ولشهر رمضان الحصَّة الأكبر، حيث أنه مليء بالتفاصيل التي يمكن للصحفي تغطيتها فوتوغرافياً ومن خلال الفيديو.
القصص لا تُحصى في رمضان، يقول حجي: "بإمكان الصحفي تصوير التحضيرات التي يقوم بها الجمهور من أغذية وزينة وجلسات المديح والزيارات العائلية الرمضانية بما يُبرز ما يقوم به الناس، ونقل أجواء رمضان العامة، والهدايا الرمضانية وصلاة التراويح وقراءة القرآن والأسواق وشراء المستلزمات". ويُتابع حجي: "بشكل عام، يحاول المصور أو الصحفي أن ينتج قصصًا تحاكي أيام شهر رمضان والأمور اليومية المرتبطة بهذا الشهر".
يُشدِّد حجي أنّ النصيحة الأبرز للمصورين هي التركيز على إيجاد قصة بفكرة جديدة ونمط آخر لم يتم التركيز عليه سابقاً، بحيث يتم الأخذ بالاعتبار أن ننقل الصورة الأجمل للجمهور وأن تحمل روحًا إيجابية لأجواء رمضان مُفعمة بالفرح. ويُضيف: "ليس المهم التركيز على التقنيات الحديثة أو معرفتها بقدر التركيز على روح القصة والفكرة، ولعلّ أهم التقنيات، الصور الجوية وتصوير الموبايل".
الفكرة في تصوير أجواء رمضان هي أنها تمثل ثقافة واختلافًا من مكان لآخر، يُعرِّف الجمهور في كل العالم على أجواء وطريقة احتفال المجتمعات المسلمة في كل دولة ومدينة، ومن المهم تعريف الجمهور بأهم المعالم الأثرية والدينية، والطقوس التي تجري بها في شهر رمضان، فمثلاً: في قطاع غزة، المساجد الأثرية ككاتب ولاية، المسجد العمري، قلعة برقوق، والمساجد القديمة في منطقة الساحة، وقصر الباشا، كذلك الأسواق الشعبية كسوق الزاوية المعروف جدًا في غزة، بحسب حجي.
يمكن الاطلاع على بعض نماذج التغطيات الصحفية حول رمضان فلسطينياً:
أجواء رمضان في فلسطين على مر العصور والتاريخ
تدهور الاقتصاد ينهك أسواق غزة قبل رمضان
كم عدد ساعات صيام شهر رمضان 2022 في فلسطين
شهر رمضان في الأمثال الشعبية الفلسطينية
رمضان زمان.. فلسطينيون يتذكرون عاداتهم القديمة
تقرير مرئي: المخللات.. حضور دائم على مائدة رمضان
إنفوجرافيك / إجراءات مواجهة فيروس كورونا في قطاع غزة خلال شهر رمضان المبارك
نماذج لتصوير الصحفي سليمان حجي:
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة يان أوربا
المصدر: أماني شنينو ومصطفى فتحي- ijnet