قانون الجرائم الإلكترونية مقبرة لمفهوم الحريات الإعلامية

2017-07-17 10:48

التقارير

تقرير خاص صادر عن لجنة دعم الصحفيين حول:
" قانون الجرائم الالكترونية يؤدي بحرية التعبير إلى الأسوأ"
قانون الجرائم الالكترونية: مقبرة لمفهوم الحريات الإعلامية

استهجنت لجنة دعم الصحفيين في فلسطين، إزدياد حدة الإنتهاكات بحق الصحفيين والنشطاء من خلال استصدار قرارات وقوانين مهينة ليس فقط لحقوق الفلسطينيين وحرياتهم بل أيضاً لكرامة الشعب وعدالة قضيته. 

وعبّرت اللجنة، عن بالغ قلقها بعد مصادقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في السادس والعشرين من حزيران الماضي، على القرار رقم (16) لسنة 2017 والمتعلق بالجرائم الإلكترونية، دون وجود عقوبات قانونيّة لعدم وجود قانون حديث ينصّ على عقوبات رادعة لجرائم كهذه، في ظلّ العمل بقانون العقوبات الأردنيّ رقم 16 لعام 1960 في الضفة الغربية، والقانون المصري في غزة والذين عفا عليهما الزمن ولا يتضمنا أي نصاً أو عقوبة لمثل هذه الجرائم الحديثة.

وطالبت اللجنة، بضرورة الوقف الفوري لتطبيق هذا القرار، بشأن الجرائم الإلكترونية، وإعادته للتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني، بهدف تعديله بما ينسجم والقانون الأساسي الفلسطيني والالتزامات الدولية لدولة فلسطين في اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها، وبما يوفر حماية حقيقية لخصوصية الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي.

ويعمل القانون المستجد على تنظيم المعاملات الإلكترونية وكذلك عمل المواقع الإلكترونية الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي، من حيث فرض عقوبات على من يخل بالسلوك العام، أو التحريض من خلال هذه المواقع، ويتجه القانون على فرض عقوبات مشددة على مرتكبي الجرائم الإلكترونية في فلسطين تصل مدة عقوبتها إلى السجن لـ 10 سنوات وغرامة بقيمة 5 آلاف دينار أردني.

وذكرت اللجنة في تقريرها النصف سنوي لعام 2017 أنّ الإنتهاكات الفلسطينية بحق الصحفيين بلغت (40) حالة اعتقال غالبيتهم على خلفية كتاباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي والتعبير عن آرائهم، مبينة أنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مسمى قانون الجرائم الإلكترونية عملت على إغلاق أكثر من 40 موقعًا إلكترونيًا.

غطاءٌ قانونيٌ لإنتهاكات حرية التعبير

لجنة دعم الصحفيين استطلعت آراء الصحفيين والقانونيين والأكاديميين حول قانون الجرائم الإلكترونية حيث قال الصحفي خالد معالي من سلفيت بالضفة الغربية: "إنّ الأصل في تشريع القوانين في الدول المتحضرة أن يكون من خلال المجلس التشريعي ولا يصح التداخل بين السلطات الثلاث في أي دولة أو أن تأخذ سلطة دور وسلطة السلطتين الأخرتين".

ونوّه معالي إلى أنّ هذا القانون يمس حرية التعبير بشكل كبير، لافتًا إلى أنّ مواقع التواصل الإجتماعي خاصةً التي يُعبر فيها الأفراد عن آرائهم تكون في الغالب إفتراضية.

وأضاف: "الدول القوية لا تخشى آراء جمهورها بل تشجعها وتدحض بالحجة الآراء الضعيفة. ومن هنا فإنّ هذا القانون لا طائل منه والأجدر مراجعته وإلغائه".

وأوضح، أنّ قانون الجرائم الإلكترونية يمنح غطاءً قانونيًا لانتهاكات حرية التعبير والخصوصية، تمارسها الأجهزة التنفيذية بحق الصحفيين ومستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي، والتي تمثلت مؤخرًا بحجب المواقع الإخبارية، والإعتقال والإستدعاء على خلفية تقارير صحفية أو منشورات على موقع "فيسبوك".

وقال مستغربًا: "هل يُعقل أن يتم استدعاء أو اعتقال مواطن أو ناشط لمجرد "لايك"؟ ويكون هناك غطاء قانوني لاعتقاله. الأصل في الحريات أن تتوسع لتنطلق معها طاقات وقدرات الشعب والجماهير لكن في حالة كبتها فإنّ الحالة تتراجع والوضع يتدهور للأسوأ".

إسقاط قانون الجرائم الإلكترونية

من جهته، حذّر الأكاديمي في الشؤون القانونية في جامعة بير زيت، الأستاذ محمد خضر، من تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية والعمل بها، مطالباً بإسقاط ذلك القانون.

وأشار إلى أنّ القرار بقانون الجرائم الالكترونية تمّ إصداره دون استشارة مجلس القضاء الأعلى في شأن يتعلق مباشرةً بالنيابة العامة والمحاكم والإجراءات الجزائية بخلاف صريح لنص المادة ١٠٠ من القانون الأساسي.

وقال: "إذا كانت السلطة التنفيذية قادرة منفردة أن تنظم عمل المحاكم والنيابة العامة بتعديل الإجراءات والضمانات وفقًا لما هو وارد في القانون، وهذا يشمل من ضمن أشياء كثيرة توزيع الإختصاصات بين الجهتين والإجراءات المتبعة وطرق الطعن والمراجعة".

