2021-06-21 01:17
لا يخضع الحديث عن تواصل لبنانيين مع إسرائيليين لأي معادلات سياسية، أو إنسانية، كما هي الحال عند الحديث عن المهاجرين غير الشرعيين، أو العمال الأجانب مثلاً.
لا يمكن مقاربة التواصل مع الإحتلال من وجهة "نظر". القانون وحده يحدد ذلك، والقانون واضح في تصنيف إسرائيل عدواً.
في موازاة ذلك، استبقت التشريعات اللبنانية وجود إسرائيل عدواً، فتحدث، منذ نشأة لبنان، عن تجريم التواصل غير المشروع بالعدو، كائناً من كان هذا العدو. وجاء في قانون العقوبات الصادر بتاريخ 1/3/1943، في نص المادة 278 منه، أن «كل لبناني قدّم مسكناً أو طعاماً أو لباساً لجاسوس أو لجندي من جنود الأعداء يعمل للاستكشاف أو لعميل من عملاء الأعداء، أو ساعده على الهرب أو أجرى اتصالاً مع أحد هؤلاء الجواسيس أو الجنود أو العملاء وهو على بينة من أمره، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، وكل لبناني سهّل فرار أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين عوقب بالاعتقال المؤقت».
يتقلص إبهام المادة 278 تدريجياً، بالمقارنة مع نص المادة 285 عقوبات، فتتطرق الأخيرة إلى عوامل أكثر شموليةً، وتنص «على أنه يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة مالية، كل لبناني وكل شخص ساكن لبنان أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة من دون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة بلاد العدو، وإن لم يكن المقصود من دخوله أحد الأعمال المنصوص عليها في الفقرة السابقة». وتابع القانون ملاحقته للمتعاملين مع العدو، فذكرت المادة التالية، 286، «على أنه يستحق العقاب الوارد في المادة السابقة من ذكر فيها من الأشخاص إذا أسهموا في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية أو سهلوا أعمالها المالية بوسيلة من الوسائل»، لكن الافت أنه في نص المادة المذكورة، والمادة 287 عقوبات، لم يدخل التشريع في صلب العلاقة الثقافية مع العدو، إذ نصت الأخيرة، على أن «من أخفى أو اختلس أموال دولة معادية أو أموال أحد رعاياها المعهود بها إلى حارس عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة أقلها 200 ألف ليرة». لم يذكر القانون شيئاً عن التواصل الثقافي والاجتماعي العادي، الخالي من هدف الربح التجاري.
متابعة الصحافيين والإعلاميين لصفحات مواقع خاصة بالكيان الإسرائيلي من وجهة نظر قانونية:
وفي استصراح أجرته اللجنة مع المحامي والدكتور محمد حبحب من أجل التطرق إلى الإشكالية المطروحة، قال الأستاذ حبحب أن النص القانوني واضح من حيث مصطلح "الإتصال" الذي يشمل كافة الوسائل والطرق التي تسهل التواصل أو قد تكون أداة للتواصل مع العدو، ومنها زر الإعجاب بصفحات الكيان الذي يفسر بأنه إعجاب بالمحتوى الذي يهدد الأمن القومي للبلد. وهذا ينطبق على العاملين في المجال الصحفي لكن المفارقة تكون من خلال المتابعة دون "إعجاب"، وهذا طبعا أمر بديهي لأي صحفي بأن يتابع المحتوى من منطلق "أعرف عدوك" وطبعا هنا الصحافي يجب أن يعيد طبخ الخبر المنقول بحيث لا يصبح منبر مجاني يوقعه في فخ تسهيل ونشر أخبار العدو.
إلا أن في حال الدعاوى التي تحدث في هذا السياق فهنا يرجع الأمر لإجتهاد القاضي ونص الجرم، بحيث يجري تفسيره، للوقوف عند نواياه.
وبحسب الدكتور حبحب وعلى سبيل المثال فإن الإعجاب بصفحة المتحدث بإسم الكيان الإسرائيلي "أفخاي أدرعي" يعني قانونيا الإعجاب والموافقة على المحتوى الموجود، وبالتالي بمجرد الضغط على أي "زر" من الأزرار الموجودة على صفحة التواصل يعني بأنه بمثابة مبادرة "للإتصال" وآلية للتفاعل، فلا يمكن أن يصبح هذا الفضاء وسيلة للتواصل غير المباشر سواء كان من قبل الصحافيين أو عامة الناس، فنعم الإعجاب بصفحات العدو غير مقبول بحسب القانون اللبناني.
ووفق مصدر أمني متطلع، أكد الأخير بأن هذا الفعل يقع ضمن إطار الجرائم المعلوماتية، فيتحرك الجهاز المعني بحسب التبليغات الواردة، لأنه طبعا لا يمكن مراقبة وتصفح كافة المنشورات الواردة، كما أشار المصدر بأن أي إعجاب أو مشاركة يعني في السياق العام القبول والموافقة على ما يقوله الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن الجزم بهذا الأمر هو من إختصاص القضاء.
ماذا يقول علماء الاجتماع؟
تهدف هذه الصفحات الإسرائيلية في الفضاء الافتراضي بحسب عُلماء الاجتماع إلى كَسْر الحاجز النفسي الاجتماعي الموجود في المجتمعات العربية الإسلامية تجاه كيان العدو، الذي لا يمانع التواصل حتى بالمعنى السلبي، أي النقاش أو المواجهة أو حتى الشتم. المهم تحقيق التواصل بحد ذاته تمهيداً لجعله "طبيعياً" ولو كانت طبيعته سلبية. ذلك أن العدو يعرف مُسبقاً أن الجزء الأكبر من جمهور هذه الصفحات سيكون جمهوراً معارضاً، ولكن الهدف وهو جعل التواصُل أمراً طبيعياً.
وفي استطلاع للرأي أجرته أحدى صفحات "فيسبوك" العام المنصرم بعنوان "هل تؤيد متابعة صفحات العدو الصهيوني باللغة العربية؟
فكان الرد 59% يؤيدون من أجل معرفة ما يقوله جيش الاحتلال، و41% يرفضون لأنهم يرون بأن هذا الفعل يخدم هدف الكيان.