تقديم المساعدة لمحتاجيها خلال تغطية صحفية: هل سيكون الصحفي قادراً على نقل الصورة بموضوعية بعد أن أصبح أحد أطرافها أم يجب أن تغلب إنسانيته؟"

2021-11-19 12:35

التقارير

تتصارع ذات الإنسان بين ما تختزنه من خير وما شُبّعت به من شرّ، فيهزم الشر ما وُجد من خيرٍ مرّة، وتصارع فطرة الإنسان ذاك الشرّ مرّةً أُخرى فينتصر الحقّ. إن طبيعة الإنسان تقوده في معظم الأحيان للتغلّب على ما فيه من شر، لكنّه قد يكون أحيانًا في أحد المواقف أو المواقع التي تجبره على الامتثال لأوامر وتعليمات ما جاء لأجله، فتتضارب في نفسه حينها هذه الفكرة مجدّدًا. هل أتصرف وفقًا لما تقتضيه الفطرة الإنسانية؟ أم ألتزم بالتعليمات والأوامر المهنية ولو كانت في الخندق المواجه للخير وطبيعة الإنسان؟

عادةً ما يواجه الجميع مثل هذه المحاورات النفسية والصراعات الداخلية في حياتهم اليومية وبعض المواقف المهنية، لكن الأكثر عرضةً لذلك هم الذين يعملون على خط التماس، في الجبهات الأمامية مع الناس  ومعاناتهم وأوجاعهم في الميدان. فيرون معاناة الناس بأعينهم ويعيشونها ولو كان ذلك لفتراتٍ قصيرة.

ُتعتبر الصحافة من أكثر المهن بل أكثر المهن التي قد يواجه صاحبها في خلال تأديته لواجبات عمله مواقفًا إنسانية مختلفة تودي به إلى عيش هذا الصراع النفسي الداخلي بين الالتزام بالعمل أو طاعة الخير، علمًا أن الصحافة تُعتبر من أكثر المهن التي تهدف إلى الحفاظ على حقوق الإنسان ونشر الخير وإظهار الحق بمختلف الطرق، لكنها أحيانًا وبسبب وجوب وضرورة التزامها بالموضوعية والحياد قد تخدش القليل من متطلبات العمل الإنساني.

في شهر مارس/آذار من عام 1993 قام المصور "كيفين كارت" بالتقاط صورة فوتوغرافية لأحد أطفال جنوب السودان في منطقة أيود. تُظهر الصورة الطفلة في موضع الاتكاء على رأسها متعبةً من الزحف نحو أحد المراكز الخيرية التي تقدَم الطعام  بينما يترصدها نسر جارح. لقد أثارت هذه الصورة غضب الناس بعد أن نُشرت في جريدة نيويورك تايمز حيث قام الكثيرون بالاتصال بالجريدة للسؤال عمّا حدث للطفلة وكيف انتهى مصيرها.

واجه  المصور الحرّ كيفن انتقاداتٍ عدّة حول عدم مساعدته للطفلة ومد يد العون لها والاكتفاء بتصويرها ونشر الصورة وحسب. جاء الرد كالمُتوقّع، فالتعليمات المهنية تُجبر المصور في مكانه القيام بعمله ومغادرة الميدان فحسب. بالإضافة إلى ذلك، جاءت المعلومات قبل دخول الموقع بعدم لمس أي من الأطفال أو الموجودين وذلك خوفًا على سلامة الصحفيين والمصورين وجميع من في الكادر العملي. لقد حصل المصور كيفين فيما بعد على جائزة بوليتزر لكنها لم تُفرحه كما ذكر. وبحسب ما صرّح به أحد أصدقائه، اعترف كيفين له بندمه على عدم مساعدة الطفلة قائلًا "أشعر بالأسف لعدم مساعدتها، يا ليتني التقطتها وقدمت لها المساعدة". لم يمرّ الكثير من الوقت حتى قام كيفين بالانتحار بسبب ما عاناه من انتقادات وندم وأسفٍ عمّا حصل.

إنها أحد المواقف التي تُظهر مدى مأساوية ما يعانيه متخصصو العمل في ميدان عملهم كالمصورين والإعلاميين والصحفيين. وقد أظهرمثلُ المصوّر الحرّ القليل مما قد يواجهه هؤلاء. وبالمقارنة مع عمل الصحفي والإعلامي، فهذان الأخيران عملهما أكثر صعوبةً من المصوّر. فعمل هذا الأخير قد يقتصر على التقاط الصور أو التسجيلات ومغادرة الموقع، أما عمل الصحفي فيتعداه إلى التكلّم مع الناس ومحاورتهم والاستماع إلى شكواهم ومشاكلهم ومعاناتهم، وقد يستلزم الأمر أحيانًا البقاء معهم لعدة أيام أو شهور إن كان العمل الميداني يتطلب الملاحظة المباشرة لتحضير تقرير ما أو بحثٍ ما أو غيره.

