إن الصوت البشري هو الصوت الأقوى في العالم، القادر على خرق الجماجم والقلوب وإحداث التغيير الأعظم. إنه السلاح الأكثر فتكًا في وجه أصوات الجهل والانحطاط. إنه الموسيقى، والقلم ذو الوقع الأعظم. لكن أحدٌ لا يقدّر هذه النعمة بالطريقة الصحيحة، ولا يستخدمها كما يجب. بالكلمة قد تبدأ حربًا أو تنهيها، أو تبني حبًّا أبديّا…فالأمر يقوم دائمًا على اختيارك للكلمة، وطريقة قولها، ورسم الهدف من وراءها. قد يقوا أحدهم كلمة واحدة فترى عيون الجمع شاخصة نحوه وجميع الآذان مصغية له، في حين يتكلم آخر لساعات، فلا ترَ من يهتم لأمره.
فما الأسباب التي تقبع خلف ذلك؟ وكيف نجعل الكلمة ذي وقعٍ مؤثّر؟
يرى المدرّب جوليان تريجر وهو المتحدث الدولي الأعلى تقييمًا في مهارات الصوت والاتصال أنه يجب التخلي عن بعض العادات السيئة التي تحول دون إيصال أفكارنا للجميع وجذبهم للإنصات إلينا والاقتناع بأفكارنا. ومن الجدير ذكره أنه ليس بالضرورة اعتبار هذه العادات بالمضنية، لكننا جميعًا نقع فيها من دون الانتباه أو عمدًا.
- النميمة: تعتبر النميمة من أبشع العادات التي قد يتبعها الفرد. وهي كتعريف، الكلام عن شخص بما لا يعجبه في خلال غيابه. ولهذه العادة نتائج سلبية عدّة أهمها أن تفقد ثقة المستمع لك. فمن يقوم الآن بالنميمة على أحدهم أمامك، قد يتحدّث عنك بما لا تهوى بعد 5 دقائق من مغادرتك أمام أحد آخر.
- الحكم على الناس: إنه من الصعب جدًّا أن تملك القدرة على الاستمرار بسماع من يوجّه لك الاتهامات ويتّخذ دور القاضي في الحكم على تصرّفاتك. فهذا الأخير ولو كان محقًّا، لن يستطيع بطريقته هذه جذب الناس إليه للاستماع إلى ما يقوله أو التاثير في الآخرين. بل على العكس، سيكون التأثير سلبيًّا للغاية.
- السلبية: يشعر الإنسان بإحباطٍ تام عندما يتمحور حديثه مع الآخر على مجموعة من المواضيع بطريقة سلبية مقيتة. فالآخر إن كان يملك أملًا ولو قليل في أمرٍ أو موضوعٍ ما، سيفقده مباشرةً وسيتخلّف عن الحديث مع الآخر المليء بالسلبية والتشاؤم.
- التذمّر: إن التذمّر فيروس مُعدي، يستطيع صاحبه نقله منه إلى آخر بطريقة تجعل من المجتمع مكانًا قاتمًا. فالتذمّر الدائم من مختلف المواضيع سواءً أكانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها، لن ينشر نور الشمس ولن يُضيئ العالم ولن يخلق لك الحلول… بل سيجعل تطلّعات الناس أكثر ظلمةً تمامًا كصاحب السلبية والنظرة التشاؤمية، وسيُبعد الجميع عنك.
- خلق الأعذار: بعض الناس لديهم دائمًا من يرمون فشلهم عليه. هؤلاء يشعرون بالنقص إن قاموا يومًا بالاعتراف بذنبٍ اقترفوه أو تقصيرٍ ما قد بدر منهم، رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة. هؤلاء يصعب أيضًا محاورتهم والاستماع إليهم، فحديثم لا منفعة منه حيث سيستمرون في تقاذف الأعذار من دون أي جدوى وتحوّل الكلام إلى حديثٍ بيزنطي.
- الكذب: لا يضرّ الكذب صاحبه فقط، بل يؤثر على المجتمع ككلّ حيث تُفقد ثقة الأفراد ببعضهم البعض. فمن يرغب بالاستماع إلى الكاذب؟ لا أحد طبعًا. فأثره معدي وخطير، على نفسه أوًلا بحيث سيصدق ما يقوله مع الوقت رغم علمه بعدم أصحّيته، وعلى محيطه والآخرين أيضًا.
- الغوغائية: وهي ميل الأفراد إلى وضع مبادئ محدّدة والادّعاء بصحّتها مئة في المئة من دون أي نظر إلى الأدلة أو البراهين أو آراء الآخرين. إن هذه النوع من التفكير يؤدي إلى خلط الحقائق مع الرأي صاحبه، بحيث يرى رأيه حقيقة صائبة لا تقبل الخطأ وبالتالي عند النقاش مع هؤلاء، سيكون الأمر شبيهًا بنقاش الرياح. ففي حين يقوم أحدهم بقصفك بآرائه التي يعتبره حقيقة، سيكون من الصعب جدًا الجدال مع هؤلاء أو حتى الاستماع إليهم لأن الأمر سيكون في غاية الاستفزاز.
