2021-11-15 11:03
تحوّل الإعلام اليوم من مجرد وسيلة لنقل الخبر والتعبير عن الرأي والموقف إلى ساحة حرب حيث يُعتبَر الإعلان اليوم أحد جبهات المواجهة على مختلف الصعد. لقد ظهر هذا جليًّا من خلال منهجية استخدام السلطة والسياسة والمال لهذه الوسيلة. فبعد أن فشل بعضهم في تحقيق أهدافهم أو بعضها بمختلف الطرق، لجؤوا إلى الإعلام الذي يُعتَبر الوسيلة الأكثر انتشارًا وأثرًا على المجتمع وأفراده.
ظهرت نتائج هذا الاستثمار السلبية عبر ما يُسمّى بخطاب الكراهية وهو الخطاب الذي يحمل تحريضًا لإلحاق الضرر بأحد الأطراف. تسعى وسائل الإعلام والإعلاميون من خلاله إلى تحقيق أهداف أصحاب المال والسياسة، كلهّ بثمنه. لكن البعض يرفض الانصياع لأوامر أصحاب المال والسلطة وكسر المبادئ الأخلاقية الخاصة بمهنته.
بهذا، ينقسم الإعلام إلى جبهتين غير متوازيتين، جبهة أولى مدفوعة الثمن تشمُل من اختار المال على المبادئ وهي الفئة الأكثر عددًا وقوّةً وتختار المصلحة الشخصية والمال على المهنية، أمًا الثانية فالكس بالعكس. لذلك، ترجح كفّة الميزان من حيث العدد وقوة التأثير نحو القسم الأول.
عرضت شبكة الصحافة الأخلاقية EJN مجموعة تتألف من خمس أسئلة لاختبار كلام الصحافة وذلك وفقًا لبعض المعايير الدولية. على الصحفي والإعلامي أن يطرح هذه الأسئلة على المحتوى الذي يقدّمه في خلال البحث عن المعلومات وتحضيرها ونشرها. الأمر الذي سيساعد الصحفيين والمحررين حتمًا على عرض المحتوى وفقًا للمعايير الأخلاقية العامة والمهنية.
السؤال الأوّل: المركز العملي للمتحدث وسمعته المهنية
أصبح الإعلام مادة استغلالية دسمة، كما ذكرنا سابقًا، لأصحاب المال والنفوذ والسلطة فبات مسرحًا ومنبرًا لكل من يعتلي منصبًا أو يملك حفنة من الأموال. تمكّن بذلك كل من يريد النطق ببنت شفة في أحد المواضيع المثيرة لاهتمامه أن يستدعي حزمة من الصحفيين والإعلاميين والمباشرة بعرض أفكاره.
هنا يكمن دور الصحفيين الأهم: على الصحفي أن يعلم أن ليس كل ما يخرج من أخبار يستدعي نشره أو اعتباره خبرًا صحفيًا، وخاصّة عندما يكون الخبر مستفزًا لجزء من الجمهور والحياء العام. فمعظم الصحفيين اليوم يبادرون إلى نشر المعلومات الفاضحة والخادشة للحياء من دون النظر في طبيعة أهدافها ومصدر نشرها.
على الصحفي أن يتحقّق جيّدًا من صحة ما ينشره ويدقق فيه وأن يعلم قبل كل شيء مصدر الخبر. إن سمعة الصحفي اليوم تؤدي دورًا بالغ الأهمية في تلقّي المستمع والجمهور للمعلومة. فعمل الصحفي لا يقوم على مبدأ تبنّي الرأي الآخر المضاد لرأيه، بل يقوم على قدرة الصحفي على تقديم محتوى حقيقي بمعلومات موثوقة المحتوى والمصدر.
ثانيًا: الحصول على الخطاب
تختلف طريقة الصحفي في الحصول التصريف لذلك تختلف إمكانية استكشاف خطاب الكراهية باختلاف طريقة المقابلة. فإن كان اللقاء خاصًا ولكن في مكان عام ستختلف طريقة الحديث وعرض الأفكار عما إذا كان التصريح متلفزًا أو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي فربما لن تظهر الكراهية في خطاب المتكلم حينها. لكن، على الصحفي أن يقدر على التمييز بين طبيعة ما يُطرح وكيفية طرحه وإن كان بوتيرة مستمرّة أم لا. فإن صدر من أحدهم يومًا خطابًا فيه من الكراهية، فهذا لا يعني امتهانه الكراهية فعلى الصحفي أن يكون قادرًا على التمييز إن كان أحدهم تسيطر الكراهية على خطاباته أم أن ذلك حدث لمرات معدودة كردٍّ على موقفٍ معيّن.
ثالثًا: هدف الخطاب
يستطيع الصحفيون ذو الأخلاقيات المهنية والمحررّون المطلعون على الأوضاع الراهنة والمحيطة وأصحاب الخبرة والدهاء، التمييز مباشرةً إن كان الخطاب يحمل الكراهية أو يهدف إلى استهداف حقوق بعض الأفراد والجماعات. على الصحفي أن يكون أيضًا على اطلاع على الخطابات التي تخضع لعقوبات جنائية أو غيرها وكذلك أن يكسر القواعد أحيانًا وأن يكون قادرًا على التغريد خارج السرب شرط أن ينتبه للخطوط الحمراء قبل المباشرة بنشر أي من الأفكار أو المواقف. يؤدي الصحفيون دورًا مهمًا في هذا الجانب فهم المسؤولون عن إدراج الأخبار أو المعلومات أو المحتوى بالطريقة التي تخدم أهداف المتحدّث والمستمع على حدٍّ سواء فليس المقصد من إبراز الأخطاء التشهير بمن يخالفه الصحفي الرأي أو التقليل من قيمة المُعارض السياسي أو غيرها، لكن القليل من تقارير المهنية والأخلاقية السلسلة قد تساعد المُستمع والقارئ على فهم طريقة وهدف كتابة هذا المحتوى.
رابعًا: المحتوى وشكل الكلام
على الصحفي أن يكون قادرًأ على التمييز بين الخطاب الاستفزازي وبين الخطاب واضح الرسالة ومحتواها وطريقة إيصال الرسالة وشكل الكلام. فالفرق شاسع بين أن يجلس أحدهم في مقهى أو نادٍ ليلي متحدّثًا مع مجموعة صغيرة من أصدقائه وبين أن يُلقي أحدهم خطابًا أمام مجموعة من الجمهور المتحمّس.
كُلّنا يملك آراءً تختلف عن الآخر وهذا ليس أمرًا مرفوضًا، فالجميع يُعبّر عن رأيه ومواقفه بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، والمشكلة ليست في التعبير بل في طريقة طرح المواضيع والآراء عبر كلمات أو صور تُظهر عنفًا.
على الصحفي أن يسأل نفسه قبل نشر أي خبر: هل يشكّل هذا الخطاب خطرًا على المستمع؟ هل يعرضني إلى الملاحقة القانونية؟ هل يزيد من حدّة الأزمات؟ قد يستحق الأمر أن يُنشر وخاصّة إن كانت طريقة الخطاب تعرّض صاحبها للملاحقة القانونية، لكن على الصحفي أن ينتبه أيضًا وأن يأخذ بعين الاعتبار أنه قد يُحاسب أيضًا على نشر هكذا نوع من الأخبار.
خامسًا: الجو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
تنتشر الأخبار والخطابات الخطيرة والمثيرة للجدل في الأوقات الحرجة حيث تسيطر الأزمات الاجتماعية ويواجه السياسيون بعضهم بعضًا. على الصحفي أن يأخذ بعين الاعتبار الجو الذي يسيطر على المنطقة والانتباه لطبيعة الخطاب ومحتواه. تشتعل عادةً المواجهات وتكثر التعليقات الحساسة في فترة الانتخابات حيث يسعى فيها السياسيون إلى جذب انتباه الجمهور، وهنا يكمن دور الصحفي في تحديد إذا ما كانت التعليقات عادلة، مبنية على الحقائق، وتتناسب مع الوضع العام. في حال ظهرت بعض التعليقات المسيئة أو التي تتضمن خطاب الكراهية، الأفضل التبليغ عن هذه التعليقات وعدم تكرار ما تتضمنه من كلمات بذيئة ومسيئة.
على الصحفي أن يسأل نفسه دائمًا: كيف سيكون أثر الخطاب على المتلقّي؟ هل سيتأثر المستمع بمحتوى الخطاب مباشرةً؟ ما هو هدف الخطاب؟ هل كُتب لتحسين الوضع العام أو زيادته سوءًا؟ من هي الفئة المُستهدفة؟ وماذا سيكون الأثر؟
على الرغم أن عمل الصحفي لا يقتصر على هذا، إلّا أنه يؤدي دورًا بالغ الأهمية في توجيه البوصلة نحو المواضيع الحق من خلال تصويب الخطأ وتجنب الأكاذيب والمواضيع التي تضر بالمجتمع والأفراد وتسهم في اندلاع الفتن والمشاكل والالتزام دائمًا بمبادئ المهنة الأخلاقية.