مخاطر "قانون الجرائم الالكترونية" على الحريات الإعلامية

2017-08-19 12:33

التقارير

تقرير خاص صادر عن لجنة دعم الصحفيين
تفنيد قرارات "قانون الجرائم الالكترونية" ومخاطره على الحريات الإعلامية

أكدت الدائرة القانونية في لجنة دعم الصحفيين، أنّ قانون الجرائم الإكترونية التي أقرته السلطة التنفيذية والأمنية في الضفة الغربية، يتضمن نصوصاً خطيرة تُمثل "أداة قانونية" لانتهاكٍ  غير مبرر لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، لا سيما، الحق في حرمة الحياة الخاصة، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات، وهي حقوق كفلها القانون الأساسي المعدل والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين.

وأوضحت  الدائرة  في تقريرٍ مفصلٍ يُفند بنود القانون وتداعياته الخطيرة على العمل الصحفي في فلسطين أنّ انتهاكات حرية الصحفيين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية إرتفعت بعد مصادقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرًا على قانون "الجرائم الإلكترونية" بما يمثله من انتهاكات جسيمة بحق الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي والتي تحد من حرية الرأي والتعبير.

وبيّنت أنّ القرار بقانون رقم (16) لسنة 2017، بشأن الجرائم الإلكترونية يتضمن 61 مادة تحتمل مصطلحات فضفاضة ومطاطة تجعل القانون عرضة لإساءة الاستخدام وإلصاق تهم للصحفيين لنشرهم أخباراً لا تأتي على وجهة نظر النيابة العامة وأنّها تمس أمن وسلامة الدولة وتُعرِضها للخطر.

كما أنّ القانون أعطى فلسفة تشريعية وصلاحيات للجهات التنفيذية بالرقابة وانتهاك الخصوصية بحثًا عن فعل يُجرّم به المواطن.

ونوّهت أنّ المواد (16، 20، 28، 51) علاوةً على المواد (32، 33، 34، 35، 37، 40، 41، 42، 43، 44)، التي تتضمن العديد من الأحكام التي من شأنها المساس بالحق في الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، دون أن تُوفر ضوابط قانونية حقيقية لذلك، أهمها الإذن القضائي، وإخطار المتهمين بهذه الإجراءات.

ورأت الدائرة القانونية أنّ الهدف الحقيقي وراء هذا القانون هو "سياسي بحت" يُعزز ما تنتهجه السلطات من ملاحقة لكافة الأصوات المعارضة لتوجهاتها وسياساتها على الأرض، إذ أنّ القانون يتضمن عقوبات أعلى من تلك المفروضة على جرائم أخرى مثل السرقة والتحرش، ما يُؤكد أنّ ما تمّ إعلانه بشأن دوافع إصداره بعيدة تمامًا عن الحقيقة.

وذكرت أنّ العديد من المواد التي تضمّنها القانون أثارت بعض علامات الاستفهام حول مضمونها وما تحمله من إمكانية التأويل المتعدد ما يضع الصحفيين والنشطاء والمهتمين بالشأن العام تحت مقصلة تفسيرات السلطة حسب مزاجها العام من جانب وموقفها من الصحفي أو الناشط من جانب آخر.

وهناك بعض المخاطر على الاعلاميين والنشطاء وردت في عدة مواد من قانون الجرائم الالكترونية أبرزها المادة (20) من القانون  وهي من أكثر المواد التي أثارت حفيظة الجميع، كونها لا تحمل اختصاصات واضحة، ولا جرائم محددة يمكن اعتبارها كمرجعية حال تعرض الصحفي للتوقيف.

فالنص الذي يقول في الفقرة (1) "كل من انشأ موقعا الكترونيا، أو أداره عن طريق الشبكة الالكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، بقصد نشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة، أو نظامها العام، أو أمنها الداخلي أو الخارجي، للخطر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد عن خمسة ألاف أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما".

أما الفقرة (2) من المادة والذي ينص على "كل من روج بأي وسيلة تلك الأخبار بالقصد ذاته أو بثها أو نشرها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني ... الخ"، وفي البند (3) "إذا كان الفعل الوارد في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة في حالة الطوارئ، تضاعف العقوبة المقررة".

وطبقًا لهذه المادة الفضفاضة في تفسيرها لبعض المفاهيم منها "سلامة الدولة" "أمنها الداخلي والخارجي" فإنه من حق السلطات الأمنية اعتقال الصحفيين وتقديمهم للمحاكمة، الأمر هنا لا يتوقف على من أدار موقعًا الكترونيا فحسب، بل من روج للأخبار المنشورة، سواء بالإعجاب أو المشاركة، بقصد أو دون قصد، وهو ما يضيق الخناق بصورة كبيرة على حريات الرأي والتعبير.

كذلك في الفقرة (3) من المادة (20) تحمل العديد من التساؤلات حول، ماذا يعني هنا حالة الطوارئ؟ على أي أساس سيتم التقييم إن كان هذا الظرف طارئًا أو لا؟ خاصة وأن الفقرة تشير إلى مضاعفة العقوبة في هذه الحالة.

ويتضمن القانون أيضاً المادة (31) والتي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور، وبغرامة لاتقل عن خمسمائة دينار أردني، ولا تزيد على ألف دينار أردني، كل من قام باستخدام أنظمة، أو موقع أو تطبيق الكتروني، لتجاوز الحجب المفروض، بموجب أحكام هذا القرار بقانون".

ووفق هذه المادة فلا يحق لأي مستخدم أن يلجأ لأي تطبيق أو برامج لفك الحجب المفروض على بعض المواقع، ومن ثم يحق للسلطات حجب كافة المواقع دون إعطاء فرصة للمواطنين بالاطلاع عليها وفق برامج وتطبيقات أخرى، ما يزيد من الخناق المفروض على الحريات.

كذلك تمثل المادة (32) أزمة حقيقية لشركات الاتصالات الفلسطينية، إذ تجبر الشركات المزودة لخدمة الانترنت بـ "تزويد الجهات المختصة بجميع البيانات والمعلومات اللازمة التي تساعد في كشف الحقيقة، بناء على طلب النيابة أو المحكمة المختصة" كذلك " حجب رابط أو موقع بناء على الأوامر الصادرة" إضافة إلى "الاحتفاظ بالمعلومات عن المشترك لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات".

هذه المادة بلا شك تفقد الفلسطينيين الثقة في شركاتهم المحلية، والتي ربما تزود جهات الدولة ببياناتهم الشخصية ما قد يعرضهم للخطر ويفقدهم خصوصيتهم، وهو ما قد يدفع البعض إلى فسخ التعاقد مع هذه الشركات الوطنية واللجوء إلى الشركات الإسرائيلية التي تحتفظ بسرية معلومات عملائها بحسب ما أشار البعض.

ثم تأتي المادة (50) لتختتم حزمة التساؤلات الجدلية حول هذا القانون، حيث تنص المادة على "كل من امتنع عن قصد في الإبلاغ أو أبلغ عن قصد بشكل خاطئ عن جرائم معلوماتية، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور، وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني، ولا تزيد عن ألف دينار أردني، أو بإحدى هاتين العقوبتين".. وعليه إن قرأ المستخدم أو اطلع على مادة ما ترى السلطات فيها تهديدًا لأمنها وسلامتها ولم يبلغ عنها فعليه أن يستعد لمواجهة عقوبة الحبس أو الغرامة، أو كليهما معًا.

من المواد التي أثارت الجدل أيضًا داخل هذا القانون المادتين (43) و (44) والمتعلقتان بالاتفاقيات المبرمة بين فلسطين والدول الأجنبية بما فيها "إسرائيل" بشأن ضرورة تزويد كل دولة الدول الأخرى بالمعلومات التي تحصل عليها وتمثل خطرًا أو تهديدًا لها، وعليه فالسلطة الفلسطينية ملزمة بموجب هذا القانون إن توصلت إلى أي معلومة عبر المواقع الالكترونية تخص تل أبيب وأمنها أن تزودها بها وهو ما يؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية، ما دفع البعض إلى القول بأن هذا القانون يحوي "الكثير من الألغام".

وتعد المادة (44) تحديدًا الأخطر، حيث تلزم بتبادل وتسليم المتهمين في الجرائم الالكترونية بين الدول، فمثلا على  السلطة الفلسطينية تسليم أي فلسطيني ينتقد "إسرائيل" أو يدعوا للمقاومة أو التصدي للانتهاكات التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، لسلطات الكيان الصهيوني، حال طلب الأخيرة منها ذلك.

وعلى ضوء تلك القوانين المبهمة والمجحفة بحق حرية وحقوق المواطنين بشكل عام والصحفيين والإعلاميين والنشطاء بشكل خاص فإننا في الدائرة القانونية في لجنة دعم الصحفيين وبعد أخذ آراء مستشارين قانونيين وفنيين وأكاديميين تم تفنيد تلك القوانين للاعتبارات التالية:

  1. القرار بقانون الجرائم الإلكترونية تمّ إصداره بسرية و نشره في الجريدة الرسمية دون استشارة مجلس القضاء الأعلى في شأن يتعلق مباشرة بالنيابة العامة والمحاكم والإجراءات الجزائية بخلاف صريح نص المادة (١٠٠) من القانون الأساسي، وإذا كانت السلطة التنفيذية قادرة منفردةً على تنظم عمل المحاكم والنيابة العامة بتعديل الإجراءات والضمانات وفقًا لما هو وارد في القانون، وهذا يشمل من ضمن أشياء كثيرة توزيع الإختصاصات بين الجهتين والإجراءات المتبعة وطرق الطعن والمراجعة، فالسؤال هنا لماذا لن تكون السلطة التنفيذية قادرة غدًا على تعديل قانون السلطة القضائية المتعلق بهيكلية السلطة القضائية والنيابة العامة دون استشارة مجلس القضاء الأعلى.
  2. لا يجوز إصدار قرارات بقانون إلا بشروط أن تكون وفقًا للمادة 43 من القانون الأساسي والتي تنص على عدم جواز إصدار الرئيس لقرارات بقانون إلا في حالات الضرورة التي لا تحتمل تأخير وعلى أن يتم عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة له بعد القرار ما يجعل تلك القوانين باطلة ولا يجب العمل بمقتضاه.
  3. يجب إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية كونه يتجاوز حدود ما يسمى الجرائم الإلكترونية ليضيف عليه جرائم عادية، دون وعي أو إدراك، تقريبًا في جميع المجالات، وهذا غير دستوري.
  4. يُعدّل قانون الجرائم قانون الإجراءات الجزائية ليُنهي أو يتجاوز الضمانات الدستورية للدفاع ويُغير الوضع القانوني للنيابة من خَصمٍ في الإجراءات الجزائية إلى حَكمٍ وقاضي وجهة تنفيذ، وهذا غير دستوري.
  5. يمنح القانون النيابة العامة صلاحيات استثنائية غير مبررة على الحياة الخاصة للأفراد، وإذا كانت معظم حياة الناس هي فعلًا في المجال الإلكتروني فهذا يعني أنّ هذا المجال لا يمنح القدسية للحياة الخاصة بل بحجة درء خطر الإختراق (والسلطة العامة غير مهيأة أو قادرة على درئه) تضع الأفراد تحت خطر إجراءاتها التعسفية، وهذا غير دستوري.
  6. يمنح القانون النيابة العامة صلاحيات غير دستورية معيبة ومخالفة للقواعد الدولية في حجب المواقع وإغلاقها دون إيجاد ضمانات منع التعسف أو حتى المطالبة بوجود حكم قضائي وفقًا للقانون الأساسي.
  7. القانون مليء بالعبارات غير الدستورية والتي درج على إزالتها العالم الحديث من القوانين ولكن بحجة تحديث القوانين وعصرنتها، ما يعد بحد ذاته غير دستوري، رجعنا إلى القوانين العصر الحجري.
  8. لا حاجة لإصداره كون غاية إصداره مدعاة وغير حقيقية أو ضرورية أو قابلة للتحقق بأية صورة من الصور، وهذا مخالف للدستور.
  9. المبالغة في الحديث عن فوائده، وهي بالفعل غير موجودة أو حقيقية ولنا تجارب سابقة وكثيرة وخطيرة من هذا النوع من المبالغة والاستخفاف بالعقول لتحقيق مصالح ضيقة تنتهي بإنتهاء أصحابها، ولكن لا أحد يعتبر.
  10. صدر القانون عن جهة لا تملك صلاحية إصداره ويتعلق بجهة لها ضمانات وحصانة أكثر مما يتخيل أصحاب السلطة، فهذا القانون خطير كونه يتعلق بالشعب مصدر السلطات ويتعدى على حقوقه وينتقص من ضماناته مقابل أصحاب السلطة (الأطراف) غير المخولين بوضع مثل هذه القوانين، وهنا عوضًا عن خدمة الشعب ومصالحه يتم استغلال نصوص تفويضية إستثنائية بمباغتة الشعب والإنقضاض على حقوقه وقدسية حصانته.
  11. إجراءات إصداره غير طبيعية ولَم تصل حد الإجراءات الإستثائية بل تجاوزتها لتصل حد إجراءات الغدر قبل منتصف الليل.
  12. هناك تناقض وتعارض مصالح سواء في عملية إصداره أو جهة تنفيذه.
  13. بعض نصوص القرار بقانون تخلط ولا تفرق بين الجناية والجنحة على نحو يفتقد لأساس قانوني. فمثلاً تنص المادة (60) من القرار بقانون على أنّ عقوبة كل من أنتج أو أدخل عن طريق الشبكة الإلكترونية، هي الأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار أردني. فالأشغال الشاقة المؤقتة هي عقوبة جنائية، بينما الغرامة عقوبة جنحية مهما بلغت قيمتها، وبالتالي، لا يمكن وصف هذه الجريمة بأنها جنحية ولا يمكن وصفها في ذات الوقت بأنها جنائية، الأمر الذي يثير مشكلة في اختصاص المحكمة، ويؤثر بشكل كبير على أحكام العود والتكرار التي نص عليها المشروع نفسه.
  14. هو منسوخ من دول قمعية لا تحترم شعوبها وتستعبد مواطنيها ولا يمت للقانون المقارن عند الأمم المتحضرة بأية صلة، وذِكر حقوق الإنسان أو الإدعاء بحمايتها سواء في المجال الإلكتروني أو العادي من خلال هكذا قوانين هو في حقيقته استغلال لقيم مقدسة لتحقيق مقاصد ضيقة لا يتناسب مع إدعاء تحرير الإنسان وبناء الدولة وإنهاء الإحتلال الإستعماري معها، وهو في حقيقته تدنيس للإنسان وقيمته وكرامته قبل حقوقه.

 كل ذلك يعني أنّ صياغة القانون لا يتعلق بالحد والحماية من الإختراق وسرقة البيانات بل أمام تعدي جديد وخطير غير مسبوق على الحقوق والحريات، وعليه تُطالب لجنة دعم الصحفيين السلطة الفلسطينية:

  1. الكف عن انتهاك الحقوق والحريات العامة، وعلى كل قاضٍ وكل موظف صاحب ضمير أقسم على احترام القانون الأساسي أن يرفض تطبيق القرار بقانون الجرائم الإلكترونية لأنه قانون منعدم، والذي صدر، ليس فقط غصبًا للسلطة، بل خلافًا للقانون الأساسي من حيث الجهة المختصة بالتشريع.
  2. عدم تدخل غير المسبوق للجهات الأمنية في الحياة المدنية، وما يرافقه من إصدار أنظمة وإجراءات تهدف للتضييق على عمل منظمات المجتمع المدني، إضافةً إلى الاعتقالات السياسية، وفرض قيود على الحق في حرية الرأي والتعبير واحتجاز الصحفيين.
  3. الوقف الفوري لتطبيق هذا القانون، وإعادة مناقشته مع الجهات المختصة، وعلى رأسها المنظمات الحقوقية، مؤسسات المجتمع المدني، والشركات مزودة بخدمات الإنترنت والاتصالات، لأجل الوصول إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يتوافق مع القانون الأساسي المعدل والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

لجنة دعم الصحفيين – فلسطين
19 آب 2017