وتساءل: "لماذا لن تكون السلطة التنفيذية قادرة على تعديل قانون السلطة القضائية المتعلق بهيكلية السلطة القضائية والنيابة العامة دون استشارة مجلس القضاء الأعلى".

وأضاف، أنّ هذا القانون أعطى صلاحيات للجهات التنفيذية بالرقابة وانتهاك الخصوصية بحثاً عن فعل مجرم يقوم به المواطن.

ولفت خضر، إلى أنّه لا تزال تصر النيابة العامة على أن تباشر التحقيق والإتهام والحكم والتنفيذ، وأن تجمع النيابة العامة بيدها صلاحيات استثنائية خطيرة على الحرية وغير ضرورية وغير مبررة، وهذا يعني تخويل النيابة صلاحية اتخاذ إجراءات قضائية بحق الخصم الآخر في الدعوى، وهو المواطن العادي الذي يحتفظ حسب القانون الأساسي بافتراض البراءة، ودون ضمانات الحياد والمواجهة والعلنية له في مواجهة السلطة العامة.

ونوّه إلى أنّ هذا الأمر فيه تعدٍ ليس فقط على حقوق الفرد وحرياته وخصوصيته وكرامته، بل أيضًا على السلطة القضائية والمحاكم التي لا ينقصها أن تنعدم ثقة المواطنين بها بصورة كلية، بما يعني اتساع المبرر المجتمعي والحقوقي للسلطة التنفيذية، بخلاف المقصود الحقيقي طبعاً، لمزيد من الإنقضاض عليها وعلى استقلالها، وهذا يعني أنّه إضافةً إلى المؤسسات الإعلامية والنقابية والمجتمعية، مطالبًا السلطة القضائية ذاتها بإلغاء هذا التشريع حفاظًا على هيبتها وكرامتها واستقلالها.

مقبرة لمفهوم الحرية

من جهته، أوضح ماجد العاروري الخبير في القضايا القانونية والإعلامية وحقوق الإنسان، أنّ القوانين الموجودة حالياً على مستوى فلسطين، في قانون العقوبات كافية للردع فيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية، مشيراً إلى أنّ معظم الجرائم التي شملها هذا القانون جاءت مغطاة خاصة التي يمكن أن ينجم عنها مساً بانتهاك الخصوصية.

وأفاد أنّ قانون الجرائم الإلكترونية جاء متوسعاً وحمل مضامين وجاء على خلاف ما يطالب به البعض من وجود قانون للجرائم الإلكترونية واحتوت على تجريمات واسعة تمس على وجه الخصوص بحرية التعبير.

وقال: "هو بمثابة مقبرة لمفهوم الحرية في المجتمع الفلسطيني ومقبرة لحماية الخصوصية، وهو قانون مختزل لا يراعي الحد الأدنى من حماية الحقوق والحريات، يمكن هذا القانون أن يلاحق من يتهم بالترويج لجريدة أو صحيفة أو يشارك منشور لكاتب أو مقال على صفحته فهو يتهم بالترويج، فهذا مفهوم توسع غير مقبول لاتهام بالجرائم".

وعدّ المصادقة على ذلك القانون بالتطور الخطير الذي يمس بالحريات ويمس بحرية الصحافة ويمنع الناس من التعبير عن آرائها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهذا اختراق ومس بضمانات حقوق الإنسان. 

وذكر أنّ الاقتراح الذي جرى قبل يومين ماضيين، لإعداد مسودة قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونية يضمن معالجة جميع المواد التي تمس بالحريات العامة والخصوصية، تشكل مخرجاً مقبولاً للخروج من الأزمة التي خلقها القانون، والعمل على قانون يلبي الاحتياجات المجتمعية منه ويلغى أية مساس بحرية التعبير أو بالخصوصية.

وقد تمّ الإقتراح خلال الورشة التي عقدت قبل يومين في مقر منظمة التحرير بدعوة من مركز مدى والمنظمة بتشكيل لجنة برعاية الدكتورة الدكتور حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضوية النائب العام الذي شارك بالورشة، ومشاركة وديوان الفتوى والتشريع ووزارة العدل والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية وشخصيات قانونية إعداد المسودة وتقديمها للرئيس لإصدار قانون معدل، وعدم تفعيل مواد القانون الحالي المتعلقة بهذا الشأن من قبل النيابة العامة إلى أن تُنهي اللجنة أعملاها خلال فترة زمنية محدودة.

وطالب الرئيس الفلسطيني، أن يصدر قراراته بوقف العمل فيه إلى أن تُعالج فيه بعض القضايا ومن أجل الغايات التي أُنشئت من أجلها لا من أجل تحقيق مكسب وطابع شخصي، داعياً الهيئة المستقلة ومؤسسة حقوق الإنسان ونقابة المحامين والصحافيين بالتفاعل العاجل من أجل إيقاف تنفيذ هذا القانون.  

وشدد العاروري على أهمية الحفاظ على تماسك المجتمع وسلمه الأهلي وحرياته هي الأولوية التي يجب أن يسعى لها الجميع.


معاً وسوياً نحو إعلام حر ومهني
لجنة دعم الصحفيين – فلسطين
الإثنين 17 تموز 2017