"النقاش" عبر مواقع التواصل الاجتماعي: دفاع مسبق الأهداف أم تحقيق لمنفعة؟!

2022-01-25 09:26

التقارير

تختلف أهداف الناس تجاه الكلمات التي يتفوهون بها سواءً أمام أنفسهم أو أمام الآخرين ممّن يعرفون جيّدًا أو لا يعرفون. لكن، عندما مثلًا، لا يُولّى حديث الإنسان مع نفسه أهمية كبيرة من حيث صحة المضمون وهدفه وطريقته تمامًأ كالحوارات أو النقاشات التي تجري في العلن ومع أعدادٍ لا بأس بها من الناس. فعادة ما تدور بين الناس نقاشات مختلفة بعدّة أشكال ولعدّة غايات مع اختلاف رؤية المرء لهذا النقاش وطريقة تحديد الطريقة  والهدف طبعًا.

واليوم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بات من السهل على الفرد نشر ما يريده والتعبير عمّد يودّ من أفكاره وآراءه وبالتالي تحوّل بعض المنشورات إلى ساحات حوار من خلال التعليقات أو الخاص. لكن ليس هنا أيضًا تكمن الفكرة؛ إنها تكمن في تحوّل نقاش المجتمع إلى طريق يسلكه الكثيرون من أجل فرض أفكارهم ومواقفهم وأحيانًا بطريقة تتمثّل بالعنف، الأمر الذي يؤدي إلى تحول النقاش بين طرفين أو أكثر من وسيلة لتوضيح وجهات النظر وعرض الأفكار بطريقة حضارية وتقبّا الآخر كما هو في الحقيقة وليس كما ظنناه نحن…. إلى ساحة مواجهة حيث يهدف كلا الطرفين إلى الدفاع عن موقفه حتى في حال عدم تأكده من صوابها بدل السعي إلى تحقيق المنفعة العامة وتقريب وجهات النظر المختلفة.

يظن طرفا الحوار أن نجاح نقاشهم يكمن في إقناع الآخر المعارض لموقفه في نهاية المطاف بوجهة نظره. وهذا خطأ بالإضافة إلى كونه السبب الأساس لفشل معظم الحوارات. وبالتالي، ومن أجل تحقيق أهداف الحوار ونجاحه، على كلا المحاورين القيام ببعض الخطوات الضرورية قبل البدء بالنقاش وفي خلاله:

 

  1. عدم الحكم مسبقًا عن الآخرين: أن نقوم بالتعامل مع الآخرين والحكم عليهم وفقًا لما لدينا من أفكار مسبقة وحكم على مواقفهم وآرائهم لن يؤدي إلّا إلى فشل الحوار وعدم تحقّق الاستفادة وبالتالي سيستمر الطرفان بالتصرّف كأن الآخر متّهم ويجب جلده.

 

  1. انطلاقًا من النقطة الأولى، ادخل إلى ميدان الحوار بتجرّد وموضوعية: أن تقوم بالاستماع إلى آراء مختلف الأطراف وفهم وجهات نظرهم الحقّ سوف يساهم في وضوح الرؤية للطرفين حول مواقفهم. عندما تتّضح الرؤية‘ يسهل على الكثيرين القدرة على تقييم الموضوع بطريقة موضوعية والتحيّز وفقًا للحقائق والمعلومات المطروحة وليس وفقًا لما نعرفه سابقًا أو ما نودّ الاقتناع به.

 

  1.   أخذ القرار بالاستماع وليس المعارضة فقط: عندما تدخل أي نقاش أو حوار ما سواء أكان بغرض التسلية أو السياسة أو التثقّف أو الحصول على المعلومات أو غيرها، عليك أن تقرّر مسبقًا وأن تأخذ على عاتقك مسؤولية الاستماع إلى الآخر والإنصات له. وهذه الخطوة تُعتبر من أهم الخطوات التي تساهم في تسهيل عملية الحوار بين مختلف الأطراف وتبادل الاحترام. ففي القانون الطبيعي ووفقًا لما تمليه الأخلاق البشرية على الجميع، لا بُد لك أن تستمع إلى من يستمع إليك كي تردّ بعضًا من معاملته الأخلاقية وعملًا بمبدأ مقابلة الإحسان بالإحسان. بهذا، يؤسس المتحاورون لأحد أهم الأسس الضرورية والمطلوبة لاستمرارية الحوار ونجاحه.

 

  1. مصداقية القول: تعني المصداقية أن يقوم الفرد بالاستعانة بالأرقام والدراسات والتحليلات المنطقية من أجل إيصال فكرته. فعندما يقول أحدهم أنا أؤيّد الفكرة الفلانية أو أفضّل السير في الطريق الفلاني، فهذا يجب أن يكون مبنيًّ على خوات ونقاط تدعم هذا التوجّه وإلّا ظهر موقفك أنه مجرّد رأي لا يحمل المصداقية ولا حتى تضييع الوقت معه بالأخذ والردّ.

 

  1. التواصل غير الللّفظي في خلال الحديث: يتمثّل هذا التواصل في بعض الخطوات التي تظهر للمتحدّث اهتمامك لما يقوله. على المستمع، وكجزء أساس من تحقيق مهارات الاستماع الجيّدة، أن يتظاهر بتركيزه الحادّ حتى لو لم يكن كذلك من خلال الخطوات الآتية: ترك الهواتف المحمولة جانبًا، الحرص على التواصل بالعين، الجلوس بطريقة تجعل شكل الجسم ووضعيّة الجلوس نحو المتحدّث.

 

  1. التواصل اللّفظي: يتضمن التواصل اللّفظي خواتٍ عدّة أهمها المشاركة في الحديث والنقاش وعرض الأفكار ووجهات النظر. لكن، من أهم ما يمكن للفرد القيام به للمشاركة اللّفظية هو طرح الأسئلة على المستمع والمحاور وذلك بهدف إظهار إعطاء اهتمامًا لمختلف التفاصيل حول الفكرة الأساس. ومن أهم الطرق لتحقيق النفع من طرح الأسئلة هي الآتية: اطرح سؤالًا مهمًّا يحتاج لجواب عميق ومشعّب، ليس بالمعنى الصعب، بل لضمان طرح المُحاور للتفاصيل والأدلة والإسهاب في عرض فكرته. في هذه الحالة، كل ما يجدر عليك فعله هو الاستماع والإنصات وإفساح المجال للآخر للتحدّث، الأمر الذي سيزيد من ثقة الطرفين بنفسهما.

 

  1. الإجابة على الأسئلة: من آداب الحديث أن يقوم أحدنا بالإجابة عن الأسئلة التي تطرح علينا وذلك كوسيلة لاحترام الآخر وأنفسنا وبالتالي استغلال الفرص من أجل تبرير موقفنا ووجهات النظر المختلفة لضمان فهم جميع الأطراف بعضها البعض.

 

إنّ تحضّر المجتمعات والأمم لا يُقاس فقط بالعلم والتكنولوجيا ومواكبة عصر التطور، بل يشمل أيضًا وفي المراتب الأولى تقبّل الناس لآراء بعضهم البعض والحرص على النقد البنّاء والحوار السليم من أجل توضيح الأفكار وشرحها وإيصال جهة النظر المختلفة إلى الآخرين وإقناعهم بها. بذلك، على الجميع أن يضعوا نصب أعينهم أهدافًا مثمرة للحوار. فخوض نقاش ما فقط لغرض معارضة الآخرين ومخالفة وجهات نظرهم، والخروج منتصرًا في نهاية المطاف بعد إقناع الحاضرين بأفكارك لن يخدمك في شيء بل سيجعلك فاشلًا دائمًا. فأهمية الحوار لا تكمن في إقناع الآخر بتبنّي وجهة نظرك الخاصة، بل تكمن في القدرة على إقناع الآخر بأسباب تأييدك لموقفٍ ما والاقتناع به لكن من دون تلنّيه. بهذا، تخرج من الحوار منتصرًا في جميع الأحوال، أكثر ذكاءً، وأكثر جاهزيّةً لمواجه العالم.

 

 

المصدر:

How to really listen to people, Jordan Peterso, August 13, 2019

https://youtu.be/oBoAATtxrw8

 

Active listening skills, Alex Lyon, June 16, 2020

https://youtu.be/7wUCyjiyXdg