إذًا، ما هي الحلول؟
يوجد بعض الخطوات التي يمكن اعتبارهم حجر أساس يوصل الأفراد إلى خوض نقاشات بنّاءة يكون الفرد من خلالها ذي صوت فعّال، لتحقيق القوّة واستخدام الكلمة كقوى وتغيير العالم إلى ما هو أفضل، ولو كان على نطاق الدائرة الضيّقة.
في اللّغة الانكليزية، يختصر المتحدّث هذه الخطوات بكلمة "Hail" وهي اختصار لخصالٍ أربع:
Honesty (الصدق)، Authenticity (موثوقية)، Integrity (نزاهة)، Love (الحب).
إنها خطوات بسيطة جدًّا، لا تتطلّب سوى القليل من العودة إلى فطرتنا الإنسانية الأساس. فهذه الخصال ستُسهم في في وصول الأفكار بطريقة واضحة وبمصداقية تامّة. فالإنسان عندما ينطق ببنت شفة عليه أن يكون مسوولًا عما يقول ويحرص دائمًا على عرض الحقائق وذلك بطريقة محبّبة. لكن ليس المقصود هنا بالحب الرومانسي، بل الحرص على عرض الأفكار بطريقة ودّية. فلا يجدر بالصراحة أن تكون مفرطة فيقول أحدهم للآخر "تبدو بشعًا هذا الصباح"… بل علينا أن نحرص على تقديم الفكرة بطريقة تشجّع المستمع على أن يلوذ بنا بدل أن الهروب منّا.
-
وهنا، يجب التأكيد أن ما يوازي ما تقوله أهميّةً هي الطريقة التي تلجأ إليها لتعبّر من خلالها عمّا تريد حيث يتوافر لديك مجموعة من الأدوات في داخل صندوق لم يستخدم الكثيرون بل لم يقوموا بفتحه حتّى لجهلهم بأهميته. لذلك، الجأوا إلى الأدوات الآتية لزيادة تأثير الكلام قوّةً:
- نبرة الصوت: إن اختيار المتحدث لنبرة صوته يجب أن تكون وفقًا للهدف. فالصوت يخرج من الأوتار الصوتية من خلال الفم، وأحيانًا من خلال الحنجرة أو الأنف. وهنا يحدد المحدث هذا مع تحديد ال volume أي درجة صوته لجذب المستمع وفقًا للطريقة التي يريدها.
- نغمة الصوت: إن صح التعبير، إنه شعور الصوت أي ما يشعر به الصوت عند خروجه. لقد أظهرت الدراسات أن الجميع يفضّل نغمة الصوت الهادئة والدافئة مثل كوبٍ من الشوكولا الساخن. إنها الطريقة الأفضل لجذب المستمعين وخطف قلوبهم. لكن إن تكن معتادًا على هذا فلا تقلق. يمكنك من خلال مجموعة من النشاطات والتمرينات أن تحسّن من تفاعلك هذا.
- علم العَروض: لإنه الصوت الغنائي الموسيقي، والانتقال من Tone لأُخرى في خلال الكلام. إنه لمن الممل جدًّا أن يقوم أحدهم بقول خطاب كامل من دون استخدام التحولات الصوتية. سوف يجعل هذا من المستمع في موقع ممل وبالتالي سيتوقّف عن الاستماع. مثلًا، لما قد يطرح أحدهم سؤالًا كطريقة قول أي جملة عادية؟ أليس في هذا غياب للانصاف اللّغوي؟
- سرعة الحديث: يمكنك قول حديثك بطريقةٍ سريعة وتشعر بالحماس والتشجّع، أو قوله ببطئ للتأكيد على تفاصيله. لكن، ماذا بشأن فترات الصمت؟ لا بس من ترك مقاطع صامتة في خلال الخطاب أو الحديث لترك مجال ولو قليلٍ من الراحة للمستمع والمتحدّث معًا.
- الكلام المنمّق: يشمل هذا ما ذُكر عاليًا في الرقم 2 أي نغمة الصوت. وفيها نقطة التأثير الأقوى والقدرة على التعبير عمّا يجول في الباطن وإظهار هدف المتكلم من الحديث أو السؤال. على سبيل المثال يمكن لأحدهم أن يسأل عن مفتاحه الضائع بطريقتين مختلفتين. السؤال الأول عر كلمات مبعثرة وكلام عالي اللّهجة يوضح غضب الشخص وعجلته، والثاني بطريقة هادئة أنيقة توضح برودة أعصاب صاحبها ولا مبالاته للأمر.
المصدر: