الحريات الإعلامية في المملكة العربية السعودية

2020-02-29 11:00

الدراسات

الحريات الإعلامية في المملكة العربية السعودية

أشارت منظمة مراسلون بلا حدود إلى أنّ المملكة العربية السعودية تحتل المركز 172 من أصل 180 دولة في نسخة 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وأكّدت المنظمة أن لا وجود لوسائل إعلام حرّة في المملكة العربية السعودية، ويخضع الصحفيون السعوديون إلى مراقبة مشدّدة حتى لو كانوا في الخارج، وهذا ما تأكّد مع اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول (تركيا) في أكتوبر 2018. ورغم أنّ ولي العهد محمد بن سلمان قد انتهج خطاب انفتاح عند توليه السلطة في يونيو 2017، فإنّ القمع قد تعزّز، فمنذ ذلك التاريخ تضاعف عدد الصحفيين والصحفيين المواطنين خلف القضبان ثلاث مرات، وكان اعتقال أغلبهم تعسفيًا، وكان تعذيبًا آليًا بالنسبة لكل مساجين الرأي.

انطلاقًا من واجبها في دعم حرية الصحافة والصحافيين قامت لجنة دعم الصحفيين بمراجعة عدد من التقارير والدراسات والمذكرات المتعلقة بحرية الصحافة في السعودية وخرجت بالملخص التالي:

I.    في الإطار القانوني الناظم للعمل الصحافي في المملكة العربية السعودية:

يتضمن الإطار القانوني الناظم للعمل الصحافي في المملكة العربية السعودية عددًا كبيرًا من القيود التي تمنع الصحافيين عن العمل وفق معايير مقبولة للحرية، فعلى سبيل المثال يتضمن نظام المطبوعات والنشر عددًا من المواد المقيدة لحرية النشر وتداول المعلومات عبر تضمين المواد القانونية عبارات عامة  وفضفاضة كما في المادة الثامنة مثلا التي نصت على أنّ: "حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية" وهذا يحيلنا على نطاق الأحكام الشرعية والنظامية وطبيعتها لنكتشف أنّها تتضمن تحديدات شديدة الضيق وليس لها معايير واضحة أو محددة، كما تنص المادة التاسعة من نفس القانون على أنّ: "يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبنّاء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة..."، ولم يحدد القانون معنى الموضوعي والهادف و البناء وترك الأمر لتقدير السلطات التنفيذية وهذا الواقع يتعارض مع ما أرادته الأمم المتحدة لجهة وضع معايير دقيقة تضمن الحريات الصحافية ولا تترك مجالًا للاجتهاد التنفيذي أو الأمني  كما وتمنع المادة التاسعة نفسها نشر أمور ذكرتها ضمن بنود وتشمل كل ما يُخالف  أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة وكل ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية والتعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة. هذه العبارات الفضفاضة والمؤشرات غير المضبوطة تمكّن الحكومة من استهداف الصحفيين وكل من يعبّر عن رأيه في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة ودون وجود أي كابح قانوني لتقديرات السلطات التنفيذية.

كما أنّ نظام مكافحة جرائم المعلوماتية في المملكة السعودية وفي مادته السادسة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أيًا من الجرائم الإلكترونية التالية: إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

وهنا تبرز نفس الكلمات الفضفاضة حيث يمكن تفسيرها على نحو تعسفي ما يؤدي إلى تقلّص مساحة الحريات أو منعها كليًا حيث تستخدم الحكومة السعودية القضاء ونصوص القوانين غير المحددة المفاهيم لمعاقبة الصحفيين ومنعهم من العمل تحت عنوان عام هو المساس بالنظام العام والقيم الدينية ورموز الدولة. 

كما تستخدم الحكومة السعودية، وعلى نطاق واسع، نظام جرائم الإرهاب وتمويله، لتجريم النشطاء السلميين والصحفيين. فمن خلال عباراته الفضفاضة، تستطيع الحكومة تجريم المنتقدين وأصحاب الآراء، حينما لا ترتضِ عن مواقفهم. على سبيل المثال، ينص القانون في نسخته المعدلة في نوفمبر 2017، في مادته الثلاثون: "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (عشر) سنوات ولا تقل عن (خمس) سنوات، كل من وصف -بصورة مباشرة أو غير مباشرة-الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة"، ويمكن تحت هذه المادة، أن تجرّم الحكومة الكثير من الآراء عبر تفسيرات توسعية.

وقد صدر العديد من التقارير الحقوقية التي أكّدت أنّ قانون الإرهاب في المملكة العربية السعودية الصادر في فبراير 2014 قد أستخدم ضد قادة المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث نشر البروفيسور "مايكل نيوتن" على سبيل المثال مذكرة تقييم قانوني "لنظام جرائم الإرهاب وتمويله" في السعودية، وقد شرح فيها كيف أنّ قانون الإرهاب السعودي قلل من الاحترام الكامل للمبادئ الهامة لحقوق الإنسان في العديد من النقاط، لاسيما في مجالات النشر والتعبير، حيث منح قانون الإرهاب السعودي، بحسب المذكرة، صلاحيات واسعة للمحاكم لقمع أي شخص تعتبر أنه يدعم تغيير نظام الحكم مما يشكل تعديًا على حرية الفكر والتعبير.

وتحدثت المذكرة عن التوسع في منح صلاحيات للسلطة القضائية، فالمادة الثالثة منه تشير إلى الأشخاص الذين يرتكبون أو يسعون إلى إرتكاب أعمال تهدف إلى إلحاق الضرر بالمصالح والاقتصاد والأمن في المملكة، وهي مادة تعد مبهمة.

وأكدت المذكرة أنه لا وجود لمثل هذه المادة في النظم الأساسية المحلية أو المعاهدات الدولية، وأوضحت أنّ حق المملكة في ممارسة واجباتها السيادية يجب أن ينسجم مع القواعد العرفية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

المذكرة وصفت النظام الأساسي السعودي بالمعيب، حيث أنّه أخفق في توفير الحماية المتساوية للمواطنين أمام القانون بغض النظر عن أفكارهم الدينية والسياسية كما أنّه يفتقد للكفاءة وفق المعايير الدولية ذات الصلة.

وحول الصيغ الجنائية أشارت المذكرة إلى أنّها فضفاضة، فنص المادة الأولى يتناقض مع الخصوصية النسبية الموجودة في الاتفاقيات التي انضمت لها المملكة مما يسمح لهذا النظام بأن يستخدمها كذريعة لحرمان الأفراد من الاستمتاع بحرية التعبير.

ومن عيوب المادة أيضًا - بحسب الدراسة - ما تضمنته من تعابير الإجراءات ومنها تهديد الأمن القومي والإخلال بالنظام العام إذ أنّها غير دقيقة، كما أشارت المذكرة إلى أنّ عبارة: "منع أي إجراء يهدف إلى إلحاق الضرر بسمعة البلاد" غير عمليّة، لأنها تسمح للدولة باتخاذ إجراءات بناءً على تقييمها الذاتي.

وحول معايير المحاكمة العادلة، أشارت المذكرة إلى استخدام المملكة لتعبير المحاكم المتخصصة والتي تقوم على أسس مغايرة للمحاكم العادية وهذا ما قد يجعلها تفتقد لمعايير المحاكمة العادلة.

وأوضحت أنّ المادة الخامسة من القانون تتيح للسلطات السعودية انتهاك المواثيق والقوانين، ومنها الميثاق العربي والذي يلزم المملكة بحظر الاعتقال التعسفي، حيث أنّها تسمح باعتقال المتهمين لمدة قد تصل لعام دون الحصول على إذن من سلطة قضائية.

II.    واقع حرية الصحافة

تقيد القوانين والسياسات الرسمية السعودية، حرية الصحافة والأشكال المختلفة لحريات التعبير عن الرأي. حيث يُفرض على الوسائل الإعلامية، ضمن شروط الترخيص بمزاولة العمل، الالتزام بالسياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية التي تصدر عن وزارة الثقافة والإعلام، ما يوقع العمل الإعلامي في أضيق مساحات الحرية.

 ومنذ بداية عهد الملك سلمان في يناير 2015، ازدادت حدة القمع والقيود على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير بشكل واضح، وهذا ما تأكد مع سيطرة نجله محمد بن سلمان على ولاية العهد في يونيو 2017، المنصب الذي أُضيف إلى عدة مناصب سابقة، أسهمت في مزيد من التقويض لمساحة الحريات، والحقوق المدنية والسياسية.

ففي أبريل 2018 أشارت المعلومات إلى أنّه تمّ اعتقال الصحفي تركي الدوسري بعد يومين من جدل حاد جرى بينه وبين المقرب من محمد بن سلمان، تركي آل الشيخ الذي يشغل مناصب مستشار بالديوان الملكي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية العربية السعودية والاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي والاتحاد العربي لكرة القدم، بسبب تغريدة. وفي فبراير 2018 أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، إيقافها للكاتب السعودي محمد السحيمي، وإحالته للتحقيق بسبب تصريحات تليفزيونية له حول أعداد المساجد والآذان. في الشهر نفسه حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، المختصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، بالسجن لمدة 5 سنوات تليها 5 سنوات منع من السفر، ضد الكاتب الصحفي صالح الشيحي جراء انتقاده في لقاء تلفزيوني للفساد الكبير في الديوان الملكي، السلطة الأعلى في البلاد.

وفي مايو 2017 اعتقلت الحكومة السعودية المدون والناشط البيئي علي شعبان بسبب مواقفه في الدفاع عن حقوق الإنسان في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكانت الاعتقالات التعسفية التي شنتها الحكومة السعودية في سبتمبر 2017 قد طالت عددًا من الكتاب والصحفيين، بينهم الكاتب والباحث عبد الله المالكي الذي انتقد عبر تويتر، ما سماه "حكم الفرد"، كما اعتقلت الإعلامي فهد السنيدي ضمن حملة اعتقالات سبتمبر 2017 الغامضة والتعسفية. وضمن اعتقالات شهر سبتمبر أيضًا اعتقل الصحفي جميل فارسي الذي كان ينتقد السياسات الاقتصادية.

وامتدادًا للخطوات التي قامت بها السعودية على خلفية الخلاف السياسي مع دولة قطر، قامت في مايو 2017 بحجب وسائل إعلامية قطرية، ليضاف ذلك إلى الحظر الذي تفرضه على عدد كبير من المواقع التي لا تتفق مع سياساتها، أو تنتقدها، وبينها مواقع منظمات حقوقية.

إضافةً إلى ذلك لا يزال عشرات الصحفيين في المعتقلات يقضون عقوبات متنوعة على خلفية نشاطاتهم، بينهم الكاتب نذير الماجد الذي حكمت عليه محكمة الإرهاب بالسجن سبع سنوات على خلفية كتابات متعددة تناصر الحريات وحقوق الإنسان، فيما حكم الصحفي علاء برنجي بالسجن خمس سنوات، لتزداد لسبع سنوات فيما بعد، على خلفية تُهم بينها تغريدات تُعارض الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة، وتهم أخرى تتعلق بتعبيره عن رأيه. أما المصور جاسم مكي آل صفر فيقضي عقوبة بالسجن 7 سنوات بتهم بينها رفع صور في المظاهرات، والالتقاء بصحفيين أجانب. وحكمت على الشاعر والكاتب عادل اللباد بالسجن ثلاثة عشر عامًا جراء بعض قصائده التي استنكر فيها قتل المتظاهرين، وكتاباته التي طالب فيها بالحقوق والحريات. كما حكم الإعلامي الشيخ وجدي الغزاوي لمدة إثني عشرة عامًا بسبب مشاركاته الإعلامية التي انتقد فيها الفساد وطالب بالتغيير، كذلك يقبع في المعتقل الكاتب محمد الخويلدي، والإعلامي علي جاسب التحيفة، والكاتب زكريا صفوان، وغيرهم. كما لا زال المدون رائف بدوي خلف القضبان.

III.    مستقبل حرية الصحافة

تكشف أسماء المعتقلين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، أنّ الحكومة السعودية تعتمد نهجًا تعسفيًا في ملاحقتهم ومحاكمتهم، وبالتالي تمنع أي صوت ينتقدها أو يعبّر عن آراء تخالف سياستها، كما أنّها تستخدم الأجهزة الرسمية في استهدافهم، وبينها القضاء الذي من المفترض أن يساهم في صيانة الحريات وحماية الصحافة، ولكنها بدلًا من ذلك جيّرته كأداة قمعية.

وقد أـكّدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أنّ حرية الصحافة في السعودية تكاد تكون منعدمة، ساهم بذلك قوانين وأنظمة أقرّتها الحكومة لتشريع الانتهاكات، وأجهزة قضائية وتنفيذية استخدمت للقمع. وتؤكّد المنظمة أنّ السبيل الأول لتأمين حرية الصحافة في السعودية يرتكز في بعضه، على مضامين موضوع عام 2018، ومنه "تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة".

وتشدد المنظمة على أنّ الوعود التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان حول "تشجيع حرية التعبير بقدر ما يستطيع"، لا يمكن أن تكون جدية من دون الكف عن استخدام القوانين المعيبة، وإطلاق سراح الصحفيين والكتاب والمدونين المعتقلين تعسفيًا، وضمان حصولهم على محاكمات عادلة، في حال كانت هناك تهم جنائية معتبرة، وليس تجريمًا بسبب ممارستهم لحق التعبير المكفول في الأنظمة العادلة.

لجنة دعم الصحفيين - سويسرا
5 كانون الأول / ديسمبر 2019