والسؤال الذي يطرح هنا: كيف يتوجب على الصحفي التصرف في حال مواجهته إحدى الحالات الإنسانية؟ هل يبقى مكتوفَ الأيدي، صامتًا، التزامًا بتعاليم عمله؟ أم يمكنه القيام بعمله ثم تقديم يد العون؟

عبر الكثير من الصحفيين عن آرائهم ومواقفهم إزاء هذا الأمر في برنامج "Beat the Press" الذي تناول هذا الموضوع باعتباره أحد المعضلات الأخلاقية في الصحافة. طُرح السؤال عن طريقة تصرف الصحفي في حال مواجهته إحدى الحالات الإنسانية في خلال العمل. تناولت الحلقة كموضوعٍ أساس مقال الصحفي ديكلان والش الذي كتب عن أزمة المجاعة في اليمن عارضًا صورة إحدى الفتيات التي تظهر بجسدٍ هزيلٍ وضعيفٍ من شدّة الجوع. أثارت هذه الصورة استياء العلن فطرحوا سؤالًا مشابهًا للسؤال الذي طُرح على المصور أعلاه. "لماذا لم تفعل شيئًا لإنقاذ حياة الفتاة أمل"، أرادوا أن يعرفوا: هل قمنا للتو بالتقاط الصورة وإجراء المقابلة والمضي قدمًا؟ ألم نتمكن من ضمان حصول عائلتها بطريقة أو بأخرى على المساعدة؟

قال ديكلان والش، "بالنسبة لمراسل، فإن ذلك يخلق معضلة أخلاقية للملأ. يسافر الصحفيون ومعهم حزم من العملات الصعبة، عادة بالدولار، لدفع تكاليف الفنادق والنقل والترجمة. جزء صغير من هذا المبلغ قد يقطع شوطًا طويلاً لعائلة جائعة. هل يجب أن أتوقف قليلًا وأضع دفتر الملاحظات وأعرض المساعدة؟ ذكر والش أن الصحفيين يُدرَّبون على إدلاء الشهادة وإغاثة العاملين، أمَا الأطبّاء فيتولون مهمة مساعدتهم. علّقت إحدى الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي "يمكن نقل الخبر وتقديم المساعدة في الوقت نفسه، فأحد هذه الأدوار لا يلغي الآخر".

أجاب ضيوف البرنامج بطرقٍ مختلفة. ذكر دان لوثيان المراسل السابق ل "سي أن أن" البيت الأبيض قصّة المصوّر كيفين وقال "في هكذا مواقف يتوجّب على الصحفي طرح بعض الأسئلة على نفسه:

  • هل أنت الشخص الوحيد في المكان الذي يمكنه تقديم المساعدة في تلك اللحظة؟
  • هل تحتاج الحالة إلى المساعدة حقًّا؟

إن رسالتنا كصحفيين تكمن في نقل القصة بطريقة عادلة وحقيقية.

فإن لم تكن وحدك هناك مع الحالة التي تحتاج للمساعدة، لا بد أن تُكمل عملك إذًا وأن تعمل وفقًا لهدف تواجدك الأساس هناك، أي نقل الصورة والهدف."

أما دانك كينيدي من جامعة نورث إيسترن، فقال، " إنّ كل صحفي يرى نفسه قادرًا على تقديم المساعدة، حتمًا سيقوم بذلك. لكن، الأكثر أهمية هو الهدف الذي وُجد من أجله الصحفي هناك، مهمّته الأولى: نقل القصّة وإخبارها للناس. فهذا أفضل ما يمكنه الصحفي تقديمها إلينا."

عبّرت ليلى ألفونسيه وهي مراسلة أخبار الولايات المتّحدة والعالم بسؤالها، "ما الذي سيحدث بعدها؟ عندما يجد الصحفي نفسه في هكذا موقف، فيقدمّ حفنة من الدولارات وحسب للمساعدة، فهل يكون قد أوصل رسالته حقًّا؟ هل حصل على ما يجب أن يقدمه للملأ؟ هل سيكون قادرًا على نقل الصورة بموضوعية بعد أن أصبح أحد أطرافها؟"

قد تختلف الآراء حول موضوع مد يد العون من الصحفي إلى من يحتاجها في أثناء القيام بالعمل، لكنّ الإنسانية لا بدّ أن توحّدهم إن كانوا على مقربة من الحالة الضعيفة. إن أخلاقيات الصحفي والصحافة تحتّم على الصحفي تقديم يد المساعدة إن كان لا بدّ من ذلك، لكن من دون المساس بموضوعية مهنته ونقل الصورة الحقيقة.

إن اختار الصحفي المساعدة، فهذا يدل على حسن أخلاقه وتعاطفه، ولكن إن لم يقم بذلك، فهذا لا يعني العكس. فالأوامر المهنية قد تُجبر أحيانًا على السير وفقًا لها. وفي الحالتين، فإن الصحفي يقوم بعملٍ عظيم حيث يقوم بنقل هذه الصورة إلى العلن بمختلف غاياتها، مُساعدًا بذلك مختلف الحالات والقضايا بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

المصادر:

Should Journalists Offer Help to People in Need (December 1, 2018)

https://youtu.be/qacAN0zzdkI

Michael The Maven (August 19, 2019) The Vulture and Little Girl Photographer Kevin Carter

https://youtu.be/Y3qzxkANa0E

WordPress (August 12, 2009), Iconic Photos

https://iconicphotos.wordpress.com/2009/08/12/vulture-stalking-a-child/

The New York Times (November 29, 2018), Declan Walsh

https://www.nytimes.com/2018/11/29/world/middleeast/yemen-saudi-arabia-famine.html