التفكير خارج الصندوق: لماذا؟ كيف؟ ومتى؟

2022-01-28 10:52

التقارير

إن عيش الإنسان في حياة تتكرر أفعاله فيها ونشاطاته كما هي، ضمن برنامجٍ يوميٍّ يبدأ في تطبيقه منذ الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم هو بمثابة موت بطيء لحياة الإنسان ونموّ عقله وتطوّره وانتقاله من حالٍ إلى أفضل. لذلك، ومن أجل الشعور بقيمة الحياة والسعي دائمًا نحو تجريب ما لم نمرّ به من قبل، على الإنسان أن يسعى دائمًا للبحث عن أمر جديد لكن مفيد وبنّاء كي يضيف لحياته بعضًا من المعاني الإنسانية والبشرية.

وعادة ما نسمع دائمًا جملة تُستخدم في لحظات الابتكار والتجديد وتشجيع أحدهم على القيام بالإنجازات وهي: "فكّر خارج الصندوق". وهي جملة لطالما ظهر أثرها في الكثير من جبهات العمل وبانت نتائجها بشكلٍ واضح.

فماذا نعني بالتفكير خارج الصندوق؟

ولماذا نسعى لهذا التغيير؟

وكيف يتمّ هذا؟

قد يبدو السهلُ صعبًا لأحدهم، أو يبدو الصعب سهلًا لآخر؛ وذلك بحسب من يجدر به القيام بالعمل، ووفقًا لقدراته وتوجهاته وما يميل نحوه. لقد جربنا جميعًا شعور أن نُعطى أمرًا سهلًا للقيام به، فنشعر أننا عاجزين عن القيام بذلك. هذا ما شعر به لاعب الفوتبول مثلًا عندما تطلب منه أن يرقص الباليه أو تسأل مدرس الرياضيات أن يشرح درسًا باللّغة العربية لغير الناطقين بها. قد يبدو الأمر سهلًا لأحدهم، لكن صعبًا ومعقدًا وغير قابل للإنجاز لشخصٍ آخر.

وهذا ما ستشعر به تمامًا عندما يأتي مدير العمل ليطلب منك التفكير خارج الصندوق وتقديم الأعمال الإبداعية وابتكار ما هو جديد ومفيد. لن يبدو الأمر بهذه الصعوبة عندما يتفوّه أحدهم بالفكرة هذه والتي تدعو فعليًّا إلى التشجيع والسعي  نحو الأفضل. لكن في الحقيقة، عليك أن تعلم كيفية خروجك من الصندوق الذي يحيط بك، وأين تتوجّه عندما تخرج منه، وكيف تعود إليه؛ ففي نهاية المطاف عليك أن تعود إلى داخل هذا الصندوق حتمًا حيث يشكّل مكانك الأصلي الذي يعبّر عنك. كلُّ امرءٍ منا يعيش داخل صندوقه الخاص.

أوّلًا، علينا أن نسأل: لما يتوجّب علينا الخروج من هذا الصندوق الذي يحيط بنا؟

نشعر في داخل محيطنا بنا بالأمان حيث تتقارب وجهات نظرنا بل غالبًا ما تتوحّد في هذه البيئة الضيّقة إن صحّ التعبير. عندما يخرج أحدنا من هنا، إنّه يخاطر بسمعته الذي عمل طوال حياته كي يبنيها ويحافظ عليها. بذلك، يتحدّى الممنوعات، لذلك يجب أن تُتّخذ هذه الخطوة.

وهنا يسأل الكثيرون أنفسهم، لما هذه المخاطرة؟ هل الخروج من هذا الصندوق شيءٌ فاخر يندرج تحت كماليات الرفاهية؟ أم أنه حاجة وضرورة؟ فلننظر جميعًا إلى طبيعة الحياة التي نعيش بها وطبيعة استمرارها. إننا نعيش في جمعٍ نتشارك فيه الأفكار نفسها، الأفكار التي نملكها جميعًا. وهذا أمرٌ خطير. إن كنّا جميعًا نملك المعلومات والمعطيات نفسها، إذن ما الذي يميّزنا عن بعضنا البعض؟ وأين كرامتنا التي تميّزنا كإنسان؟ 

يعتمد الأمر هنا فيما نشكّله أو نبينيه أو نقوم به انطلاقّا من هذه المعلومات الموحّدة والمُشتركة. وهنا نستنتج أن التفكير الخلّاق والتفكير خارج الصندوق ليس من الكماليات أو شكل من أشكال الرفاهية، بل إنه حاجة أساس وضرورة من أجل تحقيق كرامتنا الإنسانية.

والسؤال الأكثر طرحًا والأكثر إثارة للاستهجان والذي يجب أن تُعرف إجابته هو:

عن أي صندوق نتحدّث؟

ماذا نعني بالصندوق؟

ليس المقصود بالصندوق هنا أن نفكّر خارج عقولنا، بل تخطّي الحدود الموجودة في داخل عقولنا. إنها الحدود التي تفصل بين ما نعرفه وما وَصَلنا من معلومات، وبين ما لم يصلنا بعد أو لم نفكّر به حتّى الآن. إنها ظاهرة منبثقة من آلية معقدة وهي العقل. يبدأ عمل العقل بما حصل عليه من شروط وراثية لم يختارها. لكن على المقلب الآخر، يوجد شروط حدودية تحيطنا كالتجارب التي مررنا بها، والسنوات التي أمضيناها في المدرسة والجامعة، لاكتشاف ما يؤمن به الآخرون وما اكتشفوه ووصلوا إليه. يحوي الصندوق كل ما وصلنا من معتقدات وعادات وتقاليد وأعراف اعتدنا عليها وموروثات. ثمّ تأتي بعد ذلك تجاربنا المباشرة الخاصة التي تتضمن نجاحاتنا وما فشلنا به حتى وصلنا إلى اكتشاف ومعرفة أنفسنا.

لقد ساهم كل هذا في بناء هذا الصندوق الذي نعيش فيه والذي يشبه بيت النمل حيث نستشعر الأمان ونشعر به في خلال تواجدنا به، ويبدو كل ما في الخارج غير مرئي لنا. وهذه هي النقطة الفاصلة والصعبة حيث يبدو كل ما في الخارج خطرًا وغير مألوف بسببها.

إذن كيف يمكننا التفكير خارج هذا الصندوق حقًّا؟

إن الحقيقة واضحة كالشمس لمن يريد الاطّلاع عليها، إنها جميلة وجاذبة لكن لن يرى جمالها إلّا أولئك الذين تشكل الحقيقة لهم عاملًا جاذبًا ومثيرًا للاهتمام. لا يجدر على المرء أن يجلس منتظرًا حبّة من التفاح أن تسقط على رأسه كي يكتشف ماهية العالم وحقائقه كما فعل أحدهم يومًا، فليست الفرص متشابهة دائمًا، بل يفترض على الفرد أن يسعى للوصول إلى الهدف المنشود.

1- لدينا أفكار متعدّدة، وهي مجموعة من الأفكار المتقاربة والسائدة لدينا نوعًا ما. مثلًا، بمجرّد التفكير بأمر ما، يظهر في مخيّلتنا مجموعة من الاختصاصات والصور والمتطلبات، وتجري أمام أعيننا طريقة عمل هذا كما اعتدنا عليه سابقًا فقط لأننا اعتدنا عليه هكذا. وإن كنا نرغب في التفكير خارج الصندوق، علينا أن نسعى هنا لزيادة القليل من "البهارات" على العمل أي أفكارًا تتعدى المعلومات المتقاربة التي لدينا كفكرة خاطئة تُبعدنا قليلًا عن المعهود، أو فكرة غير مألوفة أو غير مُعتاد عليها. وهذا ما نسميه بالمعلومات المتباينة التي نحتاج إلى القليل منها من أجل قطع الحدود التي تفصُل بين ما نعرفه وبين ما لم نتعرف عليه بعد أو نحصل عليه من معلومات.

ولأننا لم نكن قد اعتدنا في السابق على هكذا نوع من التفكير أو مكان أو معتقد، ينتابنا تلقائيًّا شعورٌ يدعونا للتراجع إلى الخلف لأن هذا لن يجدي نفعًا، ويدفعنا للعودة إلى صندوقنا الذي يُشعرنا بالأمان بعيدًا عن هذا المكان غير المألوف. إنّه إغواءٌ علينا مقاومته وعدم الخضوع له.

 

2- لقد اعتاد الجميع وفي العادة على العمل على مصطلحات معينة كالتفكير اللّامع، أو التفكير السريع والعميق، لكننا لا نعطي أهمية كبيرة "للتفكير البعيد". إنها طريقة التفكير التي تحمل المرء لتفاصيلٍ بعيدة عن الظاهر وحده، تمامًا كالشعر والموسيقى حيث نسعى دائمًا للخوض في المعاني والمقصود من خلال التركيز على ما كُتب بين السطور من دون الحكم على كلماتها وأنغامها منفردة. التركيز الأهم هنا هو ما يصل للأفكار ويحملنا بعيدًا عن الواقع المعروف. هذا تمامًا  ما يجب أن نفعله مع أفكارنا والمحتوى لدينا. علينا أن نقوم بمزج الأفكار ودمجها واستنباط القواعد والقوانين وتطبيقها حيث لم تُطبّق من قبل. فكّر بطريقة خلّاقة وابحث عن البدائل لأن التفكير الخلّاق يجعلك تدرك أنه ما من جوابٍ واحدٍ لجميع التساؤلات، بل إن الأجوبة متشعبة ومتعددة بحسب كلّ امرءٍ وعقله؛ يوجد الكثير من البدائل. ومن أكثر النقاط أهميةً هو عدم قتل هذا الدافع في داخلنا. من الطبيعي أن يشعر الإنسان عندما يبتكر فكرةً جديدة أو يشرف على أمر لم يفعله في السابق أن يشعر بعدم الارتياح لكونه لم يكن سابقًا بموقع المبتكر وصاحب فكرةٍ ما. كما وأنه من الصعب عليه تحديد نجاح الفكرة أو الخطوة أو فشلها؛ فبمجرّد نجاحها يعتبر أو يقول أن أحدًاما قام بها سابقًا إذن. إنها آليات طبيعية يقوم الإنسان من خلالها بقتل بأفكاره وتدميرها ومنها حين يقول الإنسان لنفسه:" من أنا كي أكون مخترعًا أو مدير فكرة ما."

علينا دائمًا أن نسعى في هذه الحالة للربط بين الفكرة الجديدة وأفكارنا الأساس، أو تقدير الفكرة الجديدة بحدّ ذاتها، أو ربما رؤية الأمر كحل لمشكلة أُخرى لا تعانيها أنت بل يعانيها غيرك؛ الصدف تحصل دائمًا لكننا نحتاج عيونًا بصيرة دائمًا كي نرى ذلك.

 

لكن، هل جميع الأوقات مناسبة للتفكير خارج الصندوق؟

 

إن التوقيت يعتمد على طبيعة البيئة أو المجتمع الذي يحيط بالفرد. فتواجد أحدهم في مجتمع يعاقب المختلف ويرفضه فقط لخروجه من الدائرة المعهودة لن يجعله مندفعًا لخوض معركة ابتكار جديدة ولا الخروج من الصندوق الذي يعيش فيه. فالبدء بفكرة ما تعني تحدي من يحيط بك، ولا أحد يريد مثلًا أن يُغضب صاحب عمله أو يصبح منبوذًا في المجتمع. لكن، إن كان المجتمع أهلًا للابتكار وذي أرضيّة خصبة للأفكار الجديدة الخلّاقة، فهذا مسرح عملك وخطوتك الأولى والأكثر أهميةً لعرض الأفكار المتباينة والمعلومات التي لسيت ذي صلة. لكن الحالة الأولى لا تعني عدم المحاولة، بل يجب المحاولة والسعي نحو الأفضل في جميع الحالات ومختلف أنواع المجتمعات مع توخّي بعضًا من الحذر الاجتماعي.

 

 

 

المصدر:

 

Creative Thinking, How to Get out of the box and generate ideas, March 11, 2014

 

 https://youtu.be/bEusrD8g